ترك برس

تتجه أنظار العالم هذه الأيام إلى تركيا مجدداً والدور الذي ستتبناه حول اتفاقية شحن الحبوب عبر البحر الأسود، والذي أوشك على الانتهاء، وسط توقعات أن تساهم أنقرة في تمديده إن نجحت في إقناع روسيا وأوكرانيا.

وتسود مخاوف من أن يؤدي عدم تمديد الاتفاقية إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم في ضوء نقص إمدادات القمح والأسمدة المحتمل.

وقد أشرف على تنفيذ الاتفاق منذ التوصل إليه مركز التنسيق المشترك الذي تقوده تركيا ومقره إسطنبول، بدعم من الأمم المتحدة، مما ساعد أوكرانيا على تصدير ما يقرب من 23 مليون طن من الحبوب وغيرها من المنتجات الغذائية إلى الأسواق العالمية، بحسب تقرير لـ "TRT عربي."

إلا أن الكرملين يعتقد أن الاتفاق لم يفيد روسيا كثيراً لأن موسكو لم تستطع بيع معظم سلعها الزراعية بسبب العقوبات الغربية. ولذلك فإن روسيا تطالب الآن "بالوصول دون معوقات إلى الأسواق العالمية" قبل الموافقة على تمديد الاتفاق مجدداً.

ورغم المخاوف التي تنتاب المراقبين بشأن تجديد الاتفاق فإن يوجين تشوسوفسكي، وهو خبير دفاعي وكبير المحللين في معهد نيو لاينز New Lines Institute، متفائل بشأن تمديد الاتفاق.

"بشكل عام كان اتفاق البحر الأسود للحبوب هو العملية الدبلوماسية الرئيسية الوحيدة التي انخرطت فيها كل من روسيا وأوكرانيا منذ بداية الحرب وأثبتت أنها مرنة للغاية على الرغم من عديد من التحديات والعقبات التي واجهتها، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى وساطة تركيا والأمم المتحدة"، قال تشوسوفسكي لـTRTWorld.

لكن جريجوري سيمونز الأستاذ المشارك في معهد الدراسات الروسية والأوروبية-الآسيوية بجامعة أوبسالا، فلديه رأي آخر.

"إنه أمر غير مؤكد إلى حد كبير ما إذا كان الاتفاق سيستمر لمدة أطول. فنحن نرى أن مستوى الثقة بين الأطراف المتحاربة (بشكل مباشر وغير مباشر) تدنى منذ آخر مرة جرى تمديد الاتفاق فيها"، كما يقول سيمونز.

ومع ذلك يعتقد سايمونز أن "من المرجح أن تكون تركيا مرة أخرى العامل الرئيسي في رؤية الاتفاق وقد جرى تجديده مرة أخرى".

يذكر أن لدى أوكرانيا وروسيا عديد من أوجه التشابه، بدءاً من الدين إلى التاريخ، ومع ذلك فقد انخراطا في حرب وحشية منذ أكثر من عام.

تعتبر الدولتان السلافيتان الأرثوذكسيان أيضاً من أكبر خمس دول مصدرة للحبوب. وفي الأشهر الأولى من الحرب، لم يتمكن البلدان من بيع القمح والمنتجات الزراعية الأخرى في الأسواق العالمية كما اعتادا أن يفعلا قبل الحرب.

في ذروة الصراع تولت تركيا العام الماضي مهمة التوسط بين موسكو وكييف. وبينما كان العالم يعاني نقص الحبوب، وفي اللحظة التي بدت فيها مخاطر المجاعة تلوح في الأفق، أثمرت الوساطة التركية على شكل اتفاق البحر الأسود للحبوب، والذي أمن توريد الحبوب إلى البلدان الأكثر تضرراً، لا سيما في جنوب الكرة الأرضية ومناطق أخرى من خلال تمكين أوكرانيا وروسيا من تصدير منتجاتهما من الحبوب.

روسيا تطالب بتنازلات

وفقاً لسيمونز فإن أوكرانيا مستعدة لتمديد الصفقة دون أي شروط مسبقة، لكن من المرجح أن تجعل روسيا تمديد الاتفاق مرهونًا بمخاوفها الاقتصادية.

وقال سيمونز إنه للموافقة على تجديد الاتفاق، قد تسعى روسيا للحصول على تأكيدات بأنه يتعين على أوكرانيا تسليم مزيد من الإمدادات لإفريقيا بدلاً من إرسال معظمها إلى الأسواق الأوروبية.

وأضاف سيمونز لـTRT World: "وبالتالي قد تجبر روسيا أوكرانيا على الوفاء بتعهدها بتزويد دول الجنوب أيضاً، وهو أمر كانت أوكرانيا تراجعت عنه".

لكن ستيفن بيفر سفير الولايات المتحدة السابق لدى أوكرانيا وزميل كبير غير مقيم في معهد بروكينغز، فيعتقد أن اعتراضات روسيا طويلة الأمد قد تعوق صادرات الحبوب إلى جنوب الكرة الأرضية بعد انتهاء صلاحية الاتفاق.

وأضاف بايفر في معرض حديثه مع TRT World: "يبدو لي أن السؤال المهم هو ما إذا كانت روسيا ستمنع تمديد الاتفاق وتخاطر بأن يُنظر إليها في دول الجنوب على أنها الجهة التي تمنع شحنات الحبوب الأوكرانية".

من جانبه، يقول يسار ساري، الخبير في مركز حيدر علييف للأبحاث الأوراسية بجامعة ابن خلدون: "بينما تريد أوكرانيا تجديد صفقة الحبوب، قد يكون لدى روسيا بعض التحفظات لتمديد الاتفاق".

وحسب تشوسوفسكي نوقشت مخاوف روسيا خلال زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس لأوكرانيا، مما يشير إلى أنه يجري بذل جهود لإيجاد حل لتحفظات موسكو.

"لروسيا مصالحها في السماح بمرور الشحنات من عدمه وهو ما يجب أخذه بعين الاعتبار"، يقول سايمونز، ويضيف: "لأوكرانيا ورعاتها الغربيين مصالحهم وأهدافهم أيضاً، لكن الأمر قد يتطلب تقديم تنازلات كما هو مذكور أعلاه".

على الرغم من تحفظات موسكو على تجديد اتفاق الحبوب، تشير تقارير إعلامية إلى أن عقوبات الغرب لم تستهدف بشكل مباشر القطاع الزراعي الروسي. بدلاً من ذلك فإن التأثير المتتالي للعقوبات هو الذي يضر بمدفوعات موسكو، وقطاعات الخدمات اللوجستية والتأمين، وهي الركائز الأساسية لسلسلة التصدير.

دور تركيا

يعتقد سيمونز أن تجديد الاتفاق يتطلب كثيراً من الجهد و"دبلوماسية عالية المهارة، وهو أمر لا يستطيعه الغرب في هذه المرحلة". لكنه يعتقد أن تركيا التي "تتقن الدبلوماسية" فيما يتعلق بالصراع في أوكرانيا قد تقنع كلا الجانبين بتمديد الاتفاق.

فقد قال مولود جاوش أوغلو وزير الخارجية التركي خلال كلمة ألقاها في مؤتمر الأمم المتحدة حول الدول الأقل نمواً الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة الأسبوع الماضي: "إننا نعمل بجد من أجل عملية التنفيذ السلس وتوسيع نطاق اتفاق البحر الأسود للحبوب".

بالنظر إلى التوترات المستمرة بين الغرب وروسيا، ستكون "عملية مساومة صعبة للغاية" لتمديد الاتفاق في المفاوضات المقبلة، كما يقول سايمونز، ويضيف: "ما أفهمه أن العقبة الرئيسية بالمفاوضات المقبلة تأتي من الافتقار العام إلى الثقة، ودرجة العداء بين الطرفين".

لدى تركيا مصلحة في الظهور مجدداً كقوة توازن في العلاقات الدولية، الأمر الذي يزيد من قيمتها الاستراتيجية كوسيط نزيه وفقاً لسيمونز. ونتيجة لذلك وكما جرى العام الماضي قد تقنع الدبلوماسية التركية مرة أخرى كلا الجانبين بالتوصل إلى شروط لتجديد الاتفاق، على حد قوله.

لقد لعبت تركيا دورا رئيسياً جنباً إلى جنب مع الأمم المتحدة في التوسط للوصول إلى اتفاق الحبوب وتسهيل العمل به، وقد أثبتت أنقرة أنها تحظى بنفوذ كافٍ لدى موسكو وكييف لإبقاء الاتفاق ساري المفعول لمدة عام آخر تقريباً. وبالتالي "من المتوقع أن تبذل تركيا كل ما في وسعها لتمديد الاتفاقية مرة أخرى"، على حد قول تشوسوفسكي.

وفي 22 يوليو/ تموز 2022، شهدت إسطنبول توقيع "وثيقة مبادرة الشحن الآمن للحبوب والمواد الغذائية من الموانئ الأوكرانية" بين تركيا وروسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة.

وتضمنت الاتفاقية تأمين صادرات الحبوب العالقة في الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود (شرق أوروبا) لمعالجة نقص الغذاء العالمي الذي ينذر بكارثة إنسانية.​​​​​​​

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!