(لوحة تيتيان "1530" للسلطان سليمان القانوني وفرنسوا الأول ملك فرنسا)

ترك برس

وسط توتر العلاقات التركية الفرنسية، برزت حادثة تاريخية إلى الواجهة، تتمثّل في نجدة ملك فرنسي، سلطاناً عثمانياً، لتخليصه من الأسر.

وعادت الحادثة إلى الواجهة عقب تغريدة للبعثة لفرنسية الدائمة لدى حلف شمال الأطلسي "ناتو"، هنأت فيها تركيا في الذكرى السنوية الـ 97 لعيد الجمهورية.

المثير في رسالة التهنئة هذه، أن البعثة أرفقت تغريدتها بصورة للعلمين التركي والفرنسي، وبصورة للسلطان العثماني، سليمان القانوني، والملك الفرنسي، فرانسوا الأول الذي خلّصه السلطان العثماني من أسر كارل الخامس، حاكم النمسا.

وتعود الحادثة التاريخية إلى بدايات القرن الـ 16 الميلادي، حيث زادت في الفترة الأولى من حكم السلطان سليمان القانوني ( 1520-1566م) الصراعات والخلافات بين فرنسا وآل هابسبورج الذين حكموا في إقليم ألمانيا وإسبانيا، وبعد أن أصبح كارل الخامس ابن فيليب الأول أرشيدوق (حاكم) النمسا زادت حدة الصراعات بين البلدين، وكان أيضًا انتشار المذهب البروتستانتي الذي تزعمه "مارثن لوثر" له أثر في زيادة حدة الصراعات بين فرانسوا الأول وكارل الخامس.

وبعد هزيمة "فرانسوا الأول" في منطقة تسمى "بافيا" في 25 فبراير/شباط 1525م، ووقوعه أسيرًا في يد "كارل الخامس" وحبسه في مدريد، بحثت فرنسا عن حليف لها ولم يعدها أحد بالمناصرة سوى العثمانيين الذين كان لهم تأثير كبير في المنطقة في تلك الفترة، فكتبت والدة "فرانسوا الأول" والوصية على العرش دوقة "آنجوليهم لويز دى سافوا" خطابًا موجها إلى السلطان سليمان، كما أرسلت سفيرًا إلى العاصمة العثمانية، وهذا نص الخطاب:

"أرجأت فك أسر ابني حتى الآن أملًا في إانسانية شارلكان، بيْد أنه لم يقم بما تدعوه إليه إنسانيته التي بنينا عليها أملنا ورجاءنا بل أساء إلى ابننا وأهانه، وبناءً على هذا فإني ألتمس من جلالتكم وعظمتكم بصفة خاصة بأن تتفضلوا بإظهار فخامتكم بخلاص ابني وإنقاذه من قبضة ظلم عدونا وذلك بعظمتكم وجلالتكم المؤيدة والمصدق عليها من العالم."

وقد أرسل فرانسوا الأول شخصيًا خطابًا إلى السلطان مع خطاب والدته هذا جاء فيه:

"إلى حضرة حاكم وسلطان البلاد والممالك من أنحاء العالم المعمورة، السلطان المعظم والخاقان المفخم الذي هو ملاذ جميع المظلومين، أعرض على حضرتكم ما في القلب وهو: عندما هاجمتم فرديناند الأول ملك المجر نجونا من السجن بفضلكم، وعندما هاجمتم شارلكان ملك إسبانيا ثأرنا منه وانتقمنا، أنت ملك الملوك جليل الشأن، فأنا أسير فضلك من اليوم فصاعدًا؛ أي منذ تكرمك بالانتقام منه وهزيمته."

لم ينجح السفير الأول الذي كلف بإيصال الخطاب إلى السلطان، ولكن السفير الفرنسي الثاني "جون فرانجباني" الذي أرسل أواخر السنة نفسها نجح في الوصول إلى إسطنبول ومعه الخطابان المذكوران آنفًا.

فقابل السلطان سليمان، السفير الفرنسي في 6 ديسمبر/كانون الأول سنة 1525م باحتفال زائد وأجزل له العطايا، وبعد أن عرض عليه السفير مطالب دولته وعده السلطان بمحاربة المجر وكتب جوابًا على رسالته إلى ملك فرنسا، قال فيه:

"الله العلي المعطي المغني المعين، بعناية حضرة عزة الله جلت قدرته وعلت كلمته، وبمعجزات سيد زمرة الأنبياء وقدوة فرقة الأصفياء محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم الكثيرة البركات، وبمؤازرة قدس أرواح حماية الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وجميع أولياء الله، أنا سلطان السلاطين وبرهان الخواقين متوج الملوك ظل الله في الأرضين، سلطان البحر الأبيض والبحر الأسود والبحر الأحمر والأناضول والروملي وقرمان الروم وولاية ذي القدريه وديار بكر وكردستان وأذربيجان ودمشق وحلب ومصر ومكه والمدينة والقدس وجميع ديار العرب واليمن، وإن هذه الأراضي الشاسعة قد فتحها آبائي الكرام وأجدادي العظام بقوتهم القاهرة رحمهم الله، وكم من البلاد افتتحتها بسيفي الظافر المنصور. من السلطان سليمان خان بن السلطان سليم خان بن السلطان بايزيد خان إلى فرانسيس ملك ولاية فرنسا [في الترجمة الفرنسية ملك بلاد فرنسا]: وصل إلى أعتاب ملجأ السلاطين المكتوب الذي أرسلتموه مع تابعكم (فرانجباني) النشيط، مع بعض الأخبار التي أوصيتموه بها شفاهيًا، وأعلمنا أن عدوكم استولى على بلادكم وأنكم الآن محبوسون وتستدعون من هذا الجانب مدد العناية بخصوص خلاصكم وكل ما قلتموه عرض على أعتاب سرير سدتنا الملوكانية وأحاط به علمي الشريف على وجه التفصيل فصار بتمامه معلومًا، فلا عجب من حبس الملوك وضيقهم فكن منشرح الصدر ولا تكن مشغول الخاطر، فإن آبائي الكرام وأجدادي العظام نوّر الله مراقدهم لم يكونوا خاليين من الحرب لأجل فتح البلاد ورد العدو، ونحن أيضًا سالكون على طريقتهم وفي كل وقت تفتح البلاد الصعبة والقلاع الحصينة وخيولنا ليلًا ونهارًا مسروجة وسيوفنا مسلولة، فالحق سبحانه وتعالى ييسر الخير بإرادته ومشيئته وأما باقي الأحوال والأخبار تفهمونها من تابعكم المذكور فليكن معلومكم هذا. تحريرًا في أوائل شهر آخر الربيعين سنة 932هـ/ 1525م، بمقام دار السلطنة العلية القسطنطينية المحروسة المحمية."

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!