عبد العليم الكاطع - خاص ترك برس

"كتاب التسعة الكبار- كيف يمكن لعمالقة التكنولوجيا وآلاتهم المُفكرة أن تشوه البشرية" للكاتبة الأمريكية آمي ويب ('The Big Nine - How the Tech Titans and Their Thinking Machines Could Warp Humanity', Amy Webb)

آمي ويب عالمة أمريكية، مُؤسسة ومديرة تنفيذية لمعهد  Future Today أستاذة مساعدة في كلية ستيرن لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك New York University's Stern School of Business 

يعتبر كتابها هذا والذي تم نشره عام 2019 غير خيالي. وجاء مقسماً إلى ثلاثة أجزاء ضمن ثمانية فصول، وفي معظم فصوله يدور النقاش حول الذكاء الاصطناعي. ويتحدث الكتاب عن تسع شركات كبيرة ورائدة في هذا المجال.

طرح الكِتاب عدة أسئلة حول مستقبل البشرية بعد هيمنة الذكاء الاصطناعي. وإلى أي درجة التقدم الكبير للذكاء الاصطناعي مخيف !من هم اصحاب الدور الفعال في هذا المجال، وماهو مستقبل العالم في ظل هذا التطور؟
هذه التساؤلات أجابت عنها الكاتبة آمي ويب، وتنبأت لنا بمستقبل مخيف.

عرض الكتاب مجموعتين من الشركات يلعبان الدور الأكبر في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

المجموعة الأمريكية التي تتكون من ست شركات عملاقة وهيGoogle - Microsoft - Amazon - Facebook - IBM  Apple

والمجموعة الصينية والتي تتكون من ثلاث شركات عملاقة وهي Baidu - Alibaba - Tencent 

اختصرت ويب المجموعة الأمريكية تحت مسمى جي - مافيا G-MAFIA والمجموعة الصينية تحت مسمى بات BAT. وهي مجموع الأحرف الأولى لكل من الشركات. وهي مجموع الأحرف الأولى لكل من الشركات.

وكشفت دور هذه الشركات التسع في أبحاث الذكاء الاصطناعي ودورها في تغيير المستقبل القريب والبعيد، وكيف تقوم الجامعات بإرسال الطلاب المميزين والموهوبين ليكونوا جزءا من هذه الشركات وجزءا من مستقبلنا، هذا التجانس الرهيب بين الأبحاث العلمية والقوة الاقتصادية الذي سيغير وجه المستقبل، في ظل تسابق الشركات التسع للسيطرة على العالم. وكيف أن هناك تأثير لأنظمة الحكم في الدولتين على مستقبل الشركات وبالتالي مستقبل العالم. 

حيث أن الديمقراطية الأمريكية ونظام المؤسسات والتنافسية التي يفرضها العالم الرأسمالي، تفرض على الشركات الأمريكية منهج السرية في الأبحاث وأن على كل شركة أن تلعب بشكل منفرد وتسعى كل شركة على الاستحواذ على السوق والشركات الأخرى.

أما الوضع في الصين فمختلف تماماً، حيث النظام الشمولي والدولة الواحدة ذات الرؤية الواحدة. هناك تسعى جميع الشركات لتحقيق الرؤية الحكومية للسيطرة على السوق والعالم. ولا يوجد بين الشركات الصينية أي نوع من السرية أو أي منهج للتنافسية، بل على العكس هناك تعاون كبير، ولا تسعى الشركات للصراع فيما بينها. كل هذا يعطي الصين خطوة متقدمة على أمريكا في اتجاه السيطرة على المستقبل.

تذكر ويب أن الولايات المتحدة هي القوة العظمى المسيطرة على العالم منذ القرن العشرين، وتحاول الصين أن تفرض نفسها أنها القوة العظمى الصاعدة في القرن الحادي والعشرين.

ولا يخفى على أحد أن كِلا الدولتين متنافستين عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، وكلاهما لديه برنامج للسيطرة على العالم. وأحد أهم أعمدة هذه البرامج، التكنولوجيا والعمل الابتكاري على اختبارات الذكاء الاصطناعي.

فمنذ بداية هذا القرن، هناك تحدٍ واضح بين الولايات المتحدة والصين وشركائهما، وفي هذا التحدي ربما سيكون للذكاء الصناعي الكلمة الأخيرة لتحديد من سينتصر.

إن كلا الدولتين تسوّق لدعم برامج الذكاء الاصطناعي بطريقة مثالية، كالأهداف الإنسانية في المجالات الطبية والمعرفية والحد من الفقر. لكن في الحقيقة كِلا الدولتين لديها أهداف خفية لهذا الدعم.

الولايات المتحدة الأمريكية، لديها أهدافها لاحراز التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي كالأهداف العسكرية والاستخباراتية ومنها أيضاً أهداف لفرض سيطرة أوسع في عالم الفضاء. مما دفع الحكومة الأمريكية للاستثمار في مجال الذكاء الصناعي بشكل خاص ودعم الشركات العاملة في المجال بشكل عام.

في المقابل تسعى الشركات المسيطرة على التكنولوجيا على تحقيق خطوات جدية في مجالات البحث والتطوير لتوسيع نطاق سيطرتهم أولاً وتحقيق فوائد مالية وأرباح كبيرة ثانياً، ولابقاء المستثمرين مهتمين في مجال صناعة التكنولوجيا. تلك الاستراتيجية تجعلهم يتقدمون ويهزمون منافسيهم وتضمن رضاء المستثمرين.

للصين أيضاً أهداف كثيرة لتكون رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي منها أهداف عسكرية أو لزيادة السيطرة على الشعوب عامة وشعبها بشكل خاص.

هناك هدف أخر وهو اسقاط الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك عن طريق استخدام القوة المالية والسكانية في الهيمنة على انتاج وبيع منتجات الذكاء الاصطناعي. حيث تقول الاحصائيات أن مجالات الذكاء الاصطناعي سيوسع الاقتصاد الصيني بنسبة 28% بحلول عام 2035.

تقدم آمي ويب ثلاثة سيناريوهات لمستقبلنا، السيناريو المتفائل، والواقعي، والكارثي. ليبدو أن كلٌ من هذه السيناريوهات رائعاً - بعض الشيء - من بعض النواحي.  وغامضاً، ومرعباً في جوانب أخرى.

السيناريو المتفائل !

توضح ويب في هذا السيناريو كيف سَتُفيد التطورات في مجالات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، البناء، الخدمات، المواصلات والعديد من المجالات الأخرى، تكنولوجيا المستقبل ستأخذ منا الكثير من المهام التي سوف تسهل حياتنا بشكل كبير، والتي تجعلنا ربما لا نخرج من محيط الأريكة التي نجلس عليها. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الاندفاع لتبسيط حياتنا يجب أن لا ينسينا أن الأسهل ليس بالضرورة هو الأفضل. وقد لا نقدم لأنفسنا أي خدمة من خلال إزالة كل الصعوبات، سوى المزيد من الملل وغياب الشغف من حياتنا.

فعندما نعطي الألة المهام الصعبة أو المهام التي تستغرق وقتًا طويلاً، هذا ببساطة سيجعل هذه المهام أقل إرهاقًا، وبدوره يقلل من مهاراتنا ومن الحالة التي تعطينا إحساساً بالإنجاز والرضا.

في مرحلة ما من السيناريو المتفائل، تتخيل الكاتبة أنه في الحدائق المستقبلية ستوجد تقنية تقيس باستمرار مستويات الرطوبة وتقارن تلك البيانات بتوقعات المناخ المحلي وبذلك تعمل أنظمة الري البسيطة على ري النباتات تلقائياً، وحسب الحاجة، حيث ستتنبأ أنظمة الذكاء الاصطناعي بالمستويات المثلى للترطيب.

السيناريو الواقعي !

أو ما أطلقت عليه ويب (العجز المكتسب) حيث ستتمكن المجموعة الأمريكية G-Mafia  من السيطرة على عالم الذكاء الاصطناعي وسوف تُقدم لنا حياة مدعومة بالتكنولوجيا والتي تحثنا دائماً على اتخاذ الخيارات الصحية فيما يتعلق بتناول الطعام والنوم وممارسة الرياضة والعادات الأخرى من خلال أجهزتنا الذكية. سيظهر للعالم نظام طبقي رقمي جديد - كما هو عليه الحال اليوم ولكن بشكل موسع أكثر- ليصبح السؤال هل أنت من عائلة Apple أم من عائلة Amazon؟ أو أن نظام الأجهزة لديك غير مدعوم من غوغل ..الخ

في المقابل سيكون هناك سحب كامل ومستمر للبيانات الشخصية  والتي ستؤثرعلينا تأثيراً كبيراً وربما حتى على المبلغ الذي ندفعه مقابل التأمين الصحي. عندها تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه مصممة لفرض نوع من القرارعلينا في العقود القادمة.

وفي هذا السيناريو سندخل في فرضية أن الأجيال القادمة من الجنس البشري وبسبب التكنولوجيا من المحتمل أن تكون أغبى من الجنس البشري الحالي، ولا نستبعد أبداً في أننا كبشر قد نجد أنفسنا يوماً ما أغبى من التكنولوجيا ذاتها. حيث أنه بمجرد أن يتحول الذكاء الاصطناعي إلى الذكاء الاصطناعي الخارق فإنه من المستحيل تخيل العواقب على حضارتنا.

** الذكاء الاصطناعي الخارق أو التفرد التكنولوجي هو فرضية أن اختراع أجهزة ذكاء اصطناعي خارقة ستؤدي إلى نمو تكنولوجي سريع مؤديةً إلى تغيرات غير معقولة في الحضارة البشرية.

طبقاً لهذه الفرضية، ستدخل أدوات ذكية (مثل جهاز كومبيوتر يعمل على أساس برنامج مبني على فكرة الذكاء الاصنطاعي) في تفاعلات سريعة من الدوائر المطورة لانفسها؛ مع كل جيل أحدث وأذكي يعمل بسرعة أكبر وأكبر، مؤديةً إلى انفجار معرفي وإلى ذكاء صناعي خارق، يتجاوز كل الذكاء البشري. هذا من شأنه أن يشير إلى نهاية حقبة الإنسان، حيث سيستمر الذكاء الفائق الجديد في الارتقاء بنفسه والتقدم تكنولوجياً بمعدل غامض. في السنوات السابقة، أعربت شخصيات عامة مثل ستيفن هوكينج وايلون ماسك عن قلقهم بأن الذكاء الاصطناعي العام من الممكن اأن يؤدي إلى انقراض الانسان.

السيناريو الكارثي !

هو الأكثر ديستوبيا للمستقبل، هو إمبراطورية صينية عالمية مبنية على أساس البيانات. تنتهي بالهيمنة الصينية على العالم. في الصين هناك زاوية جيوسياسية، حيث ترتبط الشركات العملاقة الثلاث بايدو وعلي بابا وتينسنت ارتباطاً وثيقاً بالحكومة الصينية، ويُعد الذكاء الاصطناعي جزءً أساسياً من خطة الصين الأوسع للهيمنة على الاقتصاد العالمي. حيث أن الصين لديها فعلياً برنامج درجة ائتمان اجتماعي، والذي يقسّم ويصنف المواطنين بناءً على سلوكهم، وعليه يعطي نتائج تحدد حياة الأشخاص مثل القدرة على السفر، التعليم، ومكافحة انتشار الأمراض.

إن كل السيناريوهات الثلاث من وجهة نظري ستكون نتائجها كارثية علينا نحن العرب والمسلمين. وسنبقى على هامش الأحداث، مستهلكين تابعين لا نملك من إرادتنا شيء - ما لم نتحرك - وخياراتنا ستكون، هل تحب أن تكون تابعاً للصين أم تحب أن تكون تابعاً للولايات المتحدة الأمريكية أم أنك تفضل تقديم بياناتك الشخصية للشركات الرأسمالية الرائدة!

كما أن آمي ويب، من جهة، قد أغفلت دور الاتحاد الأوربي في صراع الستقبل، ولا سيما أيضاً أن دول الأتحاد كبريطانيا وألمانيا والسويد لديها مقدرة كبيرة وتستطيع المنافسة في المجالات التقنية وفي الذكاء الاصطناعي.
ومن جهة آخرى لا يمكن أن نُغفل دور اليابان وكورويا الجنوبية وحجم التقنية الكبير اللذان يملكانه، ولا ننسى أنهما من أوائل الدول الرائدة في مجالات الروبوت والذكاء الاصطناعي، أو الدول ذات النمو السريع كالهند وتركيا، والتي أيضاً تسعى جاهدة لتحجز لنفسها مكاناً في المستقبل.

ولا يخفى على أحد إن سوق التكنولوجيا سوق متقلب كما هو معلوم، سريع التغيير.

وفي وقت قصير جدا قد نشهد ظهور شركات جديدة بأفكار جديدة رائدة، وتندثر عقبها شركات. وفي هذه الحالة سوف يتغير اللاعبون وعليه ربما تتغير شروط اللعبة وخارطتها.

عن الكاتب

عبد العليم الكاطع

مهندس عمارة، مهتم بالفكر وقضايا الشباب، مقيم في السويد.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس