ترك برس

دشّن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي مرحلة جديدة في مسار تطبيع علاقات البلدين عبر اتفاقهما مؤخراً على تبادل السفراء، الأمر الذي وجّه الأنظار إلى مستقبل علاقات أنقرة والقاهرة خلال ولاية أردوغان الجديدة.

وكانت دائرة الاتصال بالرئاسة التركية قد ذكرت في بيان لها، أن السيسي أعرب لأردوغان عقب فوزه، عن أمله في أن تجلب نتائج الانتخابات الرئاسية الخير للشعب التركي، كما بحث الجانبان الخطوات التي من شأنها تعميق العلاقات التركية المصرية على كافة الأصعدة، وفي مقدمتها الاقتصاد.

بدورها، قالت الرئاسة المصرية إن السيسي وأردوغان، اتفقا على "البدء الفوري في ترفيع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وتبادل السفراء".

وفي سياق متصل، نقلت "الجزيرة نت" عن مصدر مسؤول بوزارة الخارجية المصرية قوله "سعيا نحو مصالحات إقليمية شاملة كان لا بد من إعادة ترتيب الأوراق"، وذلك في إطار وصفه التقارب الأخير بين مصر وتركيا، قائلا "إنه تقارب الضرورة".

وقال المصدر -شريطة عدم الكشف عن اسمه- إن "قطار العلاقات المصرية التركية وصل إلى محطة كبرى في الاتجاه الصحيح، باتصال مهم من الرئيس عبد الفتاح السيسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتهنئته بالولاية الجديدة".

وتوقع المسؤول أن يصل قطار العلاقات إلى المحطة الأساسية والأخيرة وهي عودة السفراء، "قريبا جدا" بلقاء بين السيسي وأردوغان لم يتحدد موعده على الفور، معتبرا أن التطورات العالمية والإقليمية فرضت على الجميع فتح صفحة جديدة.

وأضاف أن عمق الروابط التاريخية التي تربط الشعبين المصري والتركي فتحت الباب سريعا لتذويب الخلافات، مشيرا إلى أن العلاقات بين القاهرة وأنقرة بدأت تحركا إيجابيا على أرض الواقع بعد مصافحة الرئيسين على هامش افتتاح مونديال كرة القدم في نوفمبر/تشرين الثاني بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

ضرورة التحالف

في هذا السياق، يتوقع أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بني سويف حسن فاروق أن تشهد الولاية الجديدة للرئيس أردوغان مزيدا من الانفتاح في سياسات تركيا الخارجية، معتبرا أن العلاقة مع مصر تأتي في مقدمة أولويات هذا الانفتاح.

وقال فاروق إن فوز أردوغان في الانتخابات يمنحه قدرا أكبر من التحرر في العلاقات الخارجية، موضحا أن أنقرة تسعى منذ فترة للتقارب مع مصر بوصفها قوة إقليمية مهمة.

واعتبر أن التقارب يجب أن يصل إلى درجة من التحالف في العديد من المجالات، قائلا "هذا حتمي وضروري".

ملفات ساخنة

لكن في مقابل ذلك، يرى الخبير والباحث في الشأن التركي بمركز دراسات "الشرق" حسام حامد، أن هناك العديد من الملفات الساخنة التي يتعين فتحها بحرص والتوصل إلى مقاربات وحلول وسط، قائلا إن "العلاقات ليست وردية" كما يتصور البعض.

وأشار حامد إلى أن الوضع في ليبيا والوجود التركي هناك يضيف تعقيدات إلى المشهد، معتبرا أن التوصل إلى تسويات بهذا الشأن سيأخذ وقتا طويلا، مع اشتراط توافر ما سماها "نوايا حسنة حقيقية" لإعادة ترتيب الأوراق على الأرض الليبية التي تشهد تجاذبات وتوترات متزايدة.

وتوقع أن يلقي القلق والتعقيد المتعلق بالوضع في ليبيا بظلالهما على مستقبل العلاقات بين القاهرة وأنقرة، مشيرا إلى أن اتفاق ترسيم الحدود بين تركيا وحكومة ليبيا على سبيل المثال أزعج مصر كثيرا، وفجّر خلافات بشأن حقول الغار في البحر المتوسط.

كما يرى الباحث أن تحسن العلاقات المصرية التركية قد يفتح الباب نحو ترسيم جديد للحدود البحرية المتشابكة، وربما يعيد رسم خريطة حقول الغاز ويعيد لمصر بعضا من حقولها التي استولت عليها إسرائيل في المنطقة، رغم أنها لا تبعد كثيرا كما يقول عن شمال دمياط.

وأشار إلى أن مصر ربما تسرعت في ترسيم الحدود البحرية مع اليونان بشكل أغضب تركيا في الماضي، لكن "الأمور الآن تتحرك على نحو أفضل لإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح"، على حد تعبيره.

ضغوط إسرائيلية

لكن كيف ستتحرك مصر بعيدا عن ضغوط إسرائيلية ترى في هذا التقارب خطرا إقليميا عليها؟

يذهب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة المنوفية حازم الغندور إلى أن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تقارب من هذا النوع، قد يؤثر مستقبلا على ما يسميها "كعكة الغاز في المتوسط".

كما قال الغندور إن إسرائيل تدرك تماما أن أي تفكير في إعادة لترسيم الحدود البحرية -وفقا للعلاقات والتحالفات الجديدة- سيكون على حسابها.

وتوقع الأكاديمي المصري أن تنجح الضغوط الإسرائيلية على مصر في تحجيم العلاقة مع تركيا حتى بعد فوز أردوغان بولاية جديدة، لكنه قال إن هناك في الوقت نفسه تقاربا لافتا في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب سيضفي على المسألة في شرق المتوسط قدرا من التعقيد يفرضه تشابك المصالح.

من زاوية أخرى، يشير الغندور إلى أن القاهرة لها بعض المطالب الأمنية، والتي تركز عليها وتتمسك بها وتتعلق بعشرات وربما مئات من المصريين المتهمين بما تسميه "الإرهاب" ويعيشون في تركيا. كما تطالب مصر بحسب الغندور بوقف الأصوات الإعلامية والسياسية المعارضة التي تتخذ من تركيا أرضا لها.

وتوقع أن تسير خطوات "ترفيع" العلاقات بوتيرة جيدة إن نفذت تركيا الشروط المصرية الخاصة بتسوية هذه الملفات، التي كانت أصل الخلاف وفي مقدمتها المطالب الأمنية. كما قال إن مصر تتوقع من أي دولة تتطلع إلى إقامة علاقات طبيعية معها أن تلتزم بقواعد القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار، وأن تكف عن محاولات التدخل في شؤونها الداخلية.

لكن في مقابل ذلك، لا يتوقع الخبير في مركز المستقبل للأبحاث هاني عبد السيد أن تحقق تركيا ما تصبو إليه في ملف العلاقات الخارجية، خاصة مع مصر.

وقال عبد السيد للجزيرة نت إن قدرة أنقرة على زيادة نفوذها في العالم العربي خلال الولاية الجديدة للرئيس أردوغان قد تكون محدودة.

وذهب عبد السيد إلى أن الدول العربية الكبرى لن تمنح تركيا هذه الفرصة، لكنه قال إن تعظيم المنافع الاقتصادية المتبادلة سيكون هو محور أي تقدم على هذا الصعيد.

الاقتصاد بوابة كل الحلول

من جهة ثانية، يرى الخبير الاقتصادي بمركز دراسات "وادي النيل"، أحمد هنداوي أن القاهرة ركزت بالفعل على المنافع التجارية طوال الفترة الماضية التي شهدت أزمة في العلاقات، مشيرا إلى أن المصالح الاقتصادية التي سعت إليها مصر في هذا السياق سارت بمعزل عن كل الأزمات السياسية وشهدت تطورا إيجابيا.

بدوره يصف هنداوي الملف الاقتصادي بأنه "بوابة كل الحلول"، مشيرا إلى أن الحكومة المصرية التي تسابق الزمن لمواجهة نقص حاد في النقد الأجنبي، كشفت أن شركات تركية تعهدت باستثمارات جديدة في مصر بقيمة 500 مليون دولار، خلال الشهر الماضي فقط، مضيفا أن "التبادل التجاري المشترك لم ينقطع خلال الفترة الماضية".

وتقول الخبيرة بالمركز المصري للدراسات السياسية والديمقراطية عبير متولي، إن التقارب المصري التركي هذه المرة تفرضه تطورات دولية وإقليمية ضاغطة، معتبرة أن تحسن العلاقات السعودية الإيرانية ليس بعيدا عن هذا السياق.

كما تشير عبير متولي في حديثها للجزيرة نت إلى أن أردوغان في ولايته الجديدة بات مطلق اليدين، وسيتمتع بحرية كبرى في ملف العلاقات الدولية وحل الأزمات الداخلية التي يطغى عليها جميعا البعد الاقتصادي، فضلا عن الحاجة إلى توسيع التبادل التجاري مع كل الدول وتغليب لغة المصالح.

في المقابل، تبدو مصر كما تقول عبير متولي هي الأكثر احتياجا لتعظيم مواردها من النقد الأجنبي ومن ثم إنعاش علاقتها التجارية بتركيا بوصفها مستثمرا حقيقيا، موضحة أن معظم الاستثمارات التركية في مصر تقدم مشاريع إنتاجية مهمة وتوفر فرص عمل خاصة في مجال صناعة الملابس الجاهزة، وليست مجرد شراء أصول واستحواذ على الأراضي والعقارات.

وفي هذا السياق، التقى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قبل أسبوع مجموعة من رجال الأعمال الأتراك، وبحث معهم عودة مجالس الأعمال بين البلدين وتسهيل الإجراءات أمام عمل المستثمرين الأتراك في مصر.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!