خلود الخميس - العرب القطرية

بعد ثلاث أيام، وتحديداً في السابع من حزيران/ يونيو الجاري، تركيا مقبلة على الانتخابات الأشد شراسة في تاريخ حزب العدالة والتنمية الحاكم.

الانتخابات البرلمانية التي ستحسم إمكان إحداث تغيير في الدولة التركية لتدخل حقبة جديدة كما كرر رئيسها رجب طيب أردوغان غير مرة (تركيا الحديثة) وأن هذا التغيير ليكون على يد الحزب يجب أن يحقق ما نسبته 67 % أي 367 نائباً في البرلمان لتغيير الدستور بإقرار البرلمان فقط، أما بتحقيق نسبة 60 % أي 330 نائباً في البرلمان فتطرح الدستور للاستفتاء العام ولا تقره برلمانياً.

شخصياً، لا أظن الرقم سيتعدى 55%، وهو رقم يمكن الحزب من تشكيل الحكومة كاملة، فكما ينص الدستور التركي بأن الحصول 50 + 1 % أي 267 نائباً يمنح الحزب حق تشكيل الحكومة.

وظني أعلاه لأسباب عدة على رأسها الحسابات السياسية لأن المنطقية تعطي الحزب ما يفوق الثمانين بالمائة، ولكن المصالح والنزاع على السلطة والتحيز للحزب لا للأفضل لا ينظرون لانجازات الفريق الآخر, بل لعيوبه، ولا يهتمون بما يحقق للشعب بل بكيفية إقصائه وأخذ مكانه.

النظام الحزبي قاسٍ جداً بسبب شراسة النزاع للفوز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان لتشكيل الحكومة كاملة، فالحكومات التوافقية أو الائتلافية من أسوأ الحكومات التي مرت على الأنظمة الديمقراطية ولذلك تسعى الأحزاب للسيطرة على البرلمان لتتمكن من السيطرة على جميع مقاعد الحكومة ومن ثم يسهل عليها تطبيق برنامجها الانتخابي بلا عراقيل كيدية أسبابها سياسية.

وفي تركيا، منذ العام 2013 واجهت الإدارة التركية مصاعب مفتعلة من المعارضة المدعومة خارجياً والمعارضة التي تُدار من الخارج ( الكيان الموازي )، فكانت هناك محاولة انقلاب على الحكومة الشرعية في 17 و25 تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2013، وأحداث شغب في 6 – 8 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الذي يليه بادعاء التضامن مع أحداث بلدة عين العرب (كوباني – عين العرب) السورية وتعثر المصالحة الوطنية مع الأكراد والذي كبّد تركيا ما كبدها من خسائر بشرية ومادية وبقيت ورقة الغرب بيد استخباراتها وميليشياتها للإفساد في تركيا، وهي بين نجاح وإخفاق والفيصل وعي الشعب التركي الذي يتزايد بانكشاف وجه المعارضة المصلحي العلماني بقيادة حزب الشعب الجمهوري المتهتك داخلياً والديني بقيادة فتح الله كولن والذي فقد شعبية "دينية" كبيرة لتدخله المباشر في السياسة، ومطالباته بتعيينات أكبر في الدولة واختراقه لمؤسساتها وابتزاز النظام السياسي والإداري والقضائي لصالح "الخدمة".

أما حزب الشعوب الديمقراطي الكردي فبسبب أعمال الشغب في المناطق ذات الأغلبية الكردية سيصعب عليه بلوغ سقف 10% وهو الأدنى لأي حزب للتأهيل لدخول البرلمان، وذلك لأن القواعد لا تخرج عن طاعة الحزب، ومن الطبيعي أن يرفض الشعب التصويت لمن ساهموا بالفوضى في البلاد، وحتى لو تحجج الحزب أن لا سيطرة له على الجموع فالعذر يعني ضعفه أمام قاعدته والوضع هنا أسوأ والضعيف لا يصلح للسياسة لمثل دولة قوية دولياً وإقليمياً وتسعى لقوة أكبر مثل تركيا.

قوتها الخارجية لا تعني أن مشاكلها كلها محلولة داخلياً، فالحزب الحاكم ممثلاً بالإدارة السياسية للدولة لم يسلم في انتخابات المجالس المحلية ورئاسة الجمهورية في 2014 من المؤامرات التي ردها صوت الشعب في نحور مدبريها، واختارت حزب العدالة والتنمية, الرئيس رجب طيب أردوغان رغماً عن كل الإشاعات والتلفيق الذي رافق الحملات الانتخابية.
ويبقى الأمل في رفع نسب الفوز معولاً على مدى دعم الشعب لمثلث المشروع الانتخابي لتركيا الحديثة, الدستور التركي، المصالحة الوطنية مع جميع أطياف المواطنين الأتراك, وتحويل النظام إلى رئاسي.

أحمد داود أوغلو مهندس السياسة الخارجية التركية ودينامو الحكومة بعد تسلمه رئاسة الحزب والوزراء من سلفه أردوغان، أثبت جدارته بمهارات تختلف عن أردوغان، فهو أكاديمي متحدث للغات بإتقان، مختص في الاقتصاد والسياسة ولديه مهارات التواصل مرتفعة، وقدرات هائلة على استحضار الأرقام والأحداث بالترتيب وهو في هذه لا يختلف عن أردوغان كثيراً، فالتوقعات الحاقدة كانت تتربص الدوائر بخلف أردوغان، بمكان أردوغان، بمكانة أردوغان، لكن انقلبت عليهم الدوائر وملأ أحمد داود المنصب الذي تقلده وهو أهل له، واستلم الملفات الثلاث الحاسمة ليدخل فيها تحدي الانتخابات البرلمانية السابع من يونيو الجاري بقوة وإدارة وجدارة.

أتمنى أن يخيب الشعب التركي ظني ويهب مدافعاً عن محافظته وعاداته ليتمكن حزب العدالة والتنمية من تغيير الدستور ونظام الحكم بما يكرس العدالة والتنمية كمالاً وتماماً والأمن والاستقرار وهيبة الدولة على المستويين الداخلي والخارجي, ولكن نيل المطالب ليس تمنياً.

عن الكاتب

خلود عبد الله الخميس

كاتبة وروائية كويتية مختصة في الإعلام السياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس