ترك برس

لا يكاد يخلو شارع أو زقاق أو حي في مدينة إسطنبول، من بائع أزهار وورود، إذ تعتبر هذه المهنة قديمة ومتوارثة من الأجداد.

وتمثل زراعة الزهور والاتجار بها واحدة من المهن المزدهرة في مدينة إسطنبول، ويعمل فيها الآلاف من الزارعين والباعة والمستثمرين، وبالكاد تجد حياً أو منطقة سكنية يخلو من ركن مميز لبيع الزهور أو حتى محلات كبرى.

وفضلاً عن العاملين النظاميين في بيع الورود، فإن المئات من الرجال والسيدات والشبان يعملون في بيع الورد بين طوابير السيارات في أزمات السير الخانقة، سيما في فترات الأعياد والمناسبات خاصة في عيد الأم وحتى ما يسمّى بـ "عيد فالنتاين"، يوم الـ 14 فبراير/شباط من كل عام.

غومش أونال، بائع أزهار تركي يستقبل زوار منطقة "تقسيم" يوميا بوروده المنتشرة في ساحة الميدان الرئيسية وكأنها معلم أساسي ولد مع المدينة، بل ويسعى جاهداً كل يوم ليكون من أوائل من يفتحون أبواب متاجرهم.

ويتعامل الخمسيني التركي مع أزهاره بعناية شديده إلى حد أنه يشعر بالتوتر كلما شاهد طفلاً يقترب منها خشية أن يسيء معاملتها.

ويقول أونال إنه عمل مع والده في زراعة الورد وإنتاجه بولاية مانيسا منذ أكثر من ربع قرن، قبل أن يهاجر للإقامة في إسطنبول حيث افتتح محله الأول "جيجيكجي" (وتعني صاحب الورد) أول الأمر في منطقة بكر كوي.

ونجح الرجل قبل ثلاث سنوات في الفوز بمناقصة ضمان محل في ميدان تقسيم ليتحول إلى مشروع عمره الذي يبيع الورود فيه من شتى الأصناف.

وتكسب آلاف العائلات عيشها من زراعة الورد وتجارته والصناعات المرتبطة به في مجالات العطور ومواد الزينة والتجميل وصناعات الأدوية، كما تحول تصدير الورد إلى مصدر دخل قومي بالعملة الصعبة.

وتقول الإحصائيات الرسمية أن 25 ألف تركي يعملون بزراعة وتجارة الورود بشكل مباشر، ويعمل نحو ثلاثمئة ألف بشكل غير مباشر.

بدوره، قال إسماعيل يلماز،رئيس جمعية مصدري أزهار ونباتات الزينة في تركيا، إن الأخيرة صدرت زهورا بقيمة 110 ملايين دولار خلال 2019 بزيادة قدرها 10% عما حققته في العام السابق له.

وأكد أن صناعة الزهور وتجارتها آخذة في التنامي، متوقعا أن ترتفع قيمة الصادرات من الزهور هذا العام إلى 125 مليون دولار، وفقاً لما نقله تقرير لموقع الجزيرة نت.

وأوضح أن الزهور ونباتات الزينة التي تصدرها بلاده وصلت إلى 83 دولة أبرزها هولندا والمملكة المتحدة وبلغاريا وألمانيا ورومانيا وأوزبكستان، وأن دولا جديدة بدأت باستيراد الزهور التركية عام 2019 من بينها سنغافورة وليتوانيا وروسيا البيضاء.

ويعرف عن الأتراك اهتمامهم الكبير بالزهور وزراعتها وصناعة منتجاتها عبر التاريخ، فهم أول من عرف "شراب ماء الورد" الذي ما زال يستخدم على نطاق واسع في المطبخ التركي.

وتبيع بعض المتاجر إلى يومنا هذا بتلات الزهور الجورية الصغيرة بسعر مئتي ليرة (35 دولارا) ليستخدم كمشروب شاي الورد، ولتصنع منه مربيات الجوري المشهورة في تركيا.

وفي منطقة الفاتح، لا تزال حديقة "غولهانة" المجاورة للقصور العثمانية التاريخية تنبض بأمواج الورد بألوانه الزاهية التي تجتذب السياح والزوار من كل مكان.

وتقول المراجع التاريخية أن سلاطين بني عثمان أمروا بافتتاح تلك الحديقة كمزرعة تنتج فيها الأزهار التي تنقل لتزيين قصورهم، كما هو الحال في حديقة قصر الباب العالي "طوب قابي" الذي عرف أكثر سنوات العصور العثمانية قوة وازدهاراً.

ومن أبرز المحطات السنوية لمدينة إسطنبول، هي مهرجانات زهرة التوليب التي تقام في الربيع من كل عام.

وتحول مهرجان زهرة "التوليب" إلى حدث سنوي مركزي على الأجندة السنوية، فخلال نيسان/أبريل كل عام تتزين إسطنبول خلاله بأكثر من ثلاثين مليون زهرة زنبق تنتشر بالحدائق والميادين وحتى على أرصفة الشوارع.

وتنتج البلاد نحو ستين مليون زهرة سنوياً أغلبها بولاية إسبارطة وفي قونيا موطن الزنبق الذي يوزع على كافة الأراضي التركية موسم التوليب، أما سجادة التوليب العملاقة بحديقة جامع السلطان أحمد في إسطنبول، فقد أصبحت في السنوات الأخيرة أيقونة ترشد إلى عبق المكان.

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!