ترك برس

أشار تقرير في صحيفة عربية إلى أن العلاقات التركية الإسرائيلية تدخل منعطفاً جديداً، مع الزيارة التي يبدأها الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، اليوم الأربعاء، إلى تركيا.

ورأت صحيفة العربي الجديد أن الزيارة تأتي في سياق التحولات التي تشهدها المنطقة والعالم، والسعي للاستفادة من المصالح الاقتصادية المشتركة ولا سيما في قطاعي النفط والغاز. 

وخلال السنوات الـ14 الأخيرة والتي شهدت علاقات متذبذبة وأزمات سياسية حادة بين الحكومتين، غابت الزيارات رفيعة المستوى من مسؤولي الطرفين، ولكن على الرغم من كل التباينات، لم تصل العلاقات إلى حد القطيعة الشاملة بين الدولتين، حتى في أزمة 2010 وسقوط ضحايا من المدنيين الأتراك إثر الهجوم الإسرائيلي على قافلة "أسطول الحرية" التي كانت متجهة إلى قطاع غزة في ذلك العام.

ويلتقي هرتسوغ نظيره التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته التي تمتد يومين، والتي تؤكد أن المصالح الاقتصادية بين الطرفين تغلب الأزمات السياسية الحاضرة دوماً، وذلك انعكاساً للتطورات الإقليمية والدولية.

وذكر مكتب الاتصال في الرئاسة التركية، في بيان، أن الرئيس الإسرائيلي يزور تركيا بدعوة من أردوغان ليومين، سيتم خلالها تناول إعادة النظر في العلاقات التركية الإسرائيلية بكافة جوانبها، وتطوير التعاون، فضلاً عن تبادل وجهات النظر حول مستجدات القضايا الإقليمية والدولية. 

أما مكتب هرتسوغ، فأفاد بأنه سيزور أنقرة وإسطنبول، في زيارة هي الأولى لزعيم إسرائيلي إلى تركيا منذ العام 2008، والأولى لرئيس إسرائيلي إلى تركيا منذ 2003. وسيناقش الرئيسان خلال لقائهما القضايا الثنائية، بما في ذلك العلاقات الإسرائيلية ـ التركية، وإمكانية توسيع التعاون بين دولتيهما وشعبيهما في مختلف المجالات. كما سيلتقي هرتسوغ ممثلي الجالية اليهودية في تركيا.

وتأتي هذه الزيارة في إطار التحولات الكبرى التي شهدتها السياسة الخارجية التركية في الآونة الأخيرة، والتي تجلت خصوصاً بالانفتاح على الإمارات والسعي لتطوير العلاقات مع السعودية.

ولكن على الرغم من ذلك، ليس من السهل تجاوز أزمات كبيرة بين أنقرة وتل أبيب، خصوصاً أن أزمة الهجوم الإسرائيلي على سفينة "مافي مرمرة" التي كانت متجهة إلى غزة في العام 2010، ما زالت في وجدان الشارع التركي، وحينها سقط 9 قتلى أتراك وقتيل يحمل الجنسية الأميركية من أصل تركي، وجرحى آخرون. وصدرت بيانات رافضة لزيارة هرتسوغ، كما أعلنت منظمة الإغاثة الدولية İHH عن تنظيم وقفة احتجاجية رافضة، يوم الزيارة، في إسطنبول.

إلا أن انعكاسات الحرب الروسية على أوكرانيا، ولا سيما البحث عن تأمين بدائل للغاز والنفط الروسيين، بدعم أميركي، وفي ظل رغبة دول حوض شرق المتوسط بالتعاون لاستخراج النفط والغاز، كلها تدفع تركيا وإسرائيل لتطوير علاقاتهما الثنائية، خصوصاً أن الاقتصاد العالمي لا يزال يعاني من جائحة كورونا، وهو ما يسرّع وتيرة توصل الأطراف المعنية إلى تفاهمات مشتركة.

وتحاول تركيا الاستفادة من الاعتراض الأميركي قبل أشهر على مشروع "إيست ميد" لنقل النفط والغاز باتجاه أوروبا، والذي تشترك فيه اليونان ومصر وإسرائيل، لتعزيز دورها في هذا الصدد. 

كما أن استراتيجية تركيا في تصفير المشاكل مع دول الجوار تتواصل، إذ تم تطبيع العلاقات مع الإمارات، وتبذل جهوداً لتطبيعها مع مصر واليونان، وتفتح قنوات اتصال مع أرمينيا، فيما تقف على الحياد في الصراع الأوكراني الروسي محاولة لعب دور الوسيط.

وعن الأسباب التي تدفع إلى تحسن العلاقات، قال الخبير في العلاقات التركية بالشرق الأوسط مصطفى أوزجان، إنه "كان هناك طوق حول تركيا مشكّل من عدة دول، من بينها إسرائيل، خصوصاً حول ثروات شرق المتوسط، فاضطرت أنقرة للانفتاح على الجميع"، مشيراً إلى بروز سياسة تركية جديدة لها مبرراتها، منها الضائقة الاقتصادية بعد جائحة كورونا، وكسر الطوق. 

كما لفت أوزجان في حديث مع صحيفة العربي الجديد، إلى أن "غياب الضوء الأخضر الأميركي عن مشروع نقل الغاز والنفط إلى أوروبا، ترك الباب مفتوحاً أمام تركيا للقيام بدور في نقل الغاز إلى أوروبا، وترتيب العلاقات بين دول الحوض". 

وأشار إلى أن "الحرب الروسية الأوكرانية أغلقت بعض الفرص لتركيا لكنها وفّرت أخرى، مع آفاق باستبدال الغاز الروسي ببدائل جديدة، وبذلك تريد أنقرة تنويع مصادرها في الطاقة".

وعن تأثير التقارب مع إسرائيل على الموقف التركي من القضية الفلسطينية، أوضح أوزجان أنه "لا يوجد انحراف في الخط التركي بالملف الفلسطيني، ولكن الظروف حساسة والقضية الفلسطينية معقدة وشائكة. على الرغم من ذلك، فإن الحكومات التركية المتعاقبة لا تفك علاقاتها بالفلسطينيين، بل تمسكت بحقوقهم حتى في أسوأ الحالات".

ورأى أن "الحكومة تتعامل بنظرة براغماتية تجاه إسرائيل، ولكن من الناحية المبدئية والأيديولوجية هناك قطاعات من الشعب التركي تتمسك بمبدأ عدم التنازل لإسرائيل لأن تحسين العلاقات ربما يكون على حساب القضية الفلسطينية". 

وشهدت العلاقات التركية الإسرائيلية تذبذباً خلال سنوات، كانت قضية فلسطين والقدس والقضايا العربية محدداً أساسياً فيها. وتعود العلاقات التركية الإسرائيلية إلى العام 1949 مع الاعتراف التركي بدولة إسرائيل، ثم تعيين أول سفير تركي في العام 1950. استمرت العلاقات على مستوى السفراء حتى العام 1956 قبل أن تتراجع بسبب العدوان على قناة السويس.

وفي العام 1963 عاد مستوى التمثيل ليكون على مستوى السفراء، ولكن حرب العام 1967 وإكمال احتلال القدس أثّرا أيضاً على مستوى التمثيل الدبلوماسي التركي ليهبط إلى مستوى الكاتب الثاني. 

وفي ثمانينيات القرن الماضي، ومقابل تراجع علاقات تركيا مع سورية بسبب نشاط حزب "العمال الكردستاني" داخل الأراضي السورية، تحسنت العلاقات التركية الإسرائيلية ووصلت إلى ذروتها في تسعينيات القرن وعاد التمثيل لمستوى سفير في العام 1992.

وعززت محادثات مدريد واتفاقية أوسلو تحسين العلاقات. لكن مع تولي حزب "العدالة والتنمية" الحكم في العام 2002 جاءت الحرب الإسرائيلية على غزة في 2008 كأول اختبار وبداية التراجع في العلاقات الثنائية.

وفي العام 2009 كانت حادثة "وان منت" الشهيرة في منتدى دافوس، حين هاجم أردوغان نظيره الراحل شمعون بيريس، واتهم القادة الإسرائيليين بأنهم "قتلة". تبع ذلك في العام 2010 الهجوم الإسرائيلي على قافلة "أسطول الحرية"، لتنخفض العلاقات مجدداً إلى مستوى الكاتب الثاني وتتراجع بشكل غير مسبوق.

استمرت العلاقات الدبلوماسية بمستوى متدنٍ لست سنوات، ورُفعت قضايا جنائية في المحاكم التركية ضد المسؤولين الإسرائيليين، ولكن بجهود أميركية اعتذرت إسرائيل من تركيا، وقبلت دفع تعويضات لذوي الضحايا والجرحى، فيما رفضت رفع الحصار عن غزة. 

تلا ذلك تعيين سفير تركي في إسرائيل عام 2016، ولكن لم يستمر الأمر طويلاً لتسحبه أنقرة نتيجة التطورات في القضية الفلسطينية وجهود إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لتعويم رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، وتخليه عن حل الدولتين، والاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل.

مع حلول العام 2021 وفي ظل التطورات العالمية بعد جائحة كورونا وتولي جو بايدن الحكم في الولايات المتحدة، شهدت العلاقات بين البلدين انطلاقة جديدة، مع الإشارة إلى أنها لم تنقطع بشكل كامل في أي مرحلة من المراحل. 

وعن الظروف الجديدة التي تدفع لتطوير التعاون بين تل أبيب وأنقرة، قال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى حامد أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "المنطقة تشهد اصطفافات جديدة، خصوصاً في ملف التنقيب عن النفط والغاز شرق المتوسط، وكان من المهم لتركيا إعادة العلاقات مع إسرائيل التي ترى بدورها ضرورة التنسيق مع أنقرة في المنطقة لأنها لاعب أساسي".

ورأى أن هناك منفعة للطرفين بعودة العلاقات لطبيعتها، معتبراً أن "الفلسطينيين قد يرحبون بعودة العلاقات لما يخدمهم، ويثقون بأن أنقرة لن تفرط في مصالحهم، وهذا يختلف عن التطبيع الذي يحصل بين إسرائيل وبعض الدول العربية". 

واستبعد حامد أوغلو تقديم تنازلات من قبل أنقرة في عملية تطبيع العلاقات، لافتاً إلى أن السياسة تحتاج للمرونة ولنوع من التواصل مع الطرف الذي تختلف معه. وأشار إلى أن "تركيا تجيد بناء علاقات مع دول تختلف معها في كثير من الملفات، مثل إيران وروسيا وأميركا، فعلى الرغم من الخلافات حول ملفات كثيرة مع هذه الدول، هناك تعاون تجاري وعلاقات جيدة".

ورأى أن هناك نوعاً من تقاطع المصالح بين تركيا وإسرائيل، مستبعداً حصول ضغوط شعبية على الحكومة التركية، لأن علاقات كهذه تخدم مصالح الفلسطينيين وتخفف العبء عنهم.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!