فراس السقال - ترك برس 

سمعنا بزيارة قريبة سيقوم بها رئيس الكيان الصهيوني المحتل إلى تركيا، وأخذ هذا الخبر يتخبّط في أمواج التحليل والتكهن، لفهم مغزى وأهداف هذا التقارب المفاجئ، لا سيما في هذه الأوقات التي تمرّ بها المنطقة من التعقيد المشحون بالتوتر. فما الهدف من هذا التقارب؟!    

لنكن مُنصفين في تقييمنا لما نسمعه عن تحسّن العلاقات التركية الإسرائيلية، وعلينا ألا نُطلق الأحكام جُزافاً، فإنّ اللغة السائدة في الساحة الآن هي لغة السياسة الماكرة والحذرة.

يُعدّ الانفتاح من بعض الدول العربية على التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل وصمة عارٍ مقيتة لن تنساها أمتنا على مدى العصور، ومع ذلك فلا نستطيع تشبيه التقارب التركي الإسرائيلي بالانبطاح العربي الإسرائيلي.

إنّ السياسة التركية حسب عِلمنا بها سياسة قائمة على تغليب مصلحة البلاد على المصالح الأخرى، بالإضافة إلى التعاطف مع المجتمعات المسلمة والفقيرة والمظلومة وتقديم العون لها، والتقارب التركي الإسرائيلي لم يخرج عن هذه الخطوط المرسومة.

وتركيا تسعى في هذا الوقت الـمُتأزّم التقليل من خصومها أو التخفيف من حدة العداء، لذلك تحاول تعديل وتلْيين سياستها الخارجية حسب ما تفرضه الأحداث من التغيرات، فقد قامتْ بالتقارب مع الإمارات العربية، وكذلك ما لاحظناه في الغزل المتبادل مع مصر، وظهر ذلك بعد تدخلات تركيا في العراق وسورية وليبيا وأذربيجان، مع أنني أرى أنّ هذه التدخلات لم تخرج عن سياسة تركيا الواضحة التي ذكرتها آنفاً.

إنّ التوتر السائد في المنطقة عموماً وعلى الساحة الروسيّة الأوكرانية بشكل خاص يستدعي المزيد من خفض التصعيد والتوتر، فالبلاد الآن على شفا حرب سيندلع لهيبها بين الحين والآخر، ونرى ظهور بعض التحالفات التي تشبه إلى حدّ ما تحالفات الحربين العالميتين الأولى والثانية، فأمريكا وروسيا والدول الأوربية على أهبة الاستعداد، ولا أستبعد دخول الصين وتركيا في أتون هذه الحرب، التي ما إن نشبتْ شراراتها فستحرق الأخضر واليابس، ولن تترك حجراً على حجر.

إضافة إلى ذلك ما تعيشه تركيا على الصعيد الداخلي، فإنّ تركيا تخوض معارك سياسية حامية الوطيس مع الأحزاب المعارضة مع اقتراب الانتخابات فيها، فهذا ما زاد في الحاجة إلى الهرولة في المكان، وإجراء بعض التغيرات في سياستها.

وأظن أنّ الدول العربية التي لم تُطبّع مع الكيان الصهيوني (مع أن لعابها يسيل لذلك) لن تجرأ على رفع الصوت من المقاربة التركية الإسرائيلية، فهل من المعقول أن تترك لومَ المتسابقين لنيل رضا بني صهيون من إخوانها أبناء البيت الواحد، وتلقي بوابل انزعاجها وغضبها على تركيا؟! لا أعتقد ذلك، بل أخاف أن تُشجع تلك الدول في تعجيل التطبيع مع الكيان الصهيوني مع أنّ هناك فرق شاسع بين التقاربين.

إن مدّ اليد من القوي ولو كان للأعداء لغاية التهدئة وإعادة الحسابات والتكتيكات تبعاً لما تفرضه المعطيات الآنيّة يُعدّ من الحكمة والروية وهذا مطلوب ولازم في مثل هذه الأوضاع، على عكس من هرول إلى العدو الصهيوني ذليلاً للتطبيع معه، أو من حالفه خفية فتلك هي الخيانة بعينها، وذلك هو الهوان الذي لا يُـحتمل ولا يقارن بسياسة الأقوياء.

عن الكاتب

فراس السقال

باحث في العلوم العربية والإسلامية واستاذ جامعي سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس