أحمد البرعي - خاص ترك برس

كان يظن الجميع أن هذه الانتخابا ت البرلمانية التركية والتي ستظهر نتائجها بعد ساعات من الآن ستكون عبارة عن مباراة بفريق واحد هو حزب العدالة والتنمية الحاكم بمعنى أن النتيجة محسومة وأن الحزب سيكتسح الصناديق كعادته في الانتخابات السابقة، ولكن المفاجأة كانت أن حزب العدالة والتنمية بدأ يشعر بالخطر المحدق به بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الجمهورية التركية الحديثة إذ اجتمعت كل القوى اليسارية والأتاتوركية والقومية واللوبي المالي ولوبي الدولة الموازية "جماعة فتح الله غولن" كل هؤلاء اجتمعوا على ضرورة إفشال حزب العدالة والتنمية مهما كانت النتائج ومهما تنازلت هذه الأطراف عن مبادئها، إن وجدت، ما يدفع البعض للحيرة والاستهجان.

كيف لحزب الحركة القومية "التركي النزعة" أن يدعم حزب الشعوب الديمقراطي "الكردي النزعة" الذي لا يمكن أن ترى علماً للجمهورية التركية يرفرف بين مؤديه في مهرجاناته الانتخابية فهو حزب انفصالي يسعى للانفصال عن الجمهورية التركية ، ومع ذلك لا ينكر حزب الحركة القومية دعمه الصريح له في أن يجتاز نسبة الحسم الانتخابي 10% لكي يتمكن من دخول البرلمان التركي المقبل، بل إنه وفي إحدى مهرجاناته الانتخابية في "كهرمان مراش" استقبل الحزب بين جمهوره "سنان داشكن" وهو مرشح حزب الشعوب الديمقراطي الكردي عن ولاية قيصري وطالب جماهره بدعمه والتصويت له مقابل منافسه من حزب العدالة والتنمية، ويبقى السؤال، كيف تتماهى هذه الأيدولوجيات وتختفي عند هؤلاء المبادئ والشعارات بهذه السهولة وما السبب؟؟!!

في وجه هذه التحالفات والاصطفافات المفضوحة لم يستطع الرئيس التركي، الطيب أردوغان، أن يبقى صامتاً بل نزل بكل ثقله داعماً بشكل متحدٍ واضح لحزب الذي أسسه وفاز به استحقاقين انتخابيين سابقين، حزب العدالة والتنمية. وهذا، من وجه نظر المعارضة التركية، انتهاك  فج للدستور التركي الذي ينص على التزام رئيس الجمهورية الحيادية والوقوف مسافة واحدة من جميع الأحزاب والقوى السياسية في الساحة التركية، ولكن الرئيس التركي يرد على هذا الادعاء بالقول "نعم إنني أقف على مسافة واحدة من جميع الأحزاب السياسية، وأتعامل بحيادية تامة، مع العلم أن في قلبي حزب واحد وهذا من أحق حقوقي، ومع ذلك وعندما يلزم الأمر فإني لن أقف على الحياد ولكني سأقف دائماً مع الشعب وبين صفوفه." ويضيف "إني إن شعرت أن هناك ما يهدد أمن وسلامة ورفاهية هذا الشعب فإني سأنزل إلى الميادين التي أتيت منها ولن أكون رئيساً تقليداً يستقبل الوفود ويترأس المراسيم ولكني سأشارك الشعب رأيي وأفكاري وهذا أيضاً من حقي ولا ينكره علي الدستور".

توجه هذه المعارضة التهم وتهاجم رئيس الجمهورية بل وذهب حزب حركة الشعوب للمطالبة بانتخابات برلمانية مبكره في حال فشل حزب الشعوب الديمقراطي في تجاوز نسبة الحسم الانتخابي، وهو ما استهجنه أردوغان ورد عليه مذكرا هذا الحزب أنه كان قد فشل في انتخابات 2002، وهي الانتخابات التي أتت بأردوغان رئيساً للوزراء،  وعاقبه الشعب على فساده وفشله في إدارة شئون البلاد ولم يستطع وقتئدٍ هذا الحزب أن يتجاوز هذه النسبة ولكنه مع ذلك لم يطالب بانتخابات مبكرة فلماذا الآن يطالب بهذه الانتخابات المبكرة مستبقاً النتائج ومهدداً ومتوعداً, يضيف أردوغان "ما سر هذا العشق والحب؟ هل أصبحتم أخوة؟

تنسى المعارضة أو تتناسى أنها هي من تقف في وجه المصالحة الوطنية مع الأكراد وهي من تعيق التقدم في هذا الملف، ثم هي الآن تنقلب على عقبها وتدعم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، نكاية ومناكفة في حزب العدالة والتنمية، ما يشير إلى عدة أمور، إما أنهم يتلقون أوامر من جهة ما، كما يتهمهم رئيس الوزراء داوود أغلو، أو هو العمى السياسي والكره الأيدولوجي الأعمى الذي يدفعهم للتنازل عن كل شعاراتهم وكرهاً في حزب العدالة والتنمية، أو هو الشعور بالخطر الوجودي الذي يهدد هذه الكيانات مجتمعة إن نجح العدالة والتنمية في الوصول إلى تحقيق أهدافه بالفوز بعدد 370 عضو لتعديل الدستور وتشكيل حكومة من حزب واحد وليس حكومة ائتلاف، وكذا إن نجح أيضاً في التحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.

ولذلك تسعى هذه الأحزاب للوقيعة بين رئاسة الجمهورية متمثلة بالطيب أردوغان ورئاسة الوزراء بشخص أحمد داوود أغلو بحث الأخير "تهكماً وسخرية" على التصويت للمعارضة إذ إن فوز حزب العدالة والتنمية يعني التحول إلى النظام الرئاسي وتغول سلطات أردوغان ما يعني بالضورة، من وجهة نظر المعارضة، تحجيم بل وتقزيم دور الحكومة ورئيسها وهو يراه بعض المراقين واقع لا تنكره العين، فداوود أغلو في خطاباته لا يحرص على تأكيد رغبته وحزبه بتبني النظام الرئاسة كبديل للنظام البرلماني بالقدر الذي يحرص عليه رئيس الجمهورية وأركان الدولة المقربين له كنائب رئيس الوزراء نعمان كورتولوموش مثلاً.

كما أن المعارضة تذكر داوود أغلو أن الفوز بالانتخابات سينسب لأردوغان والفشل سيلحق به هو. وفي النهاية تبقى شخصية الطيب أردوغان محورية أينما حل وأينما ارتحل فهو يأبى أن يكون تقليدياً ومهمشاً ولعل هذا هو عنصر السحر في شخصه وتبقى أيضاً بضع سويعات وينكشف الستار عن نتائج واحدة من أقوى الانتخابات التركية وأشرسها ما سيحدد مصير تركيا وكثير من قضايا المنطقة في الأشهر القليلة القادمة إذ إن نتائج هذه الانتخابات ستؤثر طردا، إيجاباً أو سلباً على معظم دول الجوار التركي.

عن الكاتب

د.أحمد البرعي

باحث ومحاضر في قسم الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة أيدن


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس