نظير الكندوري - خاص ترك برس

في إعلانٍ مفاجئ للبعض وغير مفاجئ لمراقبي الشأن العراقي، أوفد مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراق الجديد وفي الأسبوع الثالث لتوليه رئاسة الوزراء، وزير ماليته بالأصالة ووزير النفط بالوكالة، السيد علي عبد الأمير علاوي إلى السعودية، وسط أزمة مالية شديدة يعاني منها العراق، لم يشهدها في تاريخه منذ عقود، راجيًا أن يكون الحل موجودًا في الرياض التي طالما أسهب السياسيون العراقيون المحسوبون على إيران، في تحميلها المسؤولية عن جميع المطبات التي مرت بها البلاد، تراهم اليوم يباركون هذه الخطوة التي أقدم عليها الكاظمي، بل انهم يستبشرون بما ستعود على العراق من فوائد اقتصادية وسياسية. 

ففي هذا الشأن وصف المستشار المالي لرئيس الحكومة العراقية مظهر محمد صالح، زيارة وزير المال ‏العراقي للمملكة العربية السعودية بالمهمة في مجال استقرار أسعار النفط عالميا وفرصة للانفتاح في كافة المجالات التجارية والاستثمارية، وكان "مظهر" قد حذر بوقت سابق، من إن الحكومة تواجه مشكلة كبيرة في تأمين رواتب شهر يونيو/ حزيران القادم، لا سيما وأن إيرادات النفط لشهر مايو/ أيار الجاري، كانت ضعيفة للغاية، أما النائب مثنى أمين ‏عضو لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية، فقد اعتبر الزيارة، جزءًا من ملف تقوية علاقات العراق مع دول الجوار، وأن ‏‏السعودية دولة غنية وذات ثقل في المنطقة تستطيع أن تقدم الكثير للعراق.‏

ويبدو أن هذا الانفتاح الذي يقوم به الكاظمي ليس مفاجئًا أيضًأ للسياسيين الممسكين بزمام السلطة بالعراق، فالكاظمي وقبل أن يتولى رئاسة الوزراء كان صريحًا معهم، حينما اشترط على القوى السياسية التي رشحته لمنصب رئاسة الوزراء، أن تمنحه ‏الحرية الكاملة في الانفتاح على الدول العربية، كي يتحرر من ‏الأسر الإيراني الذي ظل العراق عالقًا فيه طوال الـ17 سنة الماضية، والتي لم يكسب منها العراق، سوى الغرق في وسط حروب داخلية لا تنتهي وانهيارًا اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا بشكل واسع، والتراجع إلى الوراء لعقود عديدة في حساب تطور الدول. 

الكاظمي اليوم، يريد استثمار الصفات التي يتحلى بها كونه شخصية غير محسوبة على جهة محددة، ولم يمارس السياسة من قبل بشكل واضحٍ وصريح، ناهيك عن قضائه لفترة طويلة في الولايات المتحدة الأمريكية، عكس معظم السياسيين الممسكين بالسلطة الذين كانوا يعيشون في كنف إيران لسنوات عديدة. ويحاول تقديم نفسه لدول الخليج وبالذات إلى السعودية، بأنه الشخصية التي ترغب بها لتحسين علاقاتها مع العراق، ودعمهم للكاظمي سيعطي انطباعًا للشعب العراقي، بأن دعم العرب له هو من انقذ العراق من الدمار الذي وصل له بسبب علاقاته الوطيدة مع إيران. 

ماذا يمكن للسعودية أن تقدمه للكاظمي؟

الجميع سمع بالتسريبات التي كُشف عنها، والتي أفادت أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو حثَّ السعودية والإمارات على دعم حكومة الكاظمي، لكي لا تفشل في إدارة المرحلة الحالية، ويجد المحور الأمريكي ومن خلفه دول الخليج، أن الفرصة مواتية لسحب العراق إلى الحضن العربي بعيدًا عن إيران، حيث إن الأخيرة تعاني من ضائقة اقتصادية كبرى ليس سهلًا عليها تخطيها، فضلًا عن أن تساعد العراق بتخطيها. وعلى هذا الأساس تعمل دول الخليج في سحب العراق من إيران اقتصاديًاـ يتبعها بعد ذلك سحبه سياسيًا. 

ومن الأمور التي يمكن للمملكة السعودية مساعدة العراق فيها، تخليصه من أزمة عدم توفر السيولة المالية بسبب تهاوي أسعار النفط، بعد أن أحجم البنك الدولي عن إقراض العراق لرفد موازنته التشغيلية التي في جلها تذهب لصرف الرواتب أو جيوب الفاسدين. يمكن للسعودية إعطاء العراق بضعة مليارات كقروض، ريثما يستقر سوق النفط العالمي، ويتخلص من أزمته الحالية. لكن الأمر الأهم من ذلك هو قدرة السعودية على أن تكون البديل المناسب لاستيراد الغاز والكهرباء منها وبأسعار تنافسية وجودة عالية، أفضل من الغاز والكهرباء الإيرانية التي وجد العراق نفسه أسيرًا لها ويتعرض لضغوط أمريكية بسببها. 

سابقًا فوت العراق على نفسه فرص كبيرة للاستفادة من دول الخليج وبالذات المملكة العربية السعودية، عندما كان للسعودية توجهًا كبيرًا للعراق في عهد حيدر العبادي، حينها كانت اقتصاديات الخليج بأفضل من حالها اليوم، حيث نرى إن معظم دول الخليج اليوم، تعيد حساباتها الاقتصادية في ظل تهاوي أسعار النفط، وبالذات السعودية التي لا تعاني من تهاوي أسعار النفط فحسب، إنما تعاني من تورطها في حرب اليمن، ومشاكل داخلية كبيرة.

لكن مع ذلك، السعودية وبالرغم من عسر حالها الاقتصادي الحالي، فإنها تجد في العراق فرصة مثالية لتخفيف الخطر الإيراني المتمثل بدعمها للحوثي، وإدامة حرب اليمن إلى ما لا نهاية قريبة لها. فالدعم السعودي للعراق سيكون مشروطًا بتدخل عراقي لاستثمار علاقاته مع إيران، لتخفيف وطأة حرب اليمن على السعودية، وتعتبر هذه الفائدة التي سوف تجنيها السعودية من استثمارها للعلاقات مع العراق، أكبر فرصة لها للتخفيف عنها، لا سيما في الوقت الذي نلاحظ تخلي الولايات المتحدة تدريجيًا عن حمايتها أمام التحديات التي تشكلها إيران.

أما بالنسبة للكاظمي وفريقه الذي اختاره في حكومته، فهو يحاول اللعب بهدوء وبدون ثورية، لإعادة المركزية للدولة العراقية، وسحب البساط من المليشيات المدعومة من إيران، والرهان على المساعدات الخليجية في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلاد، تعتبر فرصة مثالية لهذا الحل. حيث أصبحت هناك قناعة عند جميع الطبقة السياسية العراقية، بأنّ إيران ليس ‏لديها ما تقدّمه للعراق خلال الفترة القادمة، والمتوقّع إن أزمتها الاقتصادية ستصل إلى درجة ‏غير مسبوقة من التعقيد جرّاء تهاوي أسعار النفط وتعطّل كثير من أنشطتها بفعل ‏جائحة كورونا، فضلًا عن العقوبات الأمريكية التي أرهقتها.‏ وباسم توفير الموارد المالية للدولة يمكن للكاظمي سحب المعابر الحدودية التي تستغلها المليشيات في دعم نفسها ماديًا بالإضافة إلى إجراءات أخرى. فالتسريبات تؤكد أن السيد الكاظمي بصدد أتخاذ سلسلة من الإجراءات التي رُبما ستكون ‏قاسية داخل الهيكل الإداري للدولة ‏لوقف التسيب المالي الذي تعاني منه الدولة العراقية.

لكن هل ستستغل السعودية الفرصة الحالية لتراهن على الشخصيات الرابحة، أم إنها سوف تعيد الكرة مرة أخرة لتراهن على الشخصيات الخاسرة كما فعلت سابقًا، بمعنى إن السعودية حينما أرادت أن تسحب العراق للحضن العربي بعيدًا على إيران عام 2017، قامت بتقريب شخصيات معروفة بولائها لإيران، بل إن بعضهم من قادة أو أعضاء في مليشيات معروفة الولاء لإيران، طمعًا بسحب ولائها من إيران كما كانت تظن. قرَّبت مقتدى الصدر، ووزير الداخلية السابق قاسم الأعرجي المنتمي لمليشيا بدر، وغيرها من الشخصيات التي لم تقدم شيئًا للسعودية. اليوم على السعودية، أن تجد شخصيات أخرى لتقربهم غير تلك الشخصيات. 

من المؤكد أن إيران لن تسكن على هذا التقارب العراقي الخليجي، وفي سبيل تهدئة إيران، قام الكاظمي بنفس اليوم الذي اوفد وزير ماليته للسعودية، قام بإجراء اتصال مع نائب الرئيس الإيراني إسحق جيهانغيري، واتفقوا على إعادة تفعيل عمل اللجنة الوزارية العراقية – الإيرانية المشتركة. لكن إيران من غير المرجح إنها تمتلك خيارات عديدة للتأثير على الكاظمي في توجهاته الحالية نحو العرب، بسبب ضعفها الحالي، وعدم رغبتها بالمغامرة بمستقبل وكلائها في العراق، فهي بالنهاية لا تريد للنظام السياسي العراقي ينهار وتطوى صفحة الأحزاب والمليشيات التي ترعاها طيلة السنوات السابقة في حال اشتد الخناق الاقتصادي عليه. لذلك فإنها تريد التهدئة وتترقب بحذر، عسى أن ينالها شيئًا من التحسن الاقتصادي العراقي ويعود بالنفع لها.

إن المملكة السعودية إذا ما استطاعت استثمار حاجة العراق لها بشكل صحيح، ستكون قادرة على إحداث تغير حقيقي في الموازين السياسية والعسكرية في المنطقة، وسيعود هذا التغير بالنفع لها أولًا، ثم للشعب العراق ثانيًا. فالعراق بلد مهم وله ثقله السياسي والعسكري في حال انعتاقه من ربقة الأسر الإيراني.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس