ترك برس

قال أستاذ الفكر السياسي بجامعة قطر محمد المختار الشنقيطي إن الخلافات بين أنقرة وواشنطن عميقة وتتجسد في عدة ملفات، منها منظومة الدفاع الجوي الروسية “إس-400” ودعم واشنطن للأكراد، مستبعدا القطيعة بينهما.

وأوضح الشنقيطي، خلال برنامج "سيناريوهات" على قناة الجزيرة القطرية، أن من بين ملفات الخلاف أيضا ملف غاز شرقي المتوسط، والقضية القبرصية منذ سبعينيات القرن الماضي، وقضية الأرمن التي تعود إلى بدايات القرن العشرين.

وأضاف أن هذه الخلافات -رغم قدم العديد منها- لم تكن تعكر العلاقات التركية مع الغرب، لكنها تراكمت في السنوات الأخيرة، وهو ما يشير إلى خلاف أعمق بالمنظور الإستراتيجي.

وأكد أن الغرب لم يأخذ في الاعتبار نظرة تركيا لنفسها باعتبارها دولة صاعدة، وأن أنقرة تصرّ على الاعتراف بدورها وقوتها الجديدة ومكانتها على الساحة العالمية، في مقابل اعتياد الأميركان على تركيا قطعة صغيرة في إستراتيجيتهم العالمية، خصوصا في عصر الحرب الباردة، على حد قوله.

وأشار الشنقيطي إلى أنه في الوقت الذي ترى فيه واشنطن نفسها قطبا أوحد للعالم، فإن أنقرة ترى عالما متعدد الأقطاب، وأن من حقها أن تُنوّع تحالفاتها الإستراتيجية دون التخلي عن حليفها التقليدي.

ورغم كونهما حليفين إستراتيجيين منذ عقود، لم تخل العلاقات بين واشنطن وأنقرة في بعض مراحلها من توتر وتأزم ملحوظين خلال فترة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بسبب بعض الملفات الخلافية، لكنها ظلت مع ذلك متماسكة، بل متناغمة أحيانا، بفضل العلاقات الخاصة بين الرئيسين: ترامب ورجب طيب أردوغان.

غير أنها اليوم تبدو على أعتاب مرحلة جديدة لم تتضح بعد ملامحها بشكل جليّ، مع وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض. وبالنظر إلى اختلاف مقاربات البلدين للعديد من القضايا، تطرح تساؤلات كثيرة حول مستقبل العلاقات بين الحليفين "اللدودين".

وتتعدد الملفات الخلافية التي لا تزال تعكر صفو العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، الحليفين التقليديين اللذين يحتاجان إلى إعادة ضبط لهذه العلاقات من أجل تنسيق أفضل بينهما في معالجة القضايا الإقليمية والدولية.

ومن بين القضايا الخلافية تبرز بشكل كبير منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس-400" (S-400) باعتبارها خطا من خطوط الصدع التي قد تعمّق أكثر الخلاف بين الطرفين، خاصة مع تلويح واشنطن بعقوبات جديدة ما لم تتراجع تركيا عن اقتناء هذه المنظومة.

من جانبه، قال عضو لجنة الأمن والسياسات الخارجية في الرئاسة التركية محمد عاكف كرججي إن تركيا ليست الدولة الأولى في حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي تشترى منظومة دفاع جوي روسية، فاليونان تمتك منظومة "إس-350" (S-350) ويتم تجديدها سنويا.

وأوضح كرججي أنه مع احتدام الصراع في سوريا، نشر الحلفاء الغربيون أنظمة صواريخ باتريوت الأميركية، لكنهم سحبوا هذه المنظومات لاحقا، وكان لزاما على أنقرة أن تملأ هذا الفراغ بأنظمة "إس-400" الروسية.

وأشار إلى أن واشنطن وحلف الناتو تخليا عن تركيا في أوقات عديدة، كما حدث بعد حادث إسقاط الطائرة الروسية، ومع تدخل روسيا عسكريا في سوريا، معتبرا أن ذلك "أجبرها" على التعاون مع روسيا بعد أن تُركت وحيدة.

وفي مؤشر جديد على توتر العلاقات بين الحليفين الأطلسيين، أظهرت حادثة مقتل 13 تركيا في شمال العراق على يد مسلحي حزب العمال الكردستاني هذا الأسبوع، وردّة الفعل التركية الغاضبة من الموقف الأميركي إزاء الحادثة، مدى عمق الخلافات بين أنقرة وواشنطن في ملف حساس جدا بالنسبة لتركيا.

وفي ظل الاتصالات المحدودة بين الإدارة الأميركية الجديدة وتركيا، يخشى أن تتفاقم خلافاتهما وترتفع نسبة التوتر بينهما.

في المقابل، قال السفير الأميركي السابق لدى تركيا، كبير الباحثين في معهد الشرق الأوسط روبرت بيرسون إن تركيا لم تعمل على إزالة المخاوف الأميركية من امتلاكها منظومة "إس-400".

وأضاف بيرسون أن تركيا لا تعد عدوا إستراتيجيا للولايات المتحدة، بل على العكس هي من حلفائها على اعتبار أن حلف الناتو يجمعهما، منتقدا غياب التعاون والتعارف الثقافي والاجتماعي بين أنقرة وواشنطن.

وفي مقابل سيناريو تفاقم التوتر، تظهر احتمالات لاحتواء الخلافات بين أنقرة وواشنطن. وعن ذلك ذكر الشنقيطي أن تركيا لن تتخلى عن منظومة "إس-400" على الأرجح، لكنها من الممكن ألا تُفعّل هذه المنظومة في مقابل أن تمضي الولايات المتحدة صفقة طائرات "إف-35" (F-35) التي أوقفتها.

وأكد الشنقيطي أن العلاقات بين تركيا وأميركا، وإن لم تعد "غرامية"، فإن الطلاق بينهما ليس بائنا، على حد قوله، مشيرا إلى أن كلا الطرفين يحتاج الآخر.

أما كرججي فشدد على أن تركيا تلعب دورا مهما في إطار حلف الناتو، مطالبا بتحرك فعلي من قبل حلفاء أنقرة لدعمها في مواجهة أوضاع إقليمية صعبة، والتركيز على ما يجمع واشنطن وأنقرة.

من جهته، رأى بيرسون أن مفاوضات حقيقية بين واشنطن وأنقرة بدلا من تبادل خطاب الاتهامات، من الممكن أن تزيل التوتر بين الجانبين، مشددا على ضرورة اعتراف تركيا بأنها قامت بأشياء تثير قلق الولايات المتحدة.

وفي حين توقع بيرسون تحسنا في العلاقات الأميركية التركية، فإنه استبعد أن يكون هذا التحسن سريعا، مطالبا أنقرة بألا تستخدم خطابا عدائيا لأميركا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!