ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

في عملية قياس السلوك في الغالب تتبع منهجية الملاحظة المباشرة أو قياس نتائج السلوك، للتعرف على السلوك المستهدف من جوانبه المختلفة والتعرف على العوامل التي تؤثر فيه سواء من حيث البيئة المحيطة أو الإمكانيات والقدرات الشخصية للشخص المراد قياس سلوكه، وما ينسحب على الأفراد ينسحب بشكل أو بآخر على الدول.

خلال هذا الأسبوع أعطى البرلمان في مصر تفويض للجنرال السيسي لقيام الجيش بمهام قتالية في الخارج، والذي فسره المحللون على أنها رسالة موجهة لفتح جبهة للقتال في ليبيا، لاسيما وقد سبق هذا التفويض لقاءات ومداخلات خطط مسبقا مع من صورهم النظام في مصر على أنهم وجهاء ومشايخ قبائل في ليبيا تدعو الجنرال إلى التدخل عسكريا لوقف زحف الحكومة الشرعية في ليبيا لاستعادة سيادتها على كامل التراب الليبي، واصفين الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا بالإرهاب والجيش الوطني بالميليشيات.

وجاء في البيان الذي أصدره برلمان السيسي بشأن القرار: (وافق المجلس بإجماع آراء النواب الحاضرين على إرسال عناصر من القوات المسلحة المصرية في مهام قتالية خارج حدود الدولة المصرية للدفاع عن الأمن القومي المصري في الاتجاه الاستراتيجي العربي ضد أعمال الميليشيات الإجرامية المسلحة والعناصر الإرهابية الأجنبية).
وإن كان البيان لم يتطرق إلى الوضع في ليبيا مباشرة، ولعل ذلك ما أرادته المخابرات الحربية - المحرك الحقيقي للبرلمان وصانعته على عينها - لتكون ورقة يمكن اللعب بها في حينها باتجاه إثيوبيا، لكن وكالات أنباء التقت بالنواب الذين ناقشوا القرار، أكدوا أن الحوارات كلها انصبت على الأزمة الليبية والتدخل التركي فيها والخط الأحمر (سرت - الجفرة) الذي وضعه السيسي لقوات الشرعية وداعميها.

يأتي تصعيد النظام المصري تزامنا مع حشود عسكرية كبيرة أتت من كل أنحاء ليبيا لخوض المعركة المصيرية، كما يراها الثوار، التي على أساسها يمكن الجلوس للحل السياسي، وما قبله فلا حل في ظل إخلاف الجنرال خليفة حفتر لوعوده والتزاماته الدولية، وبقاء سرت والجفرة تحت سيطرته معناه أن الأزمة ستظل ودول محور الشر سيظلون يعبثون في ليبيا، ومن ثم فإن الحراك على الصعيد المصري جاء مدفوعا من الإمارات والسعودية وفرنسا التي وعدت بدعم سياسي دولي، مستفيدة من حالة الغضب الأوروبي على تركيا، وإن كان الغضب وحده لا يغير موقفا في السياسة، ولكن الموقف الحقيقي يرسم من خلال ترتيب المصالح وتمرير الفرص، وهو الخطأ الذي ارتكبه ماكرون بالاصطفاف مع روسيا في أزمة ليبيا ما جعلها في موقف ضعيف في حلف "ناتو".

النظام المصري يعول على الغير في إيجاد حلول لأزماته، حتى أصبح كاللاجئ الذي ينتظر دولة اللجوء أن تؤويه وتطعمه وتكسوه وتعلمه، وتحل له مشاكله الزوجية، إن أمكن، ركن إلى وعد إماراتي بالدخول إلى ليبيا في مقابل حل أزمة سد النهضة! ذلك السد الذي بدأ ملؤه بالفعل قبل حتى الموعد المحدد سلفا من الجانب الإثيوبي، الأمر الذي جعل النظام المصري يناور هو الآخر، آخذا نصف خطوة للأمام نحو ليبيا بهذا القرار الذي استصدره من البرلمان، فالكل يعرف أن هذا البرلمان إنما هو سكرتارية تنفيذية للسيسي ومن يدير المشهد من خلفه ليس إلا.

والمتتبع لسلوك النظام المصري مع موردي "الرز" من دول الخليج يعلم جيدا أن دخول السيسي إلى ليبيا قد يكون من المستبعدات، فلقد حاولت كل من السعودية والإمارات إقحام النظام المصري في سوريا لضرب المصالح التركية، وتعاون النظام مع ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية، وميليشيات قوات سوريا الديمقراطية (YPG) وأرسل بعض الضباط إرضاء للكفيل الخليجي، ثم قتل الموضوع لتنخرط الإمارات بنفسها بعد تخاذل الطرف المصري، وفي حرب اليمن دخل النظام المصري في التحالف العربي لدعم الشرعية، ورفض الدخول بقوات على الأرض في اليمن، بل وفي فترة من الفترات ابتز السعودية بفتح حوار مع طهران، لترضخ السعودية وترسل وجبة جديدة من "الرز" لإرضاء الجنرالات، وفي حصار قطر دخل النظام المصري على الخط، وهو دولة غير خليجية، للاستفادة من الضغط وما ينتظر أن ينتج لاستلام المعارضين المقيمين في الدوحة، لكنه في النهاية لم يقدم شيئا ملموسا إلا مؤتمرين صحفيين دفع فيهما وزير خارجيته ليلتقط الصورة ويرضي الكفيل.

وفي ليبيا نستطيع أن نقرأ من خلال تسلسل الأحداث بعد الهزائم التي مني بها حفتر خلال الشهرين الماضيين، والمتمثلة في اقترح السيسي مبادرة سلام، ثم استجلابه لبعض الوجهاء ومشايخ العشائر بشكل دراماتيكي أقرب إلى الأفلام الهندية للاستنجاد به، ثم عرضه لقواته الخاصة ومدرعاته وطائراته على الحدود مع ليبيا في المنطقة الغربية العسكرية، قبل أن تلتقط الأقمار الصناعية سحبها بعد العرض بيومين، كل ذلك يؤشر إلى أن خطة جلب "الرز" حاضرة للتعامل مع الأزمة، وأن أقصى ما يمكن أن يقوم به السيسي هو تسليح القبائل كما ذكر في خطابه أمامهم، وإن فعل، فإنه يضغط على زر البدء لصوملة الحالة الليبية، وهو ما لا أظنه مقبولا دوليا لعدة أسباب قد يكون لنا معها وقفة، لكن بالنهاية، ومع الضغط الشعبي المكبوت تحت ضغط الاقتصاد وفشل ملف سد النهضة، غالبا لن يقدم السيسي على مواجهة تركيا ولو بالوكالة.                

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس