أمين بازارجي – صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك برس

دعونا نقوم بتحليل مسألة شاحنات الاستخبارات التي كانت تنقل المساعدات لتركمان سوريا الآن. فالمشهد اليوم اختلف وبدأ يتضح أكثر فأكثر. قبل كل شيء أود أن ألفت الانتباه إلى نقطة مهمّة وهي أنه على اعتبار أن رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو أدّى اليمين الدستوري أمام الملايين يوم أمس ولم يعترض على ذلك أحد من منافسيه السياسيين، فهذا يدل على أن تلك الشاحنات كانت لتركمان الباير والبوجاق السورية. وما يُشاع غير ذلك مجرّد إشاعات لا أصل لها.

في تلك الأيام كانت الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا ترسلان شحنات من الأسلحة إلى تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) والذي يعد الجناح العسكري لتنظيم حزب العمال الكردستاني (PKK). ومقابل ذلك كانت الدّولة التركية تحاول تقوية التركمان من خلال هذه الشاحنات. والغريب في الأمر أنّ هؤلاء الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها من أجل شحنة مساعدات للتركمان في سوريا، ظلّوا صامتين حيال الدّعم اللامتناهي لتنظيم (PYD) من قِبل الولايات المتحدة وألمانيا. كانوا يظنون أنهم بفعلتهم هذه سوف يحرجون الرئيس أردوغان والحكومة التركية. لكنّهم زجّوا بتركيا وبتركمان سوريا في المأزق. فهم بغفلتهم هذه قدّموا خدمات للمشروع الأمريكي الألماني.

لنجري الآن تحليلًا دقيقًا لما يجري منذ البداية:

عندما ظهر داعش كتنظيم يحارب على الأرض، قام بعض المحللين الاستراتيجيين بإجراء تحليلات ربما قلنا عنها مبالغ بعض الشيء. حينها قالوا إنّ الولايات المتحدة الأمريكية تنوي إنشاء ممر كردي في الشمال السوري وإنّ وجود تنظيم داعش كان من أجل خدمة هذا المشروع. والآن نجد أنّ هذه التوقعات تتحقق على الأرض. فالمنطقة تشهد تطورات غريبة. استطاع تنظيم داعش خلال فترة وجيزة السيطرة على العديد من المناطق في العراق وسوريا وهذا أمر يستدعي الاستغراب. والأغرب في الأمر أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لم تقم بأي ردّة فعل أثناء عملية توسع تنظيم داعش في هذه المناطق. بل ظلّت الولايات المتحدة الأمريكية حينها تتفرّج على الفظاعات التي يقوم بها التنظيم. وبدأت مع هذه الأحداث تحركات التغيير الديمغرافي لبعض المناطق، كما بدأت موجة النزوح تجاه الأراضي التركية بالازدياد.

وبعد ذلك ظهر تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الذي يعدّ الجناح العسكري لتنظيم (PKK) في سوريا. فبدأ بمحاربة تنظيم داعش. وبالتزامن مع ظهور تنظيم (PYD) بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه ضربات جوية عنيفة على مواقع تنظيم الدولة حيث قامت هذه القوات بتسهيل عملية السيطرة على مواقع التنظيم من قِبل عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي.

وعقب انتهاء الاشتباكات العنيفة والقصف الشديد لطائرات التحالف على مواقع تنظيم الدولة، رأينا أنّ بعض النازحين بدؤوا بالعودة إلى ديارهم. لكننا اكتشفنا فيما بعد أن العائدين هم فقط الذين سمح لهم تنظيم (PYD) بالرجوع. لم يتمكن الجميع من العودة إلى ديارهم، فلا يوجد بين العائدين من هم من العرب والتركمان. فقد قالوا للعرب والتركمان "لن تستطيعوا العودة فهذه المنطقة أصبحت دولة كردستان بعد الآن". فالكثير من هؤلاء العرب والتركمان فقدوا منازلهم نتيجة القصف العنيف والذين لم يفقدوا ديارهم، وجدوا من يسكنها عندما انتهت الاشتباكات.

الآن أود أن أطرح السؤال التالي:

لو أنّ هؤلاء لم يُحَمّلوا مسألة الشاحنات كل هذه الأبعاد ولو أنّ تركيا قامت بدعم التركمان وعملت على تقويتهم، فهل كان بإمكان هذا المخطط أن يتجسد بهذا الشكل المريح في المناطق المتاخمة لحدودنا؟ بالطبع لما تمكنت الولايات المتحدة وشركائها من تنفيذ هذا المشروع بسهولة.

قدّم الكيان الموازي خدمة كبيرة للولايات المتحدة الأمريكية من خلال الترويج لشاحنات الاستخبارات وكُبِّلت بنفس الوقت ذراع تركيا. وها هي نتيجة فعلتهم الشنيعة.

كما أنّ الأحزاب التي تعاونت أو تعاطفت مع هذا التنظيم تتحمل أيضا مسؤولية ما حصل وسيحصل. فحزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية يتحملان جزءًا كبيرًا من المسؤولية.

إنّ أكثر من يبدي استياءً من وجود السوريين على الأراضي التركية هو رئيس حزب الشعب الجمهوري "كمال كليجدار أوغلو" لكن سياساته الخاطئة أدت إلى نزوح المزيد من هؤلاء السوريين إلى تركيا. فإرجاع هؤلاء النازحين إلى بلادهم بات صعباً جداً. فإذا زال تنظيم الدّولة داعش، حلّ مكانه تنظيم قائم على التمييز العنصري والعرقي ألا وهو تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD).

هذه هي قصة الشاحنات التي اعترض طريقها عناصر الكيان الموازي. فالعقول الخفية قامت بتدبير خطة لإقامة الممر الكردي في الشمال السوري، وأخذ كافة الاحتياطات اللازمة لمنع تركيا من التصرف وعرقلة هذا المشروع.

لن أقول أي شيء لعناصر الكيان الموازي، فهم معروفون بأنّهم ألعوبة بيد الدول الغربية وقاموا بما يجب عليهم فعله لأن أسيادهم أمروهم بذلك. ولكن كيف لهؤلاء الذين ينادون بوحدة الأراضي التركية وبالقومية أن يقدّموا مبرراً لما فعلوه من تهجّمات ضدّ الحكومة التركية بسبب تلك الشاحنات. فها هو المنظر أمامكم، بعد اليوم لن تصل تلك الشاحنات إلى تلك المناطق حتى ولو أردتم أن ترسلوها.

فهل أنتم اليوم سعداء؟

عن الكاتب

أمين بازارجي

كاتب في جريدة أقشام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس