طه كلينتش - يني شفق

افتتح "مصنع الأعمال الجميلة" التابع لوقف الشباب والخدمات التعليمية في تركيا، موسمه لعام 2026 في مكتبة رامي بإسطنبول يوم الاثنين الموافق 27 أكتوبر. وفي الفعالية الأولى التي استمرت من الظهر حتى المساء، قدمتُ محاضرة بعنوان "مساحة ذاكرة: فلسطين". كان اختيار فلسطين موضوعًا للانطلاق به في هذا الموسم أمرًا ذا دلالة كبيرة. وبما أن ابنتي الكبرى مريم الطالبة في المرحلة الثانوية، تقيم في السكن التابع للمؤسسة. فقد كانت تلبية دعوتها واجبة عليّ.

بدأتُ حديثي بالإجابة على سؤال: "لماذا تمثل فلسطين أهمية بالغة بالنسبة لنا؟ ولماذا نحرص على بقائها في صدارة اهتمامنا؟". ثم شددتُ، بأمثلة من التاريخ الحديث، على مدى تداخل التعليم مع الخبرة الميدانية والنضال العملي. وفي مقالي اليوم، أود أن أستعرض لكم سيرة خمس شخصيات مهمة ذكرتها في محاضرتي. خمسة أشخاص نشؤوا على أسس علمية وفكرية وروحية، لكن الظروف أجبرتهم على أن يحملوا السلاح ويواصلوا نضالهم في الجبهات وساحات القتال. خمسة أبطال ظهروا في أزمنة وظروف مختلفة، لكنهم يشغلون اليوم مكانة راسخة في وجدان المسلمين. خمسة معلمين نقشت أسماؤهم في ذاكرتنا بكلماتهم، ومواقفهم، ووعيهم:

ـ عمر مختار (ليبيا، 1858–1931)

وُلد عمر المختار في فترة كانت فيها ليبيا لا تزال تحت حكم الدولة العثمانية، ونشأ في أسرةٍ تنتمي إلى الطريقة السنوسية. أتمَّ تعليمه الشرعي في "الجغبوب" - المركز الروحي للطريقة السنوسية - ثم واصل حياته مدرساً ومربيا، حتى اضطرته الأحداث في عام 1911 إلى خوض غمار المعارك. فحوّل تلاميذه إلى مقاتلين، وقاد حركة المقاومة ضد المحتلين الإيطاليين حتى إعدامه في عام 1931.

ـ عز الدين القسام (سوريا، 1882–1935)

وُلد عز الدين القسام في بلدة جبلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ونشأ في عائلة تنتمي إلى الطريقة القادرية. وبينما كان يؤدي عمله كإمام وخطيب، بلغه خبر احتلال الإيطاليين لليبيا عام 1911، فسارع إلى تنظيم طلابه استعداداً للجهاد هناك. إلا أن إعلان الهدنة حال دون سفره، فشارك خلال الحرب العالمية الأولى في صفوف الجيش العثماني. وبعد سقوط الدولة العثمانية، انتقل إلى فلسطين، حيث واصل الكفاح حتى استشهاده عام 1935، محاربًا في جبهتين في آنٍ واحد: ضد الاستعمار البريطاني وضد الاحتلال الصهيوني.

ـ علي خان توره ساغوني (تركستان الشرقية، 1885–1976)

وُلد علي خان توره ساغوني في بلدة طقماق التابعة لإقليم يديسو في تركستان، لأسرة نقشبندية من أصول أوزبكية. وتلقّى تعليمه منذ صغره في بخارى ثم في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأتقن — إلى جانب لغته الأم الأوزبكية — كلًّا من التركية والعربية والفارسية إتقانًا تامًا. وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى، أصدر فتوى تُحرّم تجنيد الشباب التركستانيين من قِبل الروس للقتال ضد الدولة العثمانية. وبسبب الضغوط الروسية، اضطر إلى الهجرة إلى تركستان الشرقية، ليتعرض للاضطهاد من قبل الصينيين. وفي عام 1944 تولّى رئاسة جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية التي أُعلنت في ذلك العام، ومنصب القائد العام. وفي عام 1946، اختطفه الروس إلى جمهورية أوزبكستان السوفييتية الاشتراكية، حيث قضى آخر ثلاثين عامًا من حياته تحت الإقامة الجبرية في طشقند.

ـ علي عزت بيغوفيتش (البوسنة والهرسك، 1925-2003)

كان جدّه علي عزت بيغوفيتش جنديًا عثمانيًا، بينما كانت جدّته صدّيقة خانم سيدة من حي أوسكدار بإسطنبول. بدأ نشاطه السياسي في شبابه من خلال انضمامه إلى منظمة “الشباب المسلم” (Mladi Muslimani)، وواصل حياته المهنية في مجال القانون، وبرز أيضاً كمفكر إسلامي من خلال مؤلفاته الفكرية. وأثناء حرب البوسنة (1992–1995)، ارتدى الزي العسكري وتولّى قيادة شعبه في ساحة المعركة، ليصبح من أبرز العقول التي أنجبتها منطقة البلقان الخصبة.

ـ الشيخ أحمد ياسين (فلسطين، 1936-2004)

وُلد الشيخ أحمد ياسين قرب مدينة عسقلان، مسقط رأس الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني الشهير. واضطر للنزوح مع عائلته إلى غزة في عام 1948، إبان تأسيس إسرائيل. وعندما بلغ السادسة عشرة من عمره، أُصيب في حادث رياضي تركه مقعدًا مدى الحياة. وبفضل قوة خطابه، وقدرته التنظيمية، ووعيه السياسي العالي، تولى قيادة حركة حماس التي تأسست عام 1987، رغم إعاقته. وعندما أطلق على جناحها العسكري اسم “كتائب عز الدين القسام”، كان يدرك تمام الإدراك الجذور التاريخية لهذا الاسم.

رحم الله جميع أبطالنا وجعل ذكراهم باقية في وجدان المسلمين إلى قيام الساعة.

عن الكاتب

طه كلينتش

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس