ياسين أقطاي - يني شفق 

تواصل إسرائيل إرهابها الذي بدأته بالاعتداء على المسجد الأقصى، بهجمات صاروخية جوًّا وأرضًا على غزة. وعلى الرغم من أنها تصف هجومها بأنه يأتي في إطار الدفاع عن النفس، إلا أنها في كل مرة تقتل عشرات الأطفال في سبيل الدفاع عن النفس.

حتى الآن لا يوجد أي تهديد حقيقي وصحيح يمكن أن تتذرع به، لكنها مقابل كل صاروخ يأتيها من حماس تروح لتصب وابلًا من أطنان القذائف فوق رؤوس المدنيين في قطاع غزة، مما يسفر عن استشهاد العشرات منهم بنسبة كبيرة من النساء والأطفال، فضلًا عن تدمير المستشفيات والمساجد وأماكن العمل.

إن جميع تلك التفاصيل تزيد من تعقيد حياة أهالي غزة وتجعلها أكثر صعوبة، لا سيما وأنهم يعيشون تحت حصار كامل منذ 15 عامًا، ما يعني أن حياتهم على وشك أن تتحول إلى معسكر اعتقال بكل ما للكلمة من معنى.

يُحرم الناس في غزة من الأدوية والغذاء والكهرباء والغاز والتواصل مع العالم والمواصلات وجميع الاحتياجات الأساسية.

بالطبع كل ذلك من أجل "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، لقد حول العالم هذه الجملة المنافقة والمثيرة للاشمئزاز إلى عقيدة متعصبة يستحيل إنكارها. لكن ذلك لن يغير من الحقيقة شيئًا، فإسرائيل هي المعتدية، وهي المحتلة، وهي القاتلة، وهي التي تقتل الأطفال دون أن ترمش لها عين.

باختصار؛ أينما وجد اسم إسرائيل فإن ذلك يعطي كل إنسان الحق في الدفاع عن نفسه ضد إسرائيل. وأي شيء عكس ذلك يعتبر نفاقًا كاملًا.

أولئك الذي يعتريهم هذا النفاق ويؤمنون بشكل مطلق بالدعاية الإسرائيلية، لا يمكن وصفهم إلا بحمقى وأغبياء. لقد أعموا أعينهم عن كل الحقائق التي تحدث على مرأى العالم ومسمعه، ولا ينظرون إلا بعين إسرائيل وبطريقة متعصبة.

إن إسرائيل تفضّل أن يرى ويفهم العالم مشاهد قتل الأطفال، ومهاجمة المساجد والمصلين، والمستوطنات المدنية بطريقة مغايرة للحقيقة. هذا التفضيل هو اختيار أولئك الذين باعوا أرواحهم للشياطين. ولسوء الحظ، عالم اليوم المتحضر هو عالم أولئك الذين باعوا أرواحهم للشياطين.

لا يزال بإمكان المسؤولين في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التحدث عن حق إسرائيل في الدفاع عن النفس. على الرغم من المشاهد الواضحة، فإن أولئك الذين يدينون بشدة إطلاق الصواريخ من قبل حماس يقومون بتوصية إسرائيل بضبط النفس، ومن الواضح أنهم يعانون من صعوبات في عقولهم وضميرهم وأرواحهم.

في الحقيقة، هناك الكثير من العالم يشجعون إسرائيل على هجماتها المتهورة، ويعطونها الثقة الكبيرة. هذا العالم نفسه تحت الاحتلال الإسرائيلي أو الفهم الصهيوني الذي وضع مشروع إسرائيل موضع التنفيذ. قبل احتلال القدس وفلسطين احتلت الصهيونية الولايات المتحدة وأوروبا. حكومات العالم العربي كلها محتلة. إذا كانت القدس تحت الاحتلال، فإن العالم كله تحت الاحتلال. هذا شيء تفرضه إسرائيل أيضًا. الاحتلال، يثق بهذا كثيرًا. ولهذا يواصل احتلاله وانتهاكاته وإباداته الجماعية معتقدًا أنه لا توجد عقبات أمامه.

لقد قلنا: " العقبة ربما ستأتي من مكان لم نكن نتوقعه أبدًا". رغم الصورة التشاؤمية التي رسمناها سابقًا، بدأت تظهر النكسات والعقبات التي لم تتوقعها إسرائيل من قبل. يقول الشاعر الألماني هولدرلين: "قوة الخلاص تتطور حيث يوجد الخطر". في الواقع، تكون قوة الخلاص في بعض الأحيان داخل هذا الخطر، إنها تتطور من الخطر، وكل مصيبة تأتي بفرصها ووسائلها كاختبار وامتحان. هذا شعار يجب على كل من يؤمن أن يلتزم به: "هناك راحة مع كل صعوبة، هناك بالتأكيد سهولة مع كل صعوبة".

إن ما يهدد إسرائيل وأكثر عقبة أمامها وكذلك مصدر هلاكها، يتمثل في اعتداءاتها وهجماتها..

المقاومة التي أفرزها العدوان على الشعب الفلسطيني المظلوم تتزايد بما يتناسب مع عدوان الاحتلال.

لقد استطاع أهالي غزة تحويل منظومة "القبة الحديدية" التي طالما يعتمد عليها الإسرائيليون كقوة دفاع أساسية، إلى مصفاة للصواريخ، على الرغم من أن أهالي غزة محاصرون منذ 15 عامًا ومحرومون من احتياجاتهم الإنسانية الأساسية.

إن أطفال داود هم الآن الفلسطينيون، وليس بني إسرائيل.

كما لم يستطع جيش الاحتلال بدروعه الهائلة وأسلحته الفتاكة، مقاومة حجارة الأطفال الفلسطينيين، قد بدأ الآن يشعر بحجر جديد لداود تحول لمصدر ألم حقيقي.

بينما كانت صواريخ حماس لا تطال سوى المناطق الإسرائيلية القريبة من غزة فقط، أثبتت اليوم قوتها في إصابة أي نقطة وهدف في المناطق التي تحتلها إسرائيل اليوم، وأثبتت أن بإمكانها اختراق القبة الحديدية التي تحمي إسرائيل.

هل يمكنك أن تتخيل ما يعنيه ذلك بالنسبة للمستوطنين الإسرائيليين المحتلين الذين جاؤوا من الولايات المتحدة وأوروبا ليعيشوا الحياة الدنيوية الموعودة في مجتمع الرفاهية وكأنهم لن يموتوا بعد الآن؟

هذا هو المكان الذي بدأ فيه كابوس لإسرائيل، لكن أسوأ ما في الكابوس لم يحدث بعد. فإسرائيل تنتظر كابوسًا بعد كابوس. الكابوس الأسوأ، هو ما تخشاه إسرائيل من العرب الفلسطينيين، الذين يشكلون 20 في المائة من السكان، والذين اعتقد اليهود حتى الآن أنهم نجحوا بتحييدهم من خلال دمجهم ومنحهم الجنسية التي وفرت لهم المزايا العديدة بتصور اليهود، إلا أن مشاعر الأصل والوطن والأرض تغلبت على جميع ذلك لحظة واحدة.

يشعر هؤلاء العرب بقدر كبير من الإذلال والإهانة بسبب ما يحصل للقدس من عدوان مستمر، فضلًا عن العنصرية التي تُمارس على أبناء جلدتهم وإخوانهم بالدين، حيث تُسلب منهم منازلهم أمام أعين الجميع.

إن أحد أكبر الكوابيس بالنسبة لإسرائيل هو إمكانية تمرد هؤلاء العرب. وعلى الرغم من أنّ هذا الاحتمال كان بعيدًا جدًا، لكنه الآن بات حقيقة تزعج إسرائيل وتؤرقها. ولذلك تشعر إسرائيل الآن، والتي ترى نفسها أنها في أعلى مراتب الأمان، بالشتات والخوف والضعف.

عن الكاتب

ياسين أقطاي

قيادي في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس