د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس

اهتم عماد الدين زنكي بأمر الوظائف والموظفين اهتماماً كبيراً كي يستطيع أن يسيِّر أمور دولته بشكل منظَّم، وكي يجنب جهازه الإداري الهزات التي كثيراً ما تعرقل سير الأمور، وقد طبَّق زنكي مبادأى إدارية، منها:

أ ـ مبدأ تكافؤ الفرص في المجال الإداري: كي يتحقق هدفه انف الذكر، ويضع يديه على الموظفين الأكفاء فكان: يتعهد أصحابه، ويمتحنهم فلا يرفع أحداً فوق قدره الذي يستحقه، ولا يضعه دونه، (الجزري، 1963،ص 79)كما كان يجعل كفاءة الشخص أساساً لتقدير راتبه.

ب ـ الثقة على قدر المعرفة: فكان يولي موظفيه على قدر ما يعلم منهم كي يشعرهم بالأمن والاستقرار، وهو أمر ضروري لتقديم خدماتهم الإدارية على أحسن وجه.

ج ـ مبدأ كفاءة الشخص: فقد جعل من كفاءة الشخص أساساً لتقدير راتبه.

س ـ ثقته في موظفيه: فكان: قليل التلون والتنقل، بطيء الملل والتغيُّر، شديد العزم، لم يتغيَّر على أحد من أصحابه مُذْ ملك إلى أن قتل إلاَّ بذنب يوجب التغيُّر، والأمراء والمقدمون الذين كانوا معه أوَّلاً هم الذين بقوا معه أخيراً، فلهذا كانوا ينصحونه، ويبذلون نفوسهم له، وهذا هو الذي دعا جمال الدين الوزير إلى وصف زنكي بأنَّه كان متمكناً، قوي العزم، لا يتجاسر أحد على الاعتراض عليه، ولا يتلون بأقوال أصحابه، ممَّا دفع أصحابه إلى حفظه.(خليل،1982، ص266)

ش ـ انتقاء الموظفين: كان زنكي ينتقي موظَّفيه من الرجال ذوي الهمم العالية، والآراء الصائبة، والأنفس الأبيَّة (المقدسي،1997،ج1، ص114) فإذا ما أضيف إلى ذلك توسيعه في رواتب موظفيه؛ أدركنا مدى إخلاص هؤلاء له، ولعملهم، ومدى سير الأمور الإدارية في ولايته سيراً طبيعياً. وخير مَثَل على ذلك: موظفه الكبير جمال الدين الأصفهاني الذي أظهر في أيَّامه من الكفاية والنظر في صغير الأمور وكبيرها، والتحقيق فيها ما يدل على تمكنه من الكفاية، فلمَّا وزر جمال الدين نفسه لقطب الدين مودود بن زنكي؛ قلَّت كفايته وصار يهمل بعض الأمور، وعندما سأله أحد الموظفين عن السبب في ذلك أجاب: ليست الكفاية عبارة عن فعل واحد في كل زمان، إنما هي أن يسلك الإنسان في كل زمان ما يناسبه.(خليل،1982، ص267)

ع ـ المركزية في الحكم: يقول بعض الباحثين كان زنكي يؤمن بما يُسَمَّى اليوم (الدكتاتور العادل) ويسعى إلى تطبيق هذا المبدأ في مجال الإدارة، فكان يقول: ما يتفق أن يكون أكثر من ظالم واحد ـ يعني نفسه. ويقول عماد الدين خليل: كلمة (ظالم) تعني: السيطرة الفردية المركزيَّة في الحكم، وعدم السماح للموظفين الاخرين بالارتفاع إلى مستوى مسؤوليته في الإدارة، ومشاركته في الحكم ؛ ولهذا السبب ـ نفسه ـ لم يكن زنكي يسمح لموظفيه وعماله بظلم أحد من أفراد الرعية أو التعرض لهم بأي أذىً. وقد عاقب عز الدين الدبيسي ـ وهو من أكابر أمرائه ـ لأنَّه سلب أحد يهود جزيرة ابن عمر بيته، وعاقب أحد ولاته بسمل عينيه لتعرضه لامرأة، فخاف الولاة، وانزجروا(ابن الجوزري،1951،ج8، ص190)  وعجز القوي عن ظلم الضعيف.(بن العديم،1954، ج2، ص284)

ك ـ نهيه أصحابه وموظفيه عن اقتناء الأملاك: كان ينهي أصحابه وموظفيه عن اقتناء الأملاك قائلاً لهم: ما دامت البلاد بأيدينا؛ فأيُّ حاجة بكم إلى الأملاك، فإن الإقطاعات تغني عنها، فإن خرجت البلاد من أيدينا، فإن الأملاك تذهب معها، ومتى صارت الأملاك لأصحاب السلطان ظلموا الرعية، وتعدوا عليهم، وغصبوهم أملاكهم.(الجزري،1963، ص 77)

وقد لخص زنكي بهذا التصريح سياسته العادلة إزاء الرعية، وموقفه من موظفيه كما أوضح مفهومه عن الحكم المستبد العادل، وهذا هو الذي دفع عدداً من المؤرخين إلى التأكيد على سياسته العادلة لدى استعراضهم لسيرته، وأنه كان يتقبل آراء الرعية، وانتقاداتهم. ويروي ابن واصل: أنَّ زنكي كان يمارس الظلم في بدء أمره، فسمع في إحدى الليالي شخصاً يغني بيتين من الشعر عن العدل، فبكى وتبدَّلت نيته في الظلم، وألزم نفسه بالعدل مُنذ ذلك اليوم، كما يشير ابن العديم إلى أن أهل حران امتدحوا سياسة زنكي العادلة معهم، ثم يقول: وبلغني: أنَّه لا يتجاسر أحد من رعيته، كائناً من كان أن يظلم أحداً من خلق الله. وفي العموم كانت سياسته إلى العدل أميل، وخالطها شيء من الظلم، وحرص على التخلص منه.(خليل،1982، ص268)


ملاحظة مهمة: استند هذا المقال بشكل كبير في مادته المرجعية على كتاب عماد الدين زنكي للكاتب عماد الدين خليل.

مراجع البحث:

علي محمد الصلابي، الدولة الزنكية، دار المعرفة، بيروت، 2007، صص 59-61

الجزري، التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية، تحقيق عبد القادر أحمد طليمات، دار الكتب الحديثة بالقاهرة، ومكتبة المثنى، بغداد 1382 هـ  1963 م.

كمال الدين أبو القاسم بن العديم زبدة الحلب في تاريخ حلب، ، تحقيق سامي الدهان، طبعة دمشق 1954م.

سبط ابن الجوزي، مراة الزمان في تاريخ الأعيان، حيدر اباد الدكن 1951م.

ابو شامة شهاب الدين المقدسي، عيون الروضتين في اخبار الدولتين النورية والصلاحية، تحقيق: ابراهيم الزيبق، منشورات وزارة الثقافة، دمشق،1418-1997

عماد الدين خليل، عماد الدين زنكي. مؤسسة الرسالة بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1402هـ  1982م.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس