د. محمد وجيه جمعة - خاص ترك برس

إن الحديث حول منطقة آمنة في سورية تقي السوريين من شر الطيران الحربي الأسدي وتدفع عنهم الموت وتَحُول دون هجرتهم الى خارج الحدود السورية بدأ مع استخدام الأسد للبراميل المتفجرة ورميها على الأحياء السكنية .

المنطقة الآمنة شكلت نقطة افتراق بين تركية وأميركا التي كانت ترفض وتمنع انشاء المنطقة الآمنة .. وهي بذلك كانت تنتزع صفة

" آمنة " من كامل الجغرافية السورية وهذا الرفض الأميركي ينطلي على كل من هو في بيت الطاعة الأميركية من دول ومؤسسات دولية وبهذا وعلى هذا استمر القتل والتدمير والتهجير .

في عام /2013/ كانت كل التطورات على الأرض وكذلك معظم المخرجات تشير باتجاه حتمية زوال النظام الأسدي مع منظومته وارتباطاته العضوية المحلية والدولية ، ومن هنا انطلق البعض مذعورين ليعكسوا مسار الثورة السورية ...وكانت أداتهم الأولى أن زجوا ما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" بكل مواصفاته المرعبة التي اكتسبها من الاعدادات والبرمجة التي أكسبوه إياها .

في عام /2015 /جمع الكثير من الأحداث الكبيرة التي غيّرت المسار والمصير في سورية وأتوقف عند ثلاثة منها :

القرار الأميركي باعتماد PYD شريكاً  محلياً على الأرض لمحاربة تنظيم الدولة الإرهابي مع المعرفة الكاملة بأن PYD هو المسمى السوري لعصابة PKK المصنف كإرهابي لدى الولايات المتحدة الأميركية ، وأن تبنّي وتضخيم هذا الجسم الإرهابي هو تهديد لسورية وتركيا والاستقرار في المنطقة ...وما تم اطلاقه من مسميات قسد و مسد ما هي إلا أقنعة لا تغير حقيقة السيطرة المطلقة ل PYD على مقدرات المنطقة ورقاب الناس .
صدور قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ الذي لم يبصر النور بعد ٧ سنوات...لعله حمل مديد ...من العالم الغير مألوف.
دخول الدب الروسي الى الحلبة السورية بقوته العسكرية وبعقيدته القتالية ( غروزني نموذجاً ) .

في عام /2016/ أميركا والجوقة أقاموا تحالفاً دولياً واسعاً ضد داعش ، التحالف الذي دمّر الحواضر العريقة وهجّر البشر ونصّب ال  P Y D حاكماً على حطامها وبذلك تصدر الإرهاب الأصفر المشهد وسيطر على ما يقارب ثلث سورية وبهذا يقتطع هذا التنظيم الارهابي قطعة من سورية لصالح مشروعه اللا وطني و اللا سوري ، ويبني كيان إرهابي يقسّم سورية و يهدد الأمن القومي للدولة التركية .

تركية بدأت حراك دبلوماسي فعال ظهرت نتائجه حين كشف وزير الخارجيّة التركيّ مولود جاويش أوغلو عن "تعهّدَ الرئيس الأمريكي باراك أوباما لتركيّا بسحب قوّات PYD من مدينة منبج فور السيطرة عليها، وأن يعودوا إلى شرق الفرات بعد انتهاء العمليّة" ...طبعاً كالعادة لم يلتزموا بالوعود .

داعش هو حصان طروادة الذي استخدموه لادخال ال PYD إلى مناطق شرق الفرات للاستيلاء على السلطة و الثروات والعبث بديموغرافية المنطقة ولتأكيد وجود المصالح الأميركية على الأرض .

 في 10 من آذار 2018 يقول السيد أردوغان بأن بلاده «ستسعى إلى تطهير منبج وعين العرب وتل أبيض ورأس العين والقامشلي من الإرهابيين بعد الانتهاء من تطهير عفرين» .

ترقبنا عن قرب المفاوضات الماراتونية و المكثّفة بين تركية و أميركا بهدف انسحاب قوات PYD من منبج ، و أخيراً في حزيران 2018 تم  الاتفاق على خارطة طريق لحلّ الإشكال العالق بين تركية والولايات المتحدة ، تمثل الاتفاق في تسليم منبج لمجلس محلي وإخراج قوات PYD منها وتسيير دوريات تركية أمريكيّة مشتركة لمراقبة تطبيق الاتفاق . إلا أنّ المماطلة في تنفيذ ذلك لم يرضِ  تركية الحريصة على أمنها القوميّ من خلال إزالة وجود المنظمات الإرهابية والانفصاليّة المرتبطةِ مع حزب العمال الكردستاني على طول الحدود السوريّة .

يعود السيد أردوغان في كانون الأول 2018 ليقول : بناءً على أن منبج “خاضعة لسيطرة التنظيمات الإرهابية التي تتصرف بغطرسة ، والولايات المتحدة غير قادرة على إخراجهم ، نحن إذاً من سيخرجهم فقد بلغ السيل الزبى”، لتلي ذلك مباحثاتٌ مطوّلة و عراك دبلوماسي على كافة المستويات شمل حتى الرئيسين التركي والأمريكي .

في منتصف كانون الأول ، يفاجئ الرئيس الأميركي ترامب العالم بإعلانه قراره الانسحاب العسكري من سورية ، و بتاريخ ١٨ كانون الأول 2018 أعلنت سارة ساندرز (المتحدثة باسم البيت الأبيض) عن البدء بذلك فعليًّا ...وبذلك اهتزت المنطقة بعاصفة تدحرج أمامها عديمي الأصل والجذور والمرتبطين مصيرياً بأميركا ...

بعد اجتماعات متعددة توصل الطرفان التركي والأميركي في 7 آب 2018 إلى اتفاق يقضي بإنشاء “مركز عمليات مشتركة لإدارة وتنسيق المنطقة الآمنة ” كما اتُّفِقَ على جعل “المنطقة الآمنة ممر سلام واتخاذ كل التدابير الإضافية لضمان عودة السوريين إلى بلادهم”.

هذا الاتفاق لم يغير شيء على الأرض ولم يأتي بأي تغيير ايجابي يطمئن الطرف التركي ليأتي الجواب من السيد أردوغان بلغة واضحة وصريحة : “لا يمكن إنشاء المنطقة الآمنة عبر تحليق ثلاث إلى خمس مروحيات أو تسيير خمس إلى عشرة دوريات أو نشر مئات من الجنود في تلك المنطقة بشكلٍ صوريّ” مؤكّدًا على أنّه لا بدّ من “جعل المنطقة برمّتها آمنة بشكل فعليٍّ بمدنها وريفها” حتى يتسنى إسكان مليون شخص في هذه المنطقة ، وأنه إن لم يتم ذلك “لن يكون لدينا خيار سوى تنفيذ خططنا الخاصة” ، وهو ما أكّده مرةً أخرى في تشرين الأول 2019 حيث قال بأن الدوريات المشتركة مع أمريكا في إطار إنشاء المنطقة الآمنة “مجرّد كلام”، ثمّ أردف قائلاً: " اتّخذنا التدابير اللازمة، وسنشنّ العمليّة العسكريّة قريبًا "

وهكذا أعلنَ الرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان بَدء عمليّة نبع السلام في 7 تشرين الأول 2019  بهدف إنشاء منطقة آمنة .

تلك الأيام عشناها على الحدور مقابل تل أبيض نعد الدقائق و ننتظر التحرير و نتابع الوثائق الرسمية التركية التي كانت تشير إلى:

أطلقت الجمهوريّة التركيّة عمليّة نبع السلام العسكريّة شمال شرق سورية   بهدف إنشاء منطقة آمنة تمتد من نهر الفرات غرباً (حيث مدينة جرابلس) حتى المالكية في أقصى شمال شرقي سوريا عند مثلث الحدود التركية العراقية، بعمق يتراوح بين 30 إلى 40 كيلومترا، وعلى امتداد يقدر بنحو 460 كيلومتراً. 
وزير الخارجيّة التركي: تجري العملية وفق القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن بشأن مكافحة الإرهاب.
وزارة الدفاع التركية قالت: إنّ هدف العملية ضمان أمن الحدود التركية ومنع إنشاء ممر إرهابي جنوبها، إضافة إلى توفير الظروف اللازمة لإنشاء منطقة آمنة فيها بهدف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم .                     

وسائل الإعلام يتصدرها خبر لقاء نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بالرئيس التركي في زيارة طارئة تحمل الكثير من الدلالات ... أُعلن في نهايتها عن اتفاق الطرفين على وقف إطلاق النار ومنح 120 PYD ساعة لسحب قواتها إلى ما بعد 30 كيلومتراً في المنطقة ما بين رأس العين وتل أبيض، أي بطول 120 كيلومترًا على امتداد الحدود التركية السوريّة، واعتبارها منطقة آمنة تسيطر عليها تركيا، بين بلدتي تل أبيض ورأس العين. 

قبيل ساعات من انتهاء الهدنة، تمّ التوصّل إلى اتفاق ثانٍ لوقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا، حيث التقى في 22 تشرين الأول 2019 الرئيس التركي بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي في اجتماع مطوّل ثم أعلن الرئيس التركي إثر ذلك عن اتفاقهما على انسحاب قوات PYD عن الحدود لمسافة 30 كم خلال 150 ساعة ، كما سيتم وفق الاتفاق إخراج عناصر PYD من تل رفعت ومنبج وعين العرب ، إضافة إلى تسيير دوريات تركية–روسية مشتركة .

مناورات الخداع جاءت باتفاق النظام و PYD برعاية روسية على دخول قواته إلى عدة أماكن استراتيجية تطالب بها تركية في المنطقة الآمنة، مثل منبج والمالكية وتل تمر وعين العرب وعين عيسى .

الولايات المتحدة الأميركية والتحالف الدولي والروس لم يلتزموا بالاتفاقات الموقعة لا من حيث المنطقة الآمنة التي تقتضي إبعاد ال PYD  إلى عمق 30 كم وكذلك الوضع العام الكارثي في شرق الفرات حيث يتسلط على رقاب الأكثرية العربية الساحقة في كل من الرقة ودير الزور و منبج وتل أبيض ورأس العين عصابة ارهابية لا تنتمي لا إلى المنطقة ولا إلى سكانها ولا الى اخوتنا الكرد.

العملية العسكرية المنتظرة التي سيطلقها الجيش الوطني مدعوماً من القوات المسلحة التركية تأتي لاستكمال عملية نبع السلام وإنشاء ممر السلام الذي سيفتح ذراعيه لاستقبال السوريين وتسهيل عودتهم الكريمة الى وطنهم وديارهم .

المناطق المحررة  يقطنها السوريون الأحرار ، لا مكان فيها للأسد وظلمه وشبيحته ، لا مكان للإرهاب والإرهابيين بكل ألوانه ...والمناطق المحررة هي بقعة الضوء التي ستنتشر إلى كامل الجغرافية السورية وسيتوج الشعب السوري بتاج الحرية في دمشق .إضافة إلى تسيير دوريات تركية–روسية مشتركة .

مناورات الخداع جاءت باتفاق النظام و PYD برعاية روسية على دخول قواته إلى عدة أماكن استراتيجية تطالب بها تركية في المنطقة الآمنة، مثل منبج والمالكية وتل تمر وعين العرب وعين عيسى .

العملية العسكرية المنتظرة التي سيطلقها الجيش الوطني مدعوماً من القوات المسلحة التركية تأتي لاستكمال عملية نبع السلام وانشاء ممر السلام الذي سيفتح ذراعيه لاستقبال السوريين وتسهيل عودتهم الكريمة الى وطنهم وديارهم .

المناطق المحررة  يقطنها السوريون الأحرار ، لا مكان فيها للأسد وظلمه وشبيحته ، لا مكان للإرهاب والإرهابيين بكل ألوانه ... والمناطق المحررة هي بقعة الضوء التي ستنتشر إلى كامل الجغرافية السورية وسيتوج الشعب السوري بتاج الحرية في دمشق .

عن الكاتب

د. محمد وجيه جمعة

سياسي سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس