سمير صالحة - خاص ترك برس

علاقات تركيا بدول آسيا الوسطى كانت دائماً تحت رحمة العوامل  الروسية و الإيرانية و الغربية لكنها في السنوات الأخيرة بدأت تأخذ منحا مغايرا.  

 قرار أنقرة الإسراع في التمدد والانتشار و تفعيل العلاقات مع الجمهوريات التركية لقي صدى إيجابياً في الجانب الآخر أيضاً.

المعروف ان العلاقات بين تركيا و كازاخستان شهدت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي تطورا ملحوظا انعكس على مسار ومستقبل العلاقات بينهما. تركيا كانت اول دولة تعترف باستقلال كازاخستان في العام 1991 ثم اقامت العلاقات الدبلوماسية معها بعد عام واحد .  

هذا و فتحت اتفاقية خط أنابيب باكو- تبليسي- جيهان الموقعة عام 1998 والتي هي عبارة عن اتفاقية  خط أنابيب لنقل النفط يبلغ طوله 1,776 كم ويمتد من العاصمة الأذربيجانية باكو إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط، ويمر الخط عبر الأرضي الجورجية.فتحت الابواب امام تقارب تركي كازاخي لتصدير النفط الى تركيا وعبرها الى اوروبا. 

وقد شهدت العلاقات التجارية بين البلدين تزايدا كبيرا بين العامين 1992 - 1999 لكنها تراجعت بسبب الازمات المالية والاقتصادية في تركيا و المنطقة لتعود وتنشط مجددا بعد العام 2002.

كما شهدت العلاقات الثنائية تقدما في مجال التعاون العسكري اعتبارا من العام 2003 حيث تم تبادل الخبرات و اقامة الدورات التدريبية العسكرية المشتركة 

في العام 2009 وخلال زيارة للرئيس الكازاخي نور سلطان نظر باييف الى تركيا تم توقيع عشرات العقود والاتفاقيات التجارية ووضعت اسس اتفاقية مجلس التعاون الاستراتيجي الاعلى بين البلدين. 

ولا يمكن ان نتجاهل هنا أن العامل الثقافي واللغوي لعب دورا مهما في تقريب العلاقات خصوصا مع قمة انشاء الاكاديمية التركية في الآستانة عام 2010  وقمة الدول الناطقة بالتركية عام 2011 في الماتا. 

في سنة 2012 قام رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردغان  بزيارة رسمية الى كازاخستان تقرر خلالها تسريع العمل في اطلاق مجلس العمل الموحد المشترك على اعلى المستويات, حيث تم عقد اول اجتماع لهذا  المجلس خلال الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الكازاخي الى تركيا في شهر تشرين الاول سنة 2012 .

اما على مستوى التبادل التجاري فقد شهدت الارقام تطورا دائما بلغ زروته في العام 2013 من خلال 1،04 مليار دولار تصدير الى تركيا و 2،9 مليار  دولار  استيراد منها ليصل الرقم الى حوالي  4 مليار دولار بين البلدين 

زيارة الرئيس التركي أردوغان الأخيرة إلى الأستانة فتحت الأبواب أمام صحفة جديدة من التعاون بين البلدين لماذا...؟

اقتصاديا؛ 

ـ التحاق كازاخستان بإتفاقية خط الحديد الذي سيمر عبر  باكو- تفليس -قارس باتجاه جنوب آسيا لتقوية الإقتصاد، لتسهيل  حركة التنقل و تنشيط السياحة.

ـ تنفيذ مشاريع البناء الكبرى في كازاخستان من قبل الشركات و المتعهدين الأتراك.

ـ رغبة الرئيس الكازاخي في التعاون مع تركيا من أجل مواجهة الانكماش  الإقتصادي و التموج الانمائي في كازاخستان وتطلعه في تحقيق التنوع الانمائي في مشروع اورو- آسيا. 

ـ وضع هدف رفع حجم التبادل التجاري من 4 مليارات دولار  إلى 10 مليارات في العام 2023.

ـ توقيع 19 عقدا بقيمة مليار دولار في مختلف مجالات الصناعة و التجارة و اقامة منطقة صناعية مشتركة بين البلدين  

 اردغان لم يذهب حتما الى الآستانة من اجل تسلم شهادة الدكتورة الفخرية التي منحتها له جامعة  " احمد ياسوي " فقط ولكن من اجل تعزيز التحالف والتعاون العلمي والآكاديمي واللغوي ايضا. 

مئات الطلاب بين البلدين سيتم مبادلتهم للدراسة في الجامعات التركية والكازاخية منح جامعية وتمويل مؤسسات تعليمية مشتركة 

في مجال الطاقة اقترحت تركيا على كازاخستان أن تشارك في مشروع نقل الغاز الروسي الى اوروبا عبر اراضيها وأن تكون تركيا ممرا نفطيا لكازاخستان التي تعاني من ازمة في تصدير طاقتها الى الغرب. تركيا تريد أن تحل مشاكلها في النفط والغاز عبر لعب دور الممر بين الدول وكزاخستان مثل بقية الدول تريد ايصال طاقتها الى الغرب وبيعه  هناك 

تركيا تعرف تماما وكما قال الرئيس التركي اردوغان خصوصية كازاخستان كخط ربط بين آسيا الوسطى و الأسواق العالمية عبر بحر قزوين لذلك لم يتردد الرئيس التركي بالقول أن أنقرة و الآستانة تملكان مفتاح الأمن والاستقرار في المنطقة.

التنافس الإقليمي والدولي الواسع على هذه البقعة، والسياسات الخاطئة للحكومات التركية حتى السنوات الأخيرة، ترك أنقرة تكتفي بالحلم، وتراهن على الفرصة المناسبة لمحاولة جمع ودمج الجمهوريات التركية، التي تمثل اليوم أكثر من 11 مليون كلم2 و250 مليون نسمة، ومليارات الدولارات من الغنى والثروات. ونحن رددناها اكثر من مرة ان الجمهوريات التركية التي حصلت على استقلالها في مطلع التسعينيات كانت دائمًا عرضة لسياسة الترهيب والترغيب الروسية، وهي ما زالت تحت رحمة الدعم الأميركي والأوروبي، وجربت أكثر من محاولة دمج في كومنولث مستقل واتفاقية أمن جماعي ومشاريع تعاون مثل «منظمة آسيا الوسطى» والـ«شنغهاي». فهل تتخلى عن كل تجاربها الإقليمية والدولية هذه وتلتحق بالمشروع التركي الجديد، وهي تعرف تمامًا حجم الصعوبات والعراقيل التي يفرضها التنافس الأميركي الغربي على هذه البقعة التي أخذت موقعها ودورها في قلب الاستراتيجيات ورقعة الشطرنج الواسعة؟

دول الجمهوريات التركية وعلى ضوء التحرك التركي الاخير نحوها في العامين المنصرمين  

ما زالت تطرح السؤال : هل التحرك التركي هذا هو بداية الانطلاق نحو اتحاد فيدرالي لجمهوريات آسيا الوسطى بقيادة تركية أم هو مشروع تكامل اقتصادي تجاري؟ أم أنه مجرد تعاون لغوي ثقافي لإنقاذ اللغة التركية؟ أم تراه الخطوة الأولى على طريق إعلان ولادة فكرة دمج البحار الأربعة ودولها وشعوبها ؟ 

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس