علي حسين باكير - عربي 21

مازال من المبكر جدا أن ندرس بشكل دقيق مدى تأثير نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت قبل يومين على السياسة الخارجية التركية، لأن ذلك سيعتمد بالأساس على نوع وشكل الحكومة التي سيتم تأليفها، هل ستكون حكومة أقلية؟ هل ستكون حكومة ائتلافية؟ هل ستجري انتخابات مبكرة؟ إذا كانت الحكومة ائتلافية فمن هي الأحزاب التي ستشارك فيها؟ هذه أسئلة لا نملك الآن إجابة جاهزة عنها، ولكل منها بالتأكيد تاثير بدرجة معينة على وضع السياسة الخارجية للبلاد، وبالتالي لا يمكننا أن نبني تصورا واضحا ودقيقا عن مدى حجم أو شكل التغيير الذي قد يطرأ على السياسة الخارجية التركية في أي من الحالات قبل أن تضيق دائرة الاحتمالات أكثر. لكن في المقابل، ما نعلمه بالتأكيد هو أن حزب العدالة والتنمية يمتلك العدد الأكبر من المقاعد في البرلمان، وهذا يعني أنه سيكّلف بتشكيل الحكومة، وأن أردوغان لا يزال رئيسا للجمهورية. 

هذه المعطيات تعني أن رئيس الجمهورية وحزب العدالة والتنمية سيظلان جزء أساسيا من عملية صياغة ومتابعة السياسة الخارجية للبلاد، وهذا يوصلنا إلى استنتاج مفاده أنه لن يكون هناك تغيير جذري في السياسة الخارجية خاصة في المواضيع الكبرى ذات الأهمية حيث لن يتغير الموقف، فمثل هذه الأمور تحتاج عادة إلى وقت ومراجعة دقيقة وتقديم بديل للمواقف المتخذة إزاء قضايا إقليمية أو دولية كبرى، ولكن من المتوقع أن تخف حدة بعض المواقف، وأن يتم تأجيل بعض المشاريع والمبادرات الخارجية، وذلك لأسباب وجيهة أهمها أنه وبغض النظر عن شكل ونوع الحكومة التي ستأتي فهي ستكون أضعف من أي حكومة قد شكلها حزب العدالة والتنمية سابقا لاسيما في السنوات الثماني الأخيرة، وأن حزب العدالة لن يكون مرتاحا في اتخاذ قراراته في أي من المواضيع الحساسة على الصعيد الخارجي كما كان عليه الوضع من قبل، كما أن الاهتمام بالشأن الخارجي سيتراجع بالتأكيد في ظل أولوية داخلية.

في سيناريو حكومة أقلية يمثلها حزب العدالة والتنمية، سيكون من الصعب اتخاذ قرارات في قضايا كبرى أو حساسة في السياسة الخارجية، لأنه سيكون على مثل هذه الحكومة الرجوع للبرلمان في قراراتها الهامة للحصول على أغلبية علما أن أصوات الحزب التي جعلتها حكومة أقلية ليست مضمونة على طول الخط، وإنما يتم احتساب كل حالة بحالتها في حينه.

في سيناريو حكومة إئتلافية سيكون الأمر ربما أسهل من السيناريو السابق لكنه لن يكون سهلا مقارنة بالحكومات التي شكلها حزب العدالة والتنمية منفردا طوال العقد ونيف الأخير. 

مدى وحجم التعديل أو التغيير أو التجميد سيعتمد في هذه الحالة على نوع الشريك الائتلافي وعلى المواضيع التي سيتم الاتفاق عليها أو المساومة بشأنها. 

إذا ما نظرنا إلى القضايا الأساسية المتعلقة بالسياسة الخارجية التي وردت في البرامج الانتخابية للأحزاب المختلفة المتأهلة للبرلمان، سنجد على سبيل المثال أن الموقف من بعض القضايا هو كما يلي :

1) العلاقة مع الولايات المتحدة: لا يوجد إختلاف جذري بين حزب العدالة والتنمية وبين حزب الشعب الجمهوري وبين حزب الحركة القومية. 

كل هذه الأحزاب تدعو إلى علاقات جيدة على أساس الندية والاحترام المتبادل والمصالح، لكن هذه النقطة لم تكن واضحة بالنسبة لحزب الشعوب الديقراطية الكردي.

2) في السعي للإنضمام إلى الاتحاد الأوروبي: لا يوجد خلاف حول أهمية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بين حزب العدالة والتنمية وبين حزب الشعب الجمهوري وبين حزب الحركة القومية. 

أما بالنسبة إلى حزب الشعوب الديمقراطية الكردي فهو يتحدث عن احترام المبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان والحكم المحلي وحكم القانون دون الإشارة إلى الموقف من موضوع الإنضمام بالتحديد.

3) القضية القبرصية:  بينما يدعو حزب العدالة إلى دعم المفاوضات برعاية الأمم المتحدة لتوحيد الجزيرة، يوافق حزب الشعب الجمهوري على نفس الأمر لكنه يدعو إلى الضغط تجاه الاعتراف باستقلال شمال قبرص إذا فشلت المفاوضات. 

أما حزب الحركة القومية فإنه يرى أن الحل يكمن في شراكة بين أمتين أو دولتين أو يرفض أن تكون القضية شرطا لدخول تركيا للاتحاد الأوروبي. 

أما موقف حزب الشعوب الديمقراطية فهو مطابق لموقف حزب العدالة تقريبا.

4) في القضايا الأساسية للشرق الأوسط: تكاد تكون الأحزاب الثلاثة معارضة في مواقفها لتوجهات حزب العدالة والتنمية الأساسية في الشرق الأوسط بدرجات متفاوتة. 

التناقض كبير  وملحوظ خاصة بين حزب العدالة، وحزب الشعب الجمهوري سواء في سوريا أو مصر أو  في العراق وغيرها من الملفات.

عموما، حتى في حالة الحكومات الائتلافية فإن مدى التغير سيعتمد كما ذكرنا على هوية الحليف الحكومي، ولكن لن يكون في المحصلة تغييرا جذريا بسبب بقاء حزب العدالة والتنمية في المعادلة إلى جانب رئيس الجمهورية. أما في سيناريو الإنتخابات المبكرة، فالتأثير سيكون أيضا مغايرا لناحية التوقيت، بمعنى أن انتخابات حكومية في غضون ستة أشهر أو سنة لن تغير كثيرا من المشهد، ولكنها بالضرورة ستعني تعليق القضايا الهامة بانتظار اتمام الاستحقاق الداخلي، وهذا يعني أن المشاريع الكبرى خارجيا ستعلق أو سيم إبطاؤها.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس