ترك برس-الأناضول

دخلت اللجنة الدستورية السورية في نفق مظلم مع تأجيل انعقاد جولتها التاسعة في مدينة جنيف السويسرية، وهو وضع بات معه مصيرها مجهولا، ويتطلب بحسب عضوين فيها تدخل الأمم المتحدة والدول الضامنة (تركيا وإيران وروسيا).

في 16 يوليو/ تموز الماضي، أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، أن الجولة التاسعة المقرر انعقادها بين 25 و29 من ذلك الشهر لن تُعقد، في ظل اتهام النظام السوري لسويسرا بعدم الحيادية.

وبعد يومين، ردت الأمم المتحدة على النظام السوري بتأكيد حيادية سويسرا باعتبارها منبرا للكثير من العمل الدبلوماسي الذي تقوم به المنظمة الدولية، وذلك على لسان فرحان حق نائب المتحدث باسم الأمين العام للمنظمة الدولية.

وجاء كلام حق، ردا على إعلان نظام بشار الأسد أن سويسرا، التي تستضيف اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، لم تعد محايدة بسبب دعمها العقوبات الأوروبية على روسيا (حليفة النظام).

ومنذ 24 فبراير/ شباط الماضي، تشن روسيا هجوما عسكريا في جارتها أوكرانيا، ما دفع عواصم عديدة إلى فرض عقوبات اقتصادية ومالية ودبلوماسية على موسكو.

** إلى أجل غير مسمى

عن تأجيل الجولة التاسعة، قال عضو اللجنة الدستورية السورية المحامي طارق الكردي، للأناضول: "كما هو معلوم أن بيدرسون أعلم الرئيسين المشتركين للجنة في رسالتين متطابقتين تأجيل انعقاد الجولة التاسعة إلى موعد لم يتم تحديده إلى الآن".

وتابع: "وكذلك أبلغ المبعوث الدولي مجلس الأمن، في إحاطته الشهرية وجلسة مغلقة، بهذا القرار وعلى الأكيد شرح ووضح بعيدا عن الإعلام أسباب هذا التأجيل أو الإلغاء".

ولفت الكردي إلى أن "السبب المعلن هو أن الرئيس المشترك المسمى من قبل النظام أبلغ المبعوث الدولي أن وفده لن يذهب إلى جنيف لحضور اجتماعات الجولة التاسعة حتى يتم تلبية طلبات دولة الاتحاد الروسي".

وأردف: "من المعروف أن حجم الاشتباك السياسي بين روسيا والغرب كبير ومتصاعد، والطرفان في حالة حرب حقيقية، وإن كانت تجري في الميدان على الأرض الأوكرانية وفي السياسة بعدة ملفات وبؤر صراع".

** تصفية حسابات

وأكد الكردي أنه "من غير المقبول أن يستمر نظام الأسد في جعل سوريا ساحة لتصفية حسابات الدول فيما بينها، وأن يزج بالبلاد وشعبها في أتون صراع دولي لا ناقة له فيها ولا جمل.. واضعًا مصلحة الدول الخارجية أولوية وضاربًا بعرض الحائط مصلحة الشعب السوري ومعاناته وآلامه".

وأضاف: "من جهتنا (المعارضة) نحن متمسكون بمرجعية الأمم المتحدة لحل القضية السورية، وتنفيذ كل القرارات الدولية ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار 2254 ببنوده كافة، وتحقيق الانتقال السياسي الديمقراطي".

والقرار الدولي 2254 صدر في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015، ويطالب جميع الأطراف بالتوقف عن شن هجمات ضد أهداف مدنية، ويطلب من الأمم المتحدة أن تجمع بين الطرفين للدخول في مفاوضات رسمية، وإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة، بهدف إجراء تحول سياسي.

وتابع الكردي: "نضع المصلحة الوطنية السورية ومصلحة الشعب السوري في مقدمة أولويات عملنا، وهي البوصلة التي تحكم عملنا وقراراتنا".

وعن مستقبل عمل اللجنة الدستورية، أعرب الكردي عن اعتقاده بأنه "لكسر الجمود في العملية السياسية واللجنة الدستورية خاصةً، على الأمم المتحدة أن تأخذ المبادرة وأن تتخذ مواقف صارمة من الطرف الذي يعطل العملية السياسية ليس الآن فحسب بل منذ انطلاقتها".

وأردف: "على الأمم المتحدة ألا تكتفي بالمناشدات والتمنيات، بل يجب أن تولد الأفكار وتجد الحلول، لأنه يكفي الشعب السوري هذه السنوات الطويلة من المعاناة والتشرد وفقدان الأمل".

وفي مارس/ آذار 2011، اندلت في سوريا احتجاجات شعبية مناهضة لرئيس النظام بشار الأسد طالبت بتداول سلمي للسلطة، لكنه اختار قمعها عسكريا ما زج بالبلاد في حرب مدمرة.

** إفشال العملية السياسية

بدوره، قال عضو اللجنة الدستورية محمد أحمد إن "النظام اعتذر عن عدم المشاركة بسبب عدم تلبية طلبات الجانب الروسي، وتم إعلام الرئيس المشترك للجنة هادي البحرة بتأجيل الاجتماع، ولم يتم تحديد موعد جديد للجولة التاسعة حتى الآن".

وأضاف أحمد للأناضول، أن الأسباب المعلنة هي أن روسيا تعتبر سويسرا "دولة غير محايدة" لأنها استنكرت الهجوم على أوكرانيا، "فطالب الاتحاد الروسي بنقل الاجتماعات إلى مدينة غير جنيف واقترح مدنا (أبوظبي أو مسقط أو الجزائر) كبدائل".

واستدرك أن "الأسباب غير المعلنة من هذه التصرفات تعتبر مناورة سياسية من الاتحاد الروسي.. والنظام السوري يعرقل اجتماعات العملية الدستورية منذ بدايتها عام 2019".

واعتبر أحمد أن "الهدف هو إفشال العملية السياسية للأزمة السورية بعد مرور 11 عاما من القتل والتهجير والنزوح".

** حوار وضغط

وعن مستقبل العملية السياسية في سوريا، قال أحمد إن "هدف النظام هو إنهاء العملية السياسية، لأنه يؤمن بالحل العسكري فقط، وأعتقد أنه يمكن تجاوز هذه العراقيل عن طريق الأمم المتحدة والدول الضامنة (تركيا وإيران روسيا)".

وتابع أن ذلك "عن طريق الحوار البناء، والضغط على النظام للانخراط الجدي بالعملية السياسية، وتسريع إنجاز دستور جديد لسوريا يلبي طموحات الشعب بالحرية والكرامة والديمقراطية، وتفعيل باقي السلال المنصوص عليها في القرار 2254".

ويشتمل القرار على أربع سلال هي: الحكم غير الطائفي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.

وأكد أحمد ضرورة تشكيل "حكومة انتقالية، وتأمين بيئة آمنة وتنظيم انتخابات حرة بإشراف الأمم المتحدة".

وأعرب عن اعتقاه بأنه "إذا لم يكن هناك ضغط حقيقي من الدول الضامنة وأمريكا والدول الغربية على النظام، فإن مسار اللجنة الدستورية ذاهب نحو الفشل".

وختم بالقول "أعتقد أن الوضع السياسي الحالي الإقليمي والدولي غير مستقر، وهذا يعطي للنظام السوري الفرصة أكثر للهروب من العملية السياسية".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!