ربيع الحافظ - خاص ترك برس

واضح الفرق بين تفاعل دول العالم مع كارثة هيروشيما بيروت ودعوتها على الفور لتشكيل محاكم تحقيق دولية وعقد مؤتمر دولي للمانحين وهروع زعماء الدول إلى بيروت بعد سويعات على وقوع الكارثة (تمنياتنا لكل خير ينال الشقيقة بيروت) وبين صمت العالم حيال كارثة هيروشيما الموصل التي مضى عليها اكثر من ثلاثة أعوام وحال المدينة المدمرة كما هو وآلاف الجثث تحت الأنقاض ومئات آلاف النازحين في المخيمات والنزيف السكاني لأهلها الأصليين مستمر.

الفرق بين الموصل وبيروت أمام مثل الكارثة هو أن الأخيرة ظلت حاضرة في حسابات القوى الدولية التي من أجلها وجد لبنان بالأساس كمحاصصة طائفية دولية وهذه القوى تثبّت موقفها من تلك المحاصصة عند كل حدث مهم ولها في بيروت مؤسسات ثقافية ودينية وأكاديمة هي من أسس دولة لبنان واحتضنت المدارس الفكرية التي قادت إلى تقسيم المنطقة العربية وهي امتداد لدوائر التأثير وصناعة القرار في الدول المهمة. بالنسبة لهبّة حكام الخليج فهي مستثناة من هذا التفسير لأن لهم حوافزهم المختلفة نحو لبنان.

الموصل عاصمة اقليمية جردت من مقوماتها الثقافية والاجتماعية واقتصادها العالمي عندما ألحقت بالدولة العراقية مطلع القرن الماضي وانغلقت على ثقافة محلية (وطنية) وصرفت مقدراتها الثقافية للدولة الجديدة وأحرقت باقي الجسور الثقافية، أجيالها المعاصرة لا تعرف شيئا عن أهميتها الإقليمية التي تحدثت عنها كتب عالمية حتى غاية 1900 وتحولت من مركز لإقليم له حساباته الدولية إلى تابع لمركز ومن عاصمة إقليمية إلى مدينة ثانوية.

بعد سقوط الدولة العراقية وجدت المدينة (التي تتحدث لغة ثقافية محلية فقط) نفسها في منطقة الظل الإقليمي والدولي فلغتها الثقافية لا تخدمها في فنون توجيه المصالح الاستراتيجية الدولية نحو مصالحها وقد انعكس ذلك على مثقفيها في الخارج الذين لم يصنعوا مبادرات استراتيجية تمنح مصالح الموصل وزنا في الحسابات الدولية ولم ينجح أهل الموصل في إيجاد مصالح مشتركة مع حليف دولي وكانت حصتهم في العلاقات الدولية هي النوايا الحسنة التي لا وزن لها.

#البحث_عن_حليف_دولي

الجانحة التي تواجهها الموصل تحت حكم المليشيات والتي تجتثها من أصلها ولن تبقي لها حتى أسمها (الذي يتغير تدريجيا في الإعلام الى نينوى) وباء اجتماعي ينتشر بالملامسة فقط (مثل كورونا) لا يكترث به من هو بعيد عنه ويثير قلق من هو على تماس مباشر معه ومجتمعه شديد الشبه بمجتمعنا وعرضة للفايروس الذي يفتك بنا وهذه أهم معالم الحليف: تركيا.

اهتمام تركيا بالموصل دون المستوى لكن حماية نفسها من الجانحة يستدعي حواضن آمنة اجتماعياً وأمنيا معا (وليس الأمنية فقط) وهذه هي المعادلة الإقليمية للقرن 21 (الأمان مقابل الإعمار) وهي مفتاح إشراف دولي على الموصل (بخصائص محددة) لا مصلحة لدولة فيه ولا مقدرة لها على تنفيذه بأبعاده الاجتماعية الأمنية والاقتصادية والانشائية سوى تركيا.

حين تتساءل الموصل (بذهول) عن عدم اكتراث العالم بنكبتها فذاك حق لها ولكن عليها الإعداد لمتطلبات هذا الاشراف فالخلطة الثقافية في بيروت هي التي تجلب الرئيس الفرنسي إلى بيروت كل مرة والموصل تبحث عن خلطة تستجلب إشرافا دوليا يحفظ مجتمعها من الفناء ويفتح طريق البناء.

فرنسا لن تأتي إلى الموصل ولن يأتي غيرها فقط تركيا يمكن أن تأتي إذا تحدث أهل الموصل (مثقفوها في الخارج) بلغة المصالح المشتركة وحركوا قضيتهم على الساحة الدولية وإلا ستبقى الموصل لحماً على وضم (الوضم خشبة الجزار التي يقطع عليها اللحم)

لتكفّ الموصل عن مقارنة نفسها ببيروت فهذه المقارنة غير صحيحة ولتنشغل بنبش اوراقها الاستراتيجية المشتركة مع حليفها حينها ستتمكن إن شاء الله من إحداث ثغرة مهمة في جدار الإشراف الدولي والخروج من قبضة حكومة المليشيات في بغداد بشكل مؤقت أو نهائي وإلا فستختفي عن الخريطة السياسية.

عن الكاتب

ربيع الحافظ

باحث وكاتب عراقي، متخصص في العلاقات الاستراتيجية العربية التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس