أسامة حساني - ترك برس

كما هو الحال بالنسبة للأمة الإسلامية جمعاء، فقد كان لشهر رمضان في الدولة العثمانية عاداته وأجواءه الخاصة. وفي حين اختلفت مظاهر شهر رمضان الفضيل بين بلد وآخر، إلا أنه ومنذ بزوغ شمس الإسلام أخذ مكانةً خاصة في قلوب المسلمين، تجلت في التسابق على فعل الخيرات والطاعات، وإظهار الكرم والجود بشكل خاص خلال هذا الشهر، لما فيه من خير وبركة على العباد، وتكفير للذنوب والآثام.

ولما لهذا الشهر الفضيل من حرمة، فقد كان السلطان العثماني يصدر وثيقةً قبل 15 يوماً من دخول الشهر، تتضمن قائمة ببعض الأمور التي ينبغي مراعاتها خلال أيام الشهر، والتي من ضمنها منع تناول الأطعمة أو المشروبات في الشوارع قبل المغرب، كما كان يتم تشكيل هيئة لمراقبة أسعار السوق، وتوكيل مهمة تنظيم أوقات الإمساك خلال الشهر لرئيس الفلكيين في القصر السلطاني قبل 10 أيام من قدوم الشهر.

كما تميزت أجواء شهر رمضان في الدولة العثمانية، بالكرم المطلق، إذ كانت أبواب القصور تبقى مفتوحة خلال وقت المغرب أمام العامة، فيدخل من يشاء لتناول الفطور، من المسلمين ومن غير المسلمين أيضاً، إذ كان العثمانيون يعتبرون أن عدد الفقراء الموجودين على مائدة الإفطار يزيد من بركة المائدة وكرم صاحب الإفطار، ومن ثم يُقدم لهم بعد الإفطار هدية لإجابتهم الدعوة، وقد كان يطلق عليها "أجر الأسنان"، وتقول في هذا المستشرقة الإنكليزية "دورينا": "وفي شهر رمضان نجد أن الأتراك يصومون طوال النهار، ويحتفلون طوال الليل، وكان أفراد الطبقة الثرية يضطرون إلى فتح أبواب منازلهم طوال الشهر لإطعام أي شخص بحاجة إلى الضيافة من فترة غروب الشمس وحتى بزوغ فجر اليوم الجديد...".

ويذكر بأن خزانات الماء العامة (الأسبلة) في الشوارع، كانت تملأ بالعصائر عوضاً عن الماء خلال شهر رمضان، واستمر هذا التقليد حتى نهاية الدولة العثمانية.

وفي وقت السحور، كانت تطلق المدافع في المدن الكبرى كإسطنبول بعد منتصف الليل كتنبيه لدخول موعد السحور، ومن ثم يتم النداء من مآذن المساجد بالصلاة على النبي كتنبيه باقتراب موعد الإمساك، ومن ثم يؤذّن بعدها.

واشتهرت مساجد الدولة العثمانية خلال شهر رمضان أيضاً بالـ "محيا"، وهي عبارة عن زينة تعلق بين مئذنتي الجوامع، مكتوبة عليها رسائل ترحيب بشهر رمضان أو عبارات دينية بشبكة من المصابيح الزيتية، ولا تزال تركيا تحتفظ بهذا المراسم إلى الآن، إلا أنه تم استبدال الأضواء الزيتية بلافتات ضوئية مصنوعة من أسلاك ممدودة بين مئذنتي الجوامع، واستبدلت الكتابة إلى الأحرف اللاتينية.

وكانت المساجد تستقبل المتعبدين طوال الشهر، فبالإضافة لصلاة التراويح، التي كانت تقام في جميع مساجد المدن والقرى، والتي كانت تحضرها السيدات كذلك، كانت ختم القرآن الجماعية تتلى في المساجد، وتنشد المدائح النبوية والقصائد الدينية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!