إسماعيل ياشا - عربي21

لم يبق لموعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي يراها كثير من المحللين الأهم في تاريخ تركيا الحديثة، سوى أقل من شهر، في ظل احتدام معارك الدعايات والحملات الانتخابية. وما زال يتساءل متابعون للشأن التركي عن دوافع حزب السعادة وأحمد داود أوغلو وعلي باباجان للاصطفاف مع حزب الشعب الجمهوري؛ بهدف إسقاط رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، فيما يحمّل آخرون أردوغان مسؤولية ذاك الاصطفاف، ويتهمونه بالتفرد بالسلطة وإقصاء رفاقه.

هل فشل أردوغان في احتواء حزب السعادة وعبد الله غول وأحمد داود أوغلو وعلي باباجان؟ يؤدي البحث عن جواب لهذا السؤال إلى سؤال آخر يطرح نفسه، هو: هل كان بإمكان أردوغان أن يلبي مطالب هؤلاء للحيلولة دون انشقاقهم واصطفافهم مع حزب الشعب الجمهوري؟

أردوغان استقبل رئيس حزب السعادة، تمل كاراموللا أوغلو، أكثر من مرة، في محاولة لضمه إلى تحالف الجمهور، سواء قبل انتخابات 2018 أو هذه الانتخابات، إلا أن مطالب حزب السعادة كانت تعجيزية لا يمكن قبولها بأي حال. وكان حزب السعادة طلب من أردوغان أن يضمن له عشرات المقاعد في البرلمان، في مقابل دعمه له في الانتخابات الرئاسية، إلا أن أردوغان رفض هذا الطلب الذي لا يتناسب على الإطلاق مع حجم الشعبية التي يتمتع بها حزب السعادة.

وتحالف كاراموللا أوغلو مع حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات السابقة مقابل مقعدين فقط، أي إنه لم يطلب من حزب الشعب الجمهوري من أجل التحالف معه ما طلبه من حزب العدالة والتنمية.

الرئيس التركي سعى إلى احتواء حزب السعادة من خلال التقارب مع رئيس المجلس الاستشاري للحزب، أوغوزخان أصيل تورك، وكان هذا الأخير منزعجا للغاية من تراجع شعبية حزب السعادة؛ بسبب تحالفه مع حزب الشعب الجمهوري، إلا أنه توفي قبل أن يتمكن من تغيير قيادة الحزب، وابتعد حزب السعادة عن خطه السياسي تماما، ليصبح محركه الوحيد هو الكره المبني على الحسد. ويخيل لمن ينظر في تصريحات قادة حزب السعادة اليوم، أن هؤلاء مستعدون لدخول النار مع كليتشدار أوغلو بدلا من دخول الجنة مع أردوغان. وهو ما يؤكد أن تحالف حزب السعادة تحت هذه القيادة مع حزب العدالة والتنمية أمر مستحيل، مهما فعل أردوغان وأبدى مرونة في التعامل مع قادته.

أحمد داود أوغلو له قصة أخرى، تبدأ من توليه مناصب وزير الخارجية ورئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء. وكان داود أوغلو أطلق تصريحات ليؤكد أنه يمكن أن يتخلى عن المناصب كافة التي يصعب لابن آدم أن يتخلى عنها، ولكنه لا يمكن أن يكسر قلب أحد من كوادر حزب العدالة والتنمية، الذي وصفه بــ"الدعوة المقدسة" و"أمل المظلومين في العالم"، كما قال ذات مرة: "ابصقوا في وجهي إن خنت يوما حزب العدالة والتنمية". إلا أنه في ذات الوقت، كان يسعى إلى السيطرة على حزب العدالة والتنمية وقطع صلة الحزب بأردوغان، كما قال أنصاره آنذاك؛ إن عهد أردوغان قد انتهى وحان عهد "الخوجا" أي الأستاذ، في إشارة إلى داود أوغلو. ولما أدرك أردوغان أن داود أوغلو يخطط للانقلاب عليه في حزب العدالة والتنمية، وأنه سيدمر الحزب الذي أسسه، تحرك لإفشال الخطة، وهو ما أدى إلى استقالة داود أوغلو.

داود أوغلو أسس حزب المستقبل بعد انشقاقه عن حزب العدالة والتنمية، وكان يعتقد أنه يتمتع بشعبية واسعة في الشارع التركي. وقال ذات مرة؛ إن مدن الأناضول برمتها تقوم للدفاع عنه إن أعطاها إشارة، إلا أن التطورات أثبتت أنه يعيش في عالم الخيال، بدليل أن حزب المستقبل لم تتجاوز شعبيته 1 في المائة في استطلاعات الرأي، الأمر الذي دفعه إلى ترشيح عدد من أعضائه ضمن قوائم حزب الشعب الجمهوري لإخفاء حجم شعبية حزبه، كما أنه رضي بالاكتفاء بأحد مناصب نائب رئيس الجمهورية السبعة في رئاسة كليتشدار أوغلو؛ الذي لن يمنعه داود أوغلو ولا غيره إن تفرد بالسلطة بعد فوزه في الانتخابات.

أما علي باباجان، فكل تحركاته باسم عبد الله غول الذي لم يتجرأ على منافسة أردوغان مباشرة، واختار البقاء خلف الستار. ومن ثم، لا يمكن الحديث عن شروط باباجان ومطالبه؛ لأنه انشق عن حزب العدالة والتنمية حين أشار إليه غول أن ينشق لينضم إلى تحالف الطاولة السداسية. بل اعترف بأنه كان يعمل في الانتخابات السابقة من أجل أن يتم ترشيح غول لرئاسة الجمهورية كمرشح المعارضة، في الوقت الذي تظاهر بأنه يدعم ترشيح أردوغان.

وكان عبد الله غول هو الآخر أراد أن يقود حزب العدالة والتنمية بعد انتهاء فترته في رئاسة الجمهورية، إلا أن أردوغان لم يكن بوسعه أن يتخلى عن قيادة الحركة السياسية التي أسسها، لينهي حياته السياسية في القصر الجمهوري.

وفي المقابل، نجح الرئيس التركي في ضم حزب الرفاه الجديد وحزب الدعوة الحرة إلى تحالف الجمهور، كما أن هناك آخرين من رفاقه لم ينشقوا عن حزب العدالة والتنمية، بل يواصلون خدماتهم في مناصب مختلفة. وعلى سبيل المثال، لم يتم ترشيح رئيس بلدية أنقرة السابق، مليح غوكتشك، في الانتخابات المحلية الأخيرة، رغم أنه كان يرغب في مواصلة رئاسته لبلدية العاصمة. ولم يدفعه ذلك إلى الانشقاق، بل استمر في الدفاع عن حزب العدالة والتنمية.

ولعل المثال الأهم لتحمل أردوغان لأذى رفاقه، هو عدم طرد رئيس البرلمان الأسبق، بولنت أرينتش من حزب العدالة والتنمية، رغم انتقاداته التي تبلغ بعضها مستوى الطعن في الظهر في أوقات حساسة، علما أن نجله، أحمد مجاهد أريتش، تم ترشيحه مرة أخرى للانتخابات البرلمانية ضمن قوائم حزب العدالة والتنمية.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس