ترك برس

تشهد العلاقات التركية الفرنسية، هذه الأيام، توتراً متصاعداً إثر تصريحات رئيس الأخيرة، إيمانويل ماكرون، المناهضة للإسلام والمسيئة لنبيها محمد (ص).

إلا أن التوتر الحالي بين البلدين، لم تكن الأولى في تاريخ علاقاتهما، بل تتجدد وتتوسع مع تزايد ملفات الخلاف المتراكمة أصلاً منذ عقود بين البلدين.

ولطالما اعتمدت العلاقات التركية الفرنسية على عنصر ثالث خارج إطار المعادلة الثنائية في التفاهم أو التخاصم بين البلدين، فالتحالف الذي تم بين العثمانيين في عهد سليمان القانوني والفرنسيين في عهد فرانسوا الأول كان سببه عداء الأخير لملك إسبانيا شارل الخامس، وقد استمرت العلاقات الجيدة هذه لأكثر من قرنين، وقد تخاصما فيما بعد بسبب احتلال نابليون مصر.

ورصد تقرير لـ "الجزيرة نت" أبرز محطات الخلاف التركي الفرنسي. وأبرزها:

** انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي

مثّلت مسألة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي البداية الأساسية لتصاعد الخصومة بين البلدين، وقد ساهمت تصريحات المسؤولين الفرنسيين في تغذية مناخ شك وعدم ثقة.

ومن عوامل تأزيم العلاقة تعبير الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي عن "استحالة انضمام بلد فيه 80 مليون مسلم إلى الاتحاد"، فضلا عن وصف الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون سياسة الرئيس التركي "بالمشروع القومي الإسلامي الذي يُقدَّم عادة على أنه معاد لأوروبا".

** مزاعم مذبحة الأرمن
في 22 ديسمبر/كانون الأول 2011 جمدت تركيا علاقاتها مع فرنسا، وأصدر رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان قرارا بمنع الطائرات العسكرية الفرنسية من الهبوط على الأراضي التركية، وكذلك السفن الحربية الفرنسية من الرسو في الموانئ التركية، وتعليق جميع التدريبات العسكرية المشتركة، كما استدعى السفير التركي لدى فرنسا كرد فعل على موافقة البرلمان الفرنسي على قانون تجريم مذابح الأرمن أثناء الحرب العالمية الأولى.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن سنة 2019 أن 24 أبريل/نيسان يوم وطني بمناسبة ما تعتبره باريس ذكرى "الإبادة الجماعية"، في حين جاء الرد التركي باتهام فرنسا بارتكاب جرائم إبادة إبان فترة احتلالها الجزائر ورواندا.

** الأزمة السورية
تركيا تتهم فرنسا بأنه تحت عباءة مكافحة تنظيم "داعش" تدعم منظمة "بي كا كا" الإرهابية وقوات سوريا الديمقراطية، اللذين تحاربهما تركيا. كما نشرت فرنسا قوات عسكرية خاصة في مناطق سيطرة هذه التنظيمات بشمالي شرقي سوريا منذ 2016.

واعتبر ماكرون في حوار مع مجلة إيكونوميست في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 حلف شمال الأطلسي "ناتو" في حالة "موت دماغي" بعد عجزه عن القيام بأي رد فعل على العملية العسكرية التركية في أكتوبر/تشرين الأول 2019 ضد مواقع "ي ب ك/بي كا كا"، وما كان جواب أردوغان إلا أن قال "عليك أنت بفحص موتك الدماغي".

وسبق أن تبنت الجمعية الوطنية الفرنسية مشروع قرار يدين عملية "نبع السلام"، وتقدمت رئيسة لجنة الشؤون الخارجية مارييل دي سارنيز بمشروع القرار الذي نال موافقة 121 نائبًا دون أي معارضة.

** الملف الليبي
اختيار فرنسا بالتنسيق مع مصر والإمارات دعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أجج من خلافاتها مع تركيا الداعم الرئيسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، حين بلغ تصاعد لهجة الخلاف إلى تصريح ماكرون بأن تركيا تتحمل مسؤولية تاريخية وإجرامية في النزاع الليبي.

وعقّدت حادثة الاصطدام بين القوات البحرية للبلدين في يونيو/حزيران 2020 الخلاف التركي الفرنسي بشأن ليبيا، فقد اتهمت فرنسا البحرية التركية بالتحرش بالفرقاطة "كوربيه"، وبعد هذا الحادث قررت فرنسا الانسحاب من مناورات حلف شمال الأطلسي "حارس البحر" المكلفة بالتأكد من عدم خرق الحصار الدولي المفروض على توريد الأسلحة إلى فرقاء النزاع في ليبيا.

** مسجد آيا صوفيا
تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد من جديد اعتبرته فرنسا "استفزازا للعالم المتحضر"، حيث عبرت عن أسفها لهذا التغيير الذي مس أحد أبرز رموز علمانية تركيا.

لم يتأخر رد تركيا، مؤكدة أنه لا يحق لأحد فرض إملاءات في موضوع يتعلق بالحقوق السيادية للبلاد.

** شرقي المتوسط
قضية استغلال الموارد الطبيعية (الغاز والنفط) شرق البحر المتوسط من الملفات التي تؤجج أيضا الصراع التركي الفرنسي.

وعمليات التنقيب المتزايدة التي تقوم بها السفن التركية تغضب فرنسا التي تدعم بشكل وثيق مواقف قبرص اليونانية واليونان على حساب مصالح قبرص التركية وتركيا، لدرجة إرسال فرنسا تعزيزات عسكرية إلى المنطقة دعما لليونان.

ملف استغلال الموارد الطبيعية بالمتوسط أصبح أكثر تعقيدا وحساسية بعد توقيع تركيا معاهدة التعاون الأمني وترسيم المناطق البحرية مع حكومة الوفاق الليبية، لدرجة أن فرنسا اعتبرت الاتفاق باطلا.

** إفريقيا ساحة صراع جديدة
الديناميكية الدبلوماسية والاقتصادية التركية بأفريقيا تزعج بشكل جدي فرنسا على اعتبار أن هذه القارة كانت إلى وقت قريب فضاء استراتيجياً خالصاً لباريس بناء على مخلفات إرث المرحلة الاستعمارية.

ومنذ أكثر من 20 سنة تزايد الحضور التركي بالدول الأفريقية بقوة، فأنقرة لديها الآن أكثر من 41 تمثيلية دبلوماسية بالقارة، إضافة إلى تقوية نشاط وكالتها للتنمية "تيكا" وارتفاع عدد رحلات الخطوط التركية الجوية.

وعلى المستوى الاقتصادي، أصبحت الشركات التركية تفوز بمزيد من طلبات العروض والصفقات المرتبطة بالبنيات التحتية، رغم المنافسة التاريخية والقوية للدول الأوروبية وفي مقدمتها فرنسا.

لوجستياً، تمكنت تركيا من تقوية ديناميكية نقل البضائع والركاب بحيث أصبح مطار إسطنبول الجديد حالياً نقطة مركزية لربط الدول الأفريقية بباقي مناطق العالم.

** الرسوم المسيئة للرسول
شهدت فرنسا خلال الأيام الماضية نشر صور ورسوم مسيئة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام على واجهات بعض المباني.

وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قال ماكرون في تصريحات صحفية إن فرنسا لن تتخلى عن "الرسوم الكاريكاتيرية"، مما دعا الرئيس التركي إلى وضع حد لما سمّاها أجندة الرئيس الفرنسي المعادية للإسلام، كما دعا الشعب التركي إلى مقاطعة البضائع الفرنسية. وقال إن ماكرون يحتاج للرعاية العقلية.

من جهتها، قالت الرئاسة الفرنسية إن "تصريحات أردوغان غير مقبولة"، وأعلنت استدعاء سفيرها لدى أنقرة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!