ترك برس-الأناضول

شهد شرق البحر المتوسط عملا عدائيا وغير قانوني ضد أنقرة، حينما فتشت فرقاطة ألمانية، في إطار ما يسمى عملية "إيريني"، سفينة تجارية تركية كانت متوجهة إلى ميناء مصراتة شرقي ليبيا.

ونظريا تهدف عملية "إيريني"، التي تعني باللغة اليونانية "السلام"، لإنفاذ فرض حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، وفق قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2292 لسنة 2016.

لكن عملية "إيريني" التي أطلقها الاتحاد الأوروبي، انفصلت عن مبادئها الأساسية منذ بدء ما يسمى "أنشطة المراقبة"، لتصبح تجسيدا واضحا لكيفية احتجاز دول من الاتحاد لأعضائه الـ27 رهائن، من أجل مصالح ضيقة النظر شرق المتوسط.

ومع الأخذ في الحسبان أن الأعمال التحريضية الأوروبية تتكرر باستمرار، فإن العمل العدائي الأخير ضد تركيا تحت ستار "إيريني"، كشف في النهاية عن جدل معاصر بالقانون الدولي، وهو المناطق البحرية وحرية الملاحة في أعالي البحار.

** مزحة

في 31 مارس/ آذار الماضي، أطلق الاتحاد الأوروبي عملية "إيريني" في السواحل الليبية بالبحر المتوسط، بميزانية 9.8 ملايين يورو، لفرض حظر على توريد الأسلحة إلى ليبيا عبر المتوسط.

وتهدف العملية لحظر توريد الأسلحة والذخيرة والمركبات والمعدات العسكرية وشبه العسكرية وقطع الغيار إلى ليبيا، وفق قرار مجلس الأمن رقم 2292.

وأكد الاتحاد الأوروبي أن العملية يمكنها إجراء عمليات تفتيش للسفن في أعالي البحار قبالة السواحل الليبية المشتبه في أنها تحمل أسلحة.

لكن الأحد الماضي، فتشت الفرقاطة الألمانية "هامبورغ" التي يقود قواتها اللواء بحري اليوناني ثيودوروس ميكروبولوس، سفينة الشحن التركية "Roseline A" في إطار عملية "إيريني".

وغداة ذلك أقر مركز قيادة "إيريني"، أن قواته فتشت سفينة تجارية تركية في البحر المتوسط، دون إذن من أنقرة.

ورغم إعلان الاتحاد الأوروبي مراقبته البحر المتوسط عبر "إيريني" لتطبيق حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، إلا أنه يغض الطرف عن الأسلحة التي تصل البلاد عبر الحدود البرية مع مصر، أو جوا.

وليس مستغربا أن تعترف المبعوثة الأممية بالإنابة إلى ليبيا ستيفاني ويليامز، في فبراير/ شباط الماضي خلال مؤتمر ميونخ للأمن، بأن حظر الأسلحة أصبح مجرد "مزحة".

وهو ما ظهر في انتهاك مليشيا الانقلابي خليفة حفتر، وداعمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حظر الأسلحة علانية، ومنع صادرات النفط من الموانئ الرئيسية في ليبيا، عشية انعقاد مؤتمر برلين، لضمان حظر توريد الأسلحة إلى البلاد.

لذا كان من الطبيعي أن يعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مقالته الأخيرة بصحيفة "بوليتيكو" الأوروبية، أن "الحرب الأهلية الليبية، بمثابة اختبار حقيقي للاتحاد الأوروبي".

** المناطق البحرية

وضعت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار "UNCLOS"، والقانون الدولي العرفي، الأساس القانوني للمناطق البحرية.

وتخضع المياه الداخلية والبحر الإقليمي للسلطة القضائية للدولة الساحلية، فيما يعد الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة مناطق يمكن للدول أن تتمتع فيها بحقوقها السيادية.

لكن ذلك يخضع لاستثناءات محددة، أبرزها "حق المرور البريء" و"الولاية القضائية الجنائية على متن السفينة"، والتي يمكن أن تمارسهما دول العالم في هذه المناطق ضمن ظروف محددة.

أما أعالي البحار، التي تخضع لها مسألة "الفرقاطة الألمانية"، فهي مناطق يمكن لجميع الدول الساحلية وغير الساحلية فيها التمتع بالحريات المنصوص عليها بالمادة 87 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، مثل حرية الملاحة.

وتنص المادة 87 صراحة على أن أعالي البحار مفتوح لجميع الدول، كما أن حرية الملاحة إحدى قواعد القانون الدولي العرفي، ومن ثم فإن الالتزام بالامتناع عن أي أنشطة أو إجراءات قد تمس هذه الحريات يعد ملزما لجميع الدول والأطراف من غير الدول الموقعة على الاتفاقية.

ورغم ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي ظل غير مبال تجاه الانتهاك الصارخ لحرية الملاحة، للسفينة التركية التي كانت تحمل مساعدات إنسانية.

ومن "المخزي" للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، خاصة ألمانيا التي تتولى الرئاسة الحالية لمجلس الاتحاد، ألا ترى أي ضرر في انتهاك مبادئ "ويستفاليا".

كما أنه تطور مؤسف أن تحدث عملية التفتيش في أعقاب خطاب للرئيس أردوغان، بالقمة الافتراضية لمجموعة العشرين التي ترأستها السعودية قبل أسبوع، أشار خلاله أن "تركيا تفكر في مستقبل مع أوروبا".

** قرصنة بحرية

وفيما يؤكد مجلس الأمن دعم الحكومة الليبية الشرعية، فإن قراره رقم 2292، يهدف إلى منح الدول الأعضاء تفويضا مدته عام، لتفتيش السفن من وإلى ليبيا في أعالي البحار، قبالة ساحل البلاد.

ورغم أن قرار عملية "إيريني" ينص على أن الدول الأعضاء "تبذل جهدا جيدا للحصول أولا على موافقة الدولة التي تحمل السفينة علمها قبل إجراء أي عمليات تفتيش"، إلا أن ذلك لم يحدث مع السفينة التركية.

وينص القرار أيضا على أن الدول الأعضاء، التي تعمل على المستوى الوطني أو من خلال المنظمات الإقليمية، تضمن تنفيذ حظر الأسلحة المفروض، من خلال المشاورات المناسبة مع الحكومة الليبية.

ويمكننا القول بأبسط العبارات، إن هذا الاعتداء تحت ستار "التفتيش" ما هو إلا قرصنة بحرية ترعاها تلك الدول.

ورغم أن دولا في الاتحاد الأوروبي تتظاهر بأنها تعمل وسيط سلام بين الحكومة الليبية الشرعية والانقلابي حفتر، إلا أنها معروفة بأنشطتها الداعمة لهجمات مليشياته في الميدان.

لذا فإن غض الطرف عن عمليات نقل الأسلحة الهائلة إلى مليشيا حفتر ومرتزقة "فاغنر" الروسية، لا يتوافق مع التزامات الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء ذات الصلة، بموجب قرار مجلس الأمن ذاته.

وفي الواقع، يمكننا القول إن هذه الدول بعيدة عن "التشاور" مع الحكومة الليبية.

** عملية منحازة

بدوره، قال فؤاد أوقطاي نائب الرئيس التركي، إن عملية "إيريني" التي أطلقها الاتحاد الأوروبي دون استشارة الحكومة الليبية الشرعية، وحلف شمال الأطلسي وتركيا، أثبتت مرة أخرى في إجرائها الأخير (التفتيش غير القانوني) أنها منحازة.

يبرهن على هذا الانحياز، إصرار الاتحاد الأوروبي في النزاعات السابقة على تجاهل حقيقة عدم امتلاكه ولاية قضائية على المناطق البحرية شرق المتوسط، وهو تفسير أساسي لقانون الاتحاد الأوروبي، لكن يتقاسم الاتحاد الآن بلا شك مسؤولية انتهاك القانون الدولي مع دوله الأعضاء.

لذا فإنه لا ينبغي أن تكون "القرصنة" في مواجهة حرية الملاحة بأعالي البحار، هي الآلية التي تضمن الحقوق السيادية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وهو ما يوجب على الاتحاد الأوروبي تبني نهج سليم يضمن حياده شرق المتوسط، وفق قانون الاتحاد الأوروبي والقانون الدولي.

ومن ثم فإن إدانة عمليات التفتيش غير القانونية للسفينة التركية، من شأنها أن تشكّل حجر الأساس لوضعية قانونية سلمية في ليبيا وشرق المتوسط.

----

* دينيز أونسال، باحثة في برنامج "جان مونيه" التابع للاتحاد الأوروبي لعام 2019 ـ 2020، مهتمة بالقانون الدولي العام وقانون الاتحاد الأوروبي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!