ترك برس

رأى خبراء ومراقبون سياسيون واقتصاديون، أن الجزائر تشهد خلال الفترة الأخيرة، تصاعداً في التقارب والتعاون مع تركيا، وذلك على حساب فرنسا التي تشهد علاقاتها مع البلد العربي، فتوراً وأزمة عززت تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون الأخيرة، من عمقها.

ويؤكد الخبراء على العلاقات الاقتصادية الفرنسية الجزائرية المتدهورة مؤخراً، قد تشكل فرصة تاريخية للجزائر وأنقرة للتخلص من نفوذ باريس.

واقترحت الجزائر على تركيا نهاية العام الماضي إنشاء تكتل شركات متعددة الجنسيات لدخول أسواق دولية، وكان ذلك خلال لقاء وزير التجارة كمال رزيق مع سفيرة أنقرة لدى الجزائر ماهينور أوزديمير غوكطاش.

وجاءت هذه التطورات الإيجابية في وقت تشهد فيه علاقات الجزائر توترا حادا مع باريس، على خلفية التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي أثارت ردود فعل قوية رسميا وشعبيا.

وينتظر متابعون أن تنعكس هذه التوترات أكثر على الحضور الاقتصادي المتراجع تدريجيا لفرنسا في الجزائر، وقد تعمق بإعلان متعاملين جزائريين هذا الأسبوع عن تجميد صفقات شراكة بقيمة مليار يورو.

وفي تقييم المؤشر التعاوني بين الجزائر وباريس منذ مجيء الرئيس تبون، يعتبر الخبير الاقتصادي عبد الرحمن تومي أن التعاون يتسم بالانحدار الدراماتيكي لعدة عوامل، أهمها الماضي الاستعماري، والرغبة في إبقاء الجزائر سوقا، عبر النفوذ في صناعة القرار.

واستدل بوقف العمل مع مكاتب الدراسات الأجنبية في المشاريع الكبرى، وأغلبها فرنسية، إذ كانت تستنزف 10 مليارات دولار سنويا، بحسب ما نقله تقرير لـ "الجزيرة نت."

وذكر تراجع واردات القمح بنسبة 50% لسنة 2020، وهي الأولى من نوعها منذ 58 سنة، مقدّرا خسارة فرنسا بنحو 2.5 مليار دولار.

وأشار تومي إلى عدم تجديد عقد تسيير المياه لشركة (سويز) الفرنسية، مما أدى إلى خسارتها 277 مليون دولار، وكذلك عدم تجديد عقد مترو الجزائر، بخسارة قدرها 130 مليون دولار.

كما سجل رفض السلطات الجزائرية استحواذ شركة "توتال" على حصة "أناداركو للنفط" الأميركية بـ5.5 مليارات دولار، فضلا عن عدم تمكين الشركات الفرنسية سابقا من صفقات المسجد الأعظم بنحو 2 مليار دولار.

واعتبر تلك المؤشرات أدلة بارزة على وجود نية صادقة لدى السلطات الجزائرية في التوجه نحو جهات أخرى أكثر ثقة وربحا وأمانا لتحقيق الاستقلال الاقتصادي.

من جهته، قال رئيس منتدى الأعمال الجزائري مراد عروج إن السوق الجزائرية بمختلف قطاعاتها كانت حكرا على الشركات الفرنسية حتى عام 2006، في حين تدخلها 70% من البضائع الأوربية عبر المؤسسات الفرنسية.

وانتقد عروج تركيز الطرف الفرنسي على قطاع الخدمات، على غرار تسيير الشركات العمومية ونشاط البنوك والتأمينات والاستشارات "بدون استثمار الأموال، بل (الاستثمار) بموارد الخزينة الجزائرية ومدخرات المواطنين، مقابل امتيازات تفضيلية لا مثيل لها".

وفي الاتجاه الآخر، يرى تومي أن العلاقات الجزائرية التركية شهدت منذ اتفاقية التعاون عام 2006 تطورا بارزا، بناء على معطيات إحصائية من المراجع الرسمية للدولتين.

وأكد بهذا الصدد أن حجم التبادل التجاري بلغ نهاية 2020 نحو 4 مليارات دولار، ضمن خطة تستهدف 10 مليارات دولار بحلول نهاية 2030، بما يمهد إلى شراكة إستراتيجية تُتوج بالتوقيع على اتفاقية منطقة تبادل حر.

كما سجلت تركيا مع نهاية 2020 استثمارات فاقت 5 مليارات دولار في الجزائر، متفوقة على فرنسا المتعامل التقليدي بضعف الغلاف المالي، وذلك عبر 1300 شركة ناشطة في مختلف القطاعات، أهمها شركة "توسيالي للحديد والصلب" بـ2.5 مليار دولار، وصناعة النسيج بقيمة 200 مليون دولار، مع توفير أكثر من 30 ألف وظيفة، إضافة إلى شركات الإنجاز العقارية التي كان لها النصيب الثاني بعد الصين.

وأشار تومي إلى زيادة ملحوظة في الجالية التركية التي تجاوزت 25 ألف تركي وأكثر من 35 رحلة جوية أسبوعية للخطوط التركية.

بديل أكثر إنصافا

من جانب آخر، يؤكد عرّوج، وهو ممثل الجزائر لدى منتدى الأعمال الدولي بتركيا، أن الشركات التركية واجهت عقبات كبيرة في الجزائر وموانع من مسؤولين بالوزارات، وصلت إلى حد إلغاء صفقات فازت بها في قطاع المنشآت والطرقات والجسور والسكك الحديدية والأدوية، عن طريق اللوبي الفرنسي المتجذر في مراكز الحكم، على حد تعبيره.

غير أن تركيا تحوز اليوم فرصا كثيرة وقوية لترقية علاقاتها الاقتصادية مع الجزائر بفعل امتيازات غاية في الأهمية، برزت مع صادرات الجزائر من الحديد والتعاون في الطاقة، خاصة البتروكيمياويات.

وركز عروج على آفاق الشراكة التركية في ميدان الصناعات الصيدلانية ومواد التجميل والصناعات الغذائية والتحويلية والنسيجية ومقاولات الأشغال والميكانيك.

كما دخلت الاستثمارات التركية قطاعات الطب والرقمنة والسياحة والتعليم والصحة والمياه والفلاحة والطرقات، وهي تتطلع إلى الاستفادة من إنجاز ميناء الحمدانيّة الكبير، ضمن مشروع طريق الحرير الصيني.

وكشف الخبير تومي عن أنه يجري التحضير حاليّا لعقد قمة قبل نهاية 2021 في الجزائر بعدما زارها أردوغان 3 مرات، موضحا أن تطور التعاون يأتي من دون قيد أو شرط سياسي، مما يضفي طابع الثقة والتقارب أكثر في مجالات أخرى ذات مستوى أعلى.

وخلص إلى أن الشريك التركي سيكون بديلا اقتصاديا عن النفوذ الفرنسي وأكثر إنصافا وإنسانية مع الجزائريين في غضون 5 سنوات القادمة.

يُذكر أن المؤسسة الوطنية للمحروقات في الجزائر (سوناطراك) وقعت مع شركة "رونيسانس" التركية 3 عقود لتطوير المشروع البتروكيميائي، لإنتاج البوليبروبيلان بمدينة جيهان التركية، بتكلفة قدرها 1.4 مليار دولار.

وكان لافتا سياسيا حضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رفقة وزراء حكومته، مراسم التوقيع مطلع الأسبوع الجاري.

وتزامن الحدث الاقتصادي مع فتور متجدد في العلاقات الجزائرية الفرنسية بسبب ملف الذاكرة، وتأكيد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة أن بلاده وتركيا "تمتلكان علاقات تاريخية عميقة"، مشيرا إلى أن أنقرة أسهمت في التنمية بالجزائر، وهي تطلع إلى مزيد من الاستثمارات التركية خلال الأيام القادمة.

وفي مقابلة له مع مجلة "لوبوان" الفرنسية أواخر مايو/أيار الماضي، شدد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، على أن "الجزائر تتمتع بعلاقات ممتازة مع الأتراك الذين استثمروا نحو 5 مليارات دولار من دون أي مطالب سياسية. ومن أزعجتهم هذه العلاقة عليهم فقط أن يأتوا ويستثمروا عندنا"، في إشارة بارزة إلى الفرنسيين.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!