ترك برس

أعلنت تركيا قبل أيام حجب موقع "دويتشه فيله" الألمانية، في خطوة أثارت انتقادات ضد الحكومة، تزامناً مع تساؤلات حول دوافع القرار.

وبرر المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون، الجهة المسؤولة عن مراقبة الإعلام في تركيا، القرار بأن الصحيفة الألمانية لم تحصل على التراخيص اللازمة، إلا أن مراقبين أشاروا إلى وجود أسباب ودوافع أخرى للقرار التركي.

وفي هذا السياق، نشر موقع "TRT عربي" مقالاً لـ يوسف أوزقير، عضو الهيئة التدريسية في كلية الإعلام بجامعة إسطنبول ميديبول التركية، بعنوان "موقع "دويتشه فيله" الألماني.. ازدواجية المعايير والهجوم على تركيا!"

وقال الكاتب إنه "من الممكن مصادفة اسم دويتشه فيله بالتركية، في وسائل الإعلام المختلفة، خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي. وغالباً ما يتفاعل مستخدمو تويتر من خلال مشاركة بعض المحتوى الذي يقدمه موقع دويتشه فيله بالتركية، منتقدين ذلك المحتوى، نظراً إلى تحيُّز الموقع المذكور ضدّ تركيا بصورة تفوق انحياز شبكة دويتشه فيله الألمانية التي يتبع لها."

وأضاف أنه عند التفكير في قضية أي كيان يمثل موقع "دويتشه فيله" بالتركية؟ فإن ذلك يتم عادةً عن طريق إقامة علاقة بين الدولة الألمانية وشبكة "دويتشه فيله" الألمانية. وخلفية هذا، هي أن شبكة "دويتشه فيله" تُعَدّ الإذاعة الرسمية للدولة الألمانية وأن لديها القدرة على البث في دول مختلفة وبلغة تلك الدول بدعم من ألمانيا. ولا شك أن أولئك الذين هم أكثر دراية بالقضية يعتمدون في هذه المقاربة على هوية شبكة "دويتشه فيله" وخلفيتها التاريخية.

لذلك، عندما يقوم موقع "دويتشه فيله" بالتركية، ببث أي محتوى، فإن المواطن المتابع يربط ذلك البث بألمانيا مباشرة. من الممكن أن يعترض المديرون التنفيذيون في شبكة "دويتشه فيله" الألمانية على هذه المقاربة، موضحين أنه لا توجد علاقة بين سياسات البث العامة للشبكة والدولة الألمانية، حتى إنهم قد يؤكدون أنهم مؤسسة إعلامية مستقلة منعزلة عن جميع مراكز القوة، وأنهم يكسبون رأسمالهم من الصحافة، وأنهم أسسوا خدمات صحفية في بلدان مختلفة بفضل الدخل الذي يحصلون عليه من الصحافة.

وقد يكون لديهم الحق في مثل هذه المقاربة. ولكن في نهاية اليوم، الجمهور وحده من يقرر المقاربة الصحيحة، ويضع شبكة "دويتشه فيله" في قالب معين وفقاً لما يرتئيه. ومع ذلك، ثمة وضع حقيقي واضح لدى المجتمع التركي في الوقت الحالي. ووفقاً لذلك الوضع، فإن الموقع الإخباري "دويتشه فيله" بالتركية، يُعرَف بأنه الإذاعة الرسمية لألمانيا في نظر المجتمع، وعندما يتم نشر محتوى على هذه الموقع، يتم إنشاء علاقة تلقائياً بين هذا المحتوى والسياسة الخارجية الألمانية. وإذا كانت هذه المقاربة لا تعكس الحقيقة وفقاً للمسؤولين التنفيذيين في شبكة "دويتشه فيله"، وأنها مجرد مقاربة، فإن مهمة تصحيح تلك المقاربة متروكة لهم.

وفيما يلي النص الكامل للمقال:

الأخبار مزدوجة المعايير

واحدة من أكثر النقاط اللافتة للنظر في الأخبار التي يقدمها موقع "دويتشه فيله" بالتركية، هي ازدواجية المعايير، إذ يتبنّى الموقع مقاربة إيجابية تجاه الأحداث التي تجري في ألمانيا أو في أي بلد آخر، ولكن عندما يتعلق الأمر بتركيا، فإن المقاربة تصبح سلبية.

فعلى سبيل المثال، عندما تم إدراج مشروع القانون الخاص بمنشورات شركات وسائل التواصل الاجتماعي على جدول الأعمال في تركيا، تم نشر خبر إيجابي عن نفس مشروع القانون في ألمانيا. وبتسليط الضوء على العبارات المستخدَمة في صدر الخبر ذي الصلة والمنشور في 30 يونيو/حزيران 2017، على هذا النحو: "وافق البرلمان الألماني على قانون يفرض مسؤوليات أكثر صرامة على مواقع التواصل الاجتماعي في مكافحة المنشورات التي تحضّ على الكراهية. والآن، يتعين على منصتَي التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر" مكافحة الكراهية بشكل أكثر صرامة"، نجد أن الموقع الإخباري المذكور يستخدم لغة إيجابية، ويحدّد محتوى الخبر في هذا الإطار الإيجابي.

ومن اللافت للنظر أن في الخبر المنشور في الموقع الإخباري ذاته توجهاً مختلفاً حول مشروع قانون مماثل تم إعداده في تركيا، إذ نجد أن الموقع ركز على إظهار البعد السلبي لمشروع القانون مستخدماً عبارة "آلاف الأشخاص سيتعرضون للمحاكمة" في عنوان الخبر الذي نشره في 18 يونيو/حزيران 2022 الماضي، فضلاً عن دعم العنوان بالعبارات التي تم تفضيلها في مقدمة الخبر مثل: "حذر خبير القانون السيبراني يمان أكدنيز، من أنه (سيتم تقديم آلاف الأشخاص إلى العدالة) بسبب جريمة "النشر العلني لمعلومات مضللة" في مشروع القانون الذي تم إعداده بتركيا، وذلك في التقييم الذي أجراه للموقع الإخباري (دويتشه فيله) بالتركية حول (قانون مكافحة المعلومات المضللة)".

ومحتوى مكثف آخر نشره موقع "دويتشه فيله" بالتركية على "تويتر" يدعم نفس التحيز في جميع أقسام الأخبار، إذ لم يتم تضمين الخبر المنشور آراء الحقوقيين المؤيدين لمشروع القانون ذي الصلة، وتم تجاهل وجهة النظر التي تطالب بإصداره. وبالإضافة إلى ذلك، تم تضمين محتوى الخبر، بالصور ومقاطع الفيديو المستخدمة في ترويج "تويتر" كعنصر داعم للمحتوى. وركزت إحدى العبارتين المستخدَمتين في مقدمة الخبر، على أن "مشروع القانون المعروف باسم (قانون مكافحة المعلومات المضللة) عبارة عن تحضير للانتخابات وفقاً لخبير القانون السيبراني"، فيما تم تصدير العبارة الأخرى التي تتطرق إلى السياسة الداخلية التركية بشكل مباشر إذ تقول: "مع اقتراب انتخابات عام 2023، سيتعرض مئات بل آلاف الأشخاص للتحقيق أو المحاكمة بسبب تصنيف الجريمة الجديد هذا". وفي خبر آخر نُشر في 2 يوليو/تموز 2020، نشر الموقع المذكور خبراً مشابهاً بعنوان "حرية الإنترنت في تركيا في قبضة مشروع القانون".

يبدو أن العبارات الواردة في لقطة الشاشة هذه، والتي تمت مشاركتها من حساب موقع "دويتشه فيله" بالتركية، على منصة "تويتر" والمضمنة في الخبر، قد تم اختيارها للترويج للقضية بطريقة أكثر إثارة. ومع ذلك، فكون العبارة الواردة في العنوان تمثل رأي محامٍ، فإن ذلك لا يستبعد الموقع الإخباري عند تحليلها في نطاق تحليل الخطاب.

وجدير بالذكر أن المواقف المتمثلة في المحتوى الذي سيتم عرضه في الصحافة هي بمثابة انعكاس لسياسة التحرير العامة، ويتم صياغة المحتوى وفقاً لذلك. لذا، كما رأينا هنا، فإن موقع "دويتشه فيله" بالتركية، يتبنى مقاربة إيجابية تجاه مشروع القانون الخاص بوسائل التواصل الاجتماعي لألمانيا ومقاربة سلبية تجاه نفس مشروع القانون الصادر بتركيا. وتُعرَف هذه المقاربة، التي يتابعها المستخدمون بعناية في وسائل التواصل الاجتماعي في تركيا، بأنها مزدوجة المعايير. ويتم تقييم المحتوى المُقدَّم على أنه ذو صلة بالسياسة الخارجية الألمانية نظراً إلى نشره على الموقع الإخباري المذكور.

مخالف للصداقة التركية-الألمانية

يحتل موضوع "العاملات بالجنس/البغايا" مكانة في صميم محتوى آخر يتلقى ردود فعل شديدة على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد عرض موقع "دويتشه فيله" بالتركية، الخبر الذي سبق أن تم بثه للمرة الأولى على قناة "+90" على منصة يوتيوب والمعنوَن "أن تكوني عاملة جنس" و"ياسمين عاملة جنس وتحب عملها".

وعندما ننظر إلى محتوى الخبر، نجد تركيزاً على المحتوى الذي يفيد بأن النساء المشتغلات بالجنس والبغاء في تركيا يكسبن أموالاً طائلة ويعشن حياة جيدة. وبالنظر مجدداً إلى محتوى الخبر، يمكن ملاحظة تشجيع على ممارسة هذا العمل.

وبعد أن تم نشر نفس الخبر من قِبل موقع "دويتشه فيله" بالتركية، كانت مشاركات من قِبل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي تُظهِر أن "دويتشه فيله" ينظر إلى هذه القضية بشكل إيجابي بالنسبة إلى تركيا وبشكل سلبي بالنسبة إلى ألمانيا. وفي أحد هذه الأمثلة المؤرخة في 22 يونيو/حزيران 2018، سلّط الموقع الضوء في صدر الخبر ذي الصلة على أن البغايا يتعرضن للضرب وبالكاد يدفعن إيجارهن في ألمانيا. أي إنه تم تضمين الخبر مقاربة سلبية، كما تم استخدام صورة مهينة في صورة الخبر. وتجدر الإشارة إلى أن قناة "+90" على منصة يوتيوب قد تم إنشاؤها في عام 2019 بشكل مشترك من قبل 4 مجموعات إعلامية مقرها في ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، لتبث المحتوى باللغة التركية، وأن شبكة "دويتشه فيله" هي مركز المنظمة.

في النهاية، من الممكن الاستشهاد بأمثلة أخرى لمثل هذه المعايير المزدوجة. وبسبب المحتوى الذي يقدمه موقع "دويتشه فيله" بالتركية، في هذا السياق، وتحيزه الواضح في الصحافة، يتعرض الموقع لانتقادات من قبل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في تركيا.

ونتيجة للربط التلقائي بين موقع "دويتشه فيله" بالتركية وألمانيا، تبرز علامة استفهام في أذهان المواطنين الأتراك بسبب مثل هذه الأخبار، خصوصاً في ما يتعلق بالسياسة الخارجية الألمانية تجاه تركيا. ربما لا تعرف ألمانيا شيئا عن كل هذه المحتويات والمقاربات، لأن الصداقة والتقارب بين تركيا وألمانيا لهما علاقات عميقة الجذور وصداقة وطيدة بدءاً من السلطان عبد الحميد الثاني إلى أتاتورك ومن هناك إلى وقتنا الحاضر. ونظراً إلى أن العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يعرفون الديناميكيات التاريخية للصداقة الوطيدة بين تركيا وألمانيا، فإنهم لا يستطيعون فهم مثل هذا المحتوى القائم على المعايير المزدوجة ضد تركيا. وبالعودة إلى عنوان المقالة، يبدو أن السؤال المطروح حول مَن يمثل موقع "دويتشه فيله" بالتركية حقاً، ولصالح من يُنتج هذا المحتوى، من المحتمل أن يتم الحديث عنه أكثر في الفترة المقبلة.

وجدير بالذكر أن موقع الإخباري "دويتشه فيله" بالتركية، طُرح على جدول أعمال الجمهور في تركيا ليس فقط بسبب هذه الأخبار المتحيزة، ولكن لأنه أيضاً لم يأخذ في الاعتبار مشروع القانون الذي يحدّد مبادئ النشر للمؤسسات ذات الصلة في تركيا. وفي هذا السياق أعلن القضاء التركي في 30 يونيو/حزيران الماضي، قراراً بتعليق الوصول إلى خدمات موقع "دويتشه فيله" بالتركية، وذلك لأن المجلس الأعلى للإذاعة والتليفزيون في تركيا "RTUK" أعلن في فبراير/شباط الماضي أن المواقع الإخبارية الدولية التي تُبَثّ باللغة التركية ستخضع للتدقيق والمراقبة. وقد منح المجلس المواقع الإخبارية "صوت أمريكا" و"دويتشه فيله" بالتركية و"يورونيوز"، 72 ساعة للحصول على الترخيص اللازم للبثّ، وقال إن المواقع الإخبارية التي لن تتقدم للحصول على الترخيص اللازم سيتم منع الوصول إليها. وقد صدر الحكم القضائي في 30 يونيو/حزيران الماضي، لأن هذه المواقع لم تمتثل لهذا القرار على وجه التحديد.

ويمثل عدم امتثال موقع "دويتشه فيله" بالتركية، لمشروع القانون الذي يحدّد مبادئ البثّ في تركيا، لغزاً كبيراً.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!