محمد قرة مريم - خاص ترك برس

تزامناً مع حملات المعارضة التركية المناهضة للاجئين في البلاد، ظهرت العديد من المبادرات التي تعمل على تعزيز التواصل بين المجتمعين المحلي والعربي وخاصة السوري، وذلك لتصحيح المفاهيم المغلوطة في هذا الخصوص والحيلولة دون تفاقم سوء التفاهم الحاصل في بعض الأمور.

وتعد منصة "TR99" الإعلامية من أبرز هذه المبادرات التي ظهرت مؤخراً في تركيا، وتعنى بشؤون العرب واللاجئين بشكل خاص، وفي مقدمتهم السوريين الذين يشكّلون النسبة الأكبر منهم، وحولهم يدور الجدل مؤخراً في البلاد.

وبالرغم من انطلاقتها قبل قرابة 4 أشهر، إلا أن المنصة التركية استطاعت الوصول إلى شريحة واسعة من الجمهور العربي والسوري، المقيم في تركيا سواء بصفة لاجئ أو مستثمر أو سائح.

وخلال فترة قصيرة، قامت المنصة بإجراء مقابلات وحوارات مع العديد من الشخصيات التي لها ثقلها في تركيا، سواء على الصعيد السياسي، أو الاجتماعي أو الفني.

ولم تكتف المنصة الإعلامية بلقاء شخصيات محسوبة على أيديولوجية معينة فقط، بل نوّعت في ذلك بين المحافظ واليساري العلماني، كما هو الحال في الحوار الذي أجرته مع أفق أوراس، الرئيس السابق لحزب اليسار المعارض في تركيا.

وتنشط "TR99" على أغلب منصات التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها فيسبوك، وانستغرام.

بدايات ظهور الفكرة

وفي لقاء خاص مع "ترك برس"، قال عبد الرحمن كوزوم، مدير تحرير منصة "TR99"، إنهم يواصلون منذ قرابة عام، مراقبة التطورات المتعلقة بالأجانب واللاجئين في تركيا، والتداعيات المترتبة عليها سواء بالنسبة للمجتمع التركي أو اللاجئين والأجانب.

وأضاف " كوزوم" أنه ومن باب الأهمية التي يولونها لموضوع التعايش بين المجتمعين التركي والعربي، وإزالة بعض النقاط التي تسودها المغالطات، قرروا إطلاق منصة "TR99" الإعلامية، لتعزيز التواصل بين أفراد المجتمعين وتعميق الصلة بينهم.

وأكد أن أحد أبرز دوافعهم في إطلاق المنصة الإعلامية، تتجسد في مقولة لرجل الدين الأمريكي من أصل أفريقي مارتن لوثر كينغ، مفادها: "الشعوب تكره بعضها البعض لأنها تخاف من بعضها البعض. وتخاف من بعضها البعض لأنها لا تعرف بعضها البعض. وهي لا تعرف بعضها البعض لأنه لا توجد وسيلة تواصل بينها."

ويشير "كوزوم" إلى أنه بالرغم من وجود العديد من نقاط الخلاف والاختلاف بين المجتمعين العربي والتركي بسبب اختلاف الخلفيات الثقافية والعادات والتقاليد وغيرها من العوامل الأخرى، فإن هناك أيضاً قواسم مشتركة أكثر من أن تُحصى، ويمكن أن تشكل أرضية مشتركة للتعايش بين العرب والأتراك.

وتابع: "نولي أهمية كبيرة لتعريف المواطن العربي بعادات وتقاليد المجتمع التركي، كي لا تنشأ حساسيات وسوء تفاهم لأسباب تبدو بسيطة في الظاهر إلا أن نتائجها وخيمة وكبيرة."

وكنوع من تعزيز التواصل بين أفراد المجتمعين والالتقاء على أرضيات مشتركة وتفادي الصدام بينهما، يقول "كوزوم": "كما يُطلب من التركي عدم الانجرار إلى العنصرية والتمييز بين المجتمعين، فإنه على المواطن العربي المقيم في تركيا أيضاً مراعاة حساسيات وأولويات ونمط عيش المجتمع المحلي، وبالتالي تجنّب الممارسات التي قد تجلب عليه الانتقادات وتثير المواقف السلبية ضده."

وأردف: "نقول للمواطن العربي والسوري المقيم في تركيا: أنت جئت إلى هذا البلد وحصلت على الجنسية وتعمل هنا، لذا من الضروري أن تتعلم اللغة التركية كي تتأقلم مع المجتمع وتتجاوز الكثير من العراقيل التي تظهر بسبب حاجز اللغة."

واستطرد: "بعبارة أخرى نقول: أيها الضيف السوري، لك حقوق بالتأكيد هنا، لكن لا تنسَ أنك في بلد ليس بلدك وشعبه مختلفون عنك في بعض العادات والتقاليد، وحبذا لو راعيت هذه الأمور، وذلك لمصلحتك أنت قبل الآخرين."

سبل تعزيز الانسجام والتعايش بين العرب والأتراك

تسلّط منصة "TR99" من خلال منشوراتها باللغة العربية، الضوء على أبرز العادات والتقاليد التي يولي الأتراك أهمية لها، في خطوة لتعريف العرب والسوريين بها، وذلك لتعزيز الانسجام والتعايش بين المجتمعين.

وفي هذا السياق، يذكر "كوزوم" على سبيل المثال وليس الحصر، أن "قيام المقيم العربي بتوزيع حلوى عاشوراء على جيرانه الأتراك في شهر محرّم، يترك طابعاً إيجابياً جداً عنه ويدفع التركي للاعتقاد بأن هذا الشخص جزء منهم وليس بغريب عنه."

كما يحرص القائمون على المنصة الإعلامية، على إيصال الرسائل الإيجابية في المجتمع التركي إلى العرب سواء في بلادهم أو المقيمين في تركيا.

وفي هذا الخصوص يقول رئيس تحرير "TR99": "نؤكد على أن بعض النماذج المناهضة للعرب لا تمثل المجتمع التركي بأكمله، إنما هناك من يكنّ الاحترام والمحبة والتقدير للعرب والسوريين خصوصاً، ولا يعارض تواجدهم في تركيا، بل يرحب بذلك، ويتعاطف معهم ويدعمهم. وجلّ ما يريدونه منهم هو تصرفهم بشكل منسجم مع المجتمع المحلي، كي يكونوا جزءاً منهم."

واستطرد: "نركز على إيصال الرسائل الإيجابية في تركيا للعرب والسوريين في تركيا، وأنهم ليسوا وحدهم وهناك أتراك متعاطفون ومتضامنون معهم ويريدون من العرب أن يندمجوا ويتعايشوا مع الشعب التركي."

لقاءات وحوارات مع شخصيات تركية بارزة

وخلال الأشهر الـ 4 الأولى من انطلاقتها، أجرت "TR99" لقاءات وحوارات مع مختلف أطياف المجتمع التركي، سواء سياسيين أو فنانين أو حقوقيين، ومن مختلف الخلفيات سواء المحافظة أو اليسارية العلمانية، والقاسم المشترك بينهم هو تعاطفهم مع العرب وتفهّمهم لتواجد السوريين في بلادهم.

ويؤكد "كوزوم" على اعتزامهم خلال الفترة المقبلة الوصول إلى المزيد من الشخصيات التركية، حتى تلك المنتمية لأحزاب سياسية يسارية والتي يغلب عليها مناهضة العرب والسوريين في البلاد، مثل حزب الشعب الجمهوري، أكبر الأحزاب المعارضة في تركيا.

ويوضح "كوزوم" الهدف من هذه الغاية بالقول: "كي نطّلع على آرائهم حول السوريين والعرب في تركيا، ونقدّم لهم المعلومات الصحيحة عنهم، فضلاً عن إنشاء قنوات تواصل واتصال معهم أيضاً في هذا الخصوص."

وفي سياق اطلاعها العرب والسوريين المقيمين في تركيا، بتفاصيل الحياة الاجتماعية في تركيا، تقوم "TR99" بنشر محتويات تعرّف بالمؤسسات الحكومية والخاصة الهامة ووظيفة كل منها والخدمات التي تقدمها، وذلك من أجل "تسهيل معاملات العرب لدى هذه المؤسسات وتجنيب ظهورهم بمظهر غير الملم بالأمور القانونية للبلد المقيم فيه منذ قرابة عقد كامل، وما قد يؤدي ذلك إلى تشكيل صورة سلبية عنهم عندما يذهبون إلى مؤسسة ويسألون أسئلة من المفترض السؤال عنها لجهات أخرى غير التي توجهوا إليها"، بحسب "كوزوم."

وإلى جانب تسليطها الضوء على مسؤوليات العربي والسوري المقيم في تركيا، تحاول "TR99" اطلاع هذه الفئة من الأجانب على حقوقه القانونية أيضاً في البلد نفسه، على كافة الأصعدة المختلفة، كما هو الأمر في سلسلة "اعرف حقوقك" التي تنشرها المنصة.

دلالات اسم المنصة وشعاره

فيما يخص السبب الكامن وراء تسمية المنصة بـ "TR99"، يقول "كوزوم" إن "TR" هو الرمز الدولي لتركيا، ورقم 99 هو إشارة إلى رقم الإقامة الممنوحة للأجانب في تركيا والتي تبدأ بـ 99، وفي نفس الوقت فيه إشارة أيضاً إلى قرب التكامل بين المجتمعين، حيث ينقص رقم واحد ليبلغ هذا الرقم المئة.

أما فيما يتعلق بشعار المنصة والتي هي على شكل (القطعة الناقصة - أحجية جقسو)، يقول "كوزوم": "أحببنا أن نشير من خلاله إلى أننا كمجتمعين جزء لا نتجزأ من بعضنا البعض، ونحن نكمّل بعضنا البعض كي تكتمل الصورة الكبرى."

التطورات الأخيرة المناهضة للسوريين في تركيا

فيما يخص التطورات الأخيرة التي تشهدها تركيا من تكثيف المعارضة حملاتها المناهضة للاجئين عامة والسوريين خاصة، يرى "كوزوم" أن من بين الأسباب التي تؤدي إلى تعمّق الخلافات والاختلافات في هذا الخصوص، هو قلة التواصل أو سوء التفاهم بين الجانبين، مرجعاً ذلك إلى مبدأ "من جهل شيئاً عاداه."

كما انتقد "كوزوم" الجهود المتواضعة أو التي تكاد تكون معدومة، فيما يخص تسليط الضوء على نجاحات اللاجئين السوريين في تركيا، لافتاً إلى وجود الكثير من الشخصيات السورية التي أضافت قيمة للمؤسسات التركية (الجامعات مثالاً) التي تعمل فيها، مبيناً أن مثل هذه الأمور لا تحظى بالقدر الكفي من الاهتمام في الإعلام التركي.

وتابع: "هذا الأمر يلقي مسؤولية كبيرة على السوريين أنفسهم لتعزيز التواصل بينهم وبين المجتمع التركي، والترويج الكافي لمثل هذه الاستحقاقات وتعديل النماذج السلبية التي تطغى عادة على الإعلام."

واختتم رئيس تحرير "TR99" بالتشديد على ضرورة قيام العرب والسوريين المقيمين في تركيا، بإيصال "أصواتهم بأنفسهم وإطلاق المبادرات الجماعية من أجل ذلك، وعدم الاكتفاء بانتظار كل شيء من هذا القبيل من الحكومة التركية"، مشيراً إلى أنه يمكن القيام بذلك عبر إقامة علاقات مع منظمات المجتمع المدني، والصحفيين، والمؤسسات الإعلامية.

وتابع: "لأن أغلب هذه الفئات لا يملكون المعرفة الكافية أو الصحيحة لما يحدث في سوريا، وما يصلهم هو ما تظهره الوسائل الإعلامية التي يغلب عليها الجانب السلبي."

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!