ترك برس

قل لي ماذا تشاهد أقل لك من أنت.

بفضل الإعلام والتكنولوجيا أصبح العالم قرية صغيرة، وسرعة وصول الخبر أصبحت سرعة قياسية فضلاً عن أن الأخبار أصبحت في متناول الجميع الصغار قبل الكبار، والخطر الحقيقي يكمن عند تخلي الإعلام عن رسالته السامية ونقل الأخبار والحقائق المزيفة للمجتمع وقلب المفاهيم الإنسانية رأسا على عقب، لإثبات باطل على أنه حق، وهذا الشيء نراه بشكل واضح في سلوك بعض الإعلام الغربي تجاه ما يحصل في قطاع غزة، لذلك يقع على عاتق الإعلام التركي مسؤولية كبرى بما أن تركيا دولة وسيطة بين الشرق والغرب بين أوربا وآسيا، وموقف الإعلام التركي واضح جدا تجاه ما يحصل في فلسطين إذ قرر الوقوف إلى جانب الحق ضد الباطل.

في تركيا يوجد إعلام تركي مؤيد للحكومة التركية وإعلام تركي معارض للحكومة التركية، وهو إعلام المعارضة في تركيا، ومنذ اليوم الأول من عملية طوفان الأقصى اتبع الإعلام المؤيد منهج الداعم للفلسطينيين مع أن الخطاب السياسي التركي في بداية الأمر لم يكن حاد النبرة، وتصاعدت حدة التصريحات تصاعديا مع خطورة الوضع في غزة. أما الإعلام فكان مختلفا حيث رأينا حماساً كبيراً بالإضافة إلى دعم معنوي كبير في كل وسائل الإعلام التركية من قنوات إخبارية وصحف ومجلات، لأن حكومة حزب العدالة والتنمية عملت خلال عقدين من الزمن على تغيير مجرى الإعلام التركي، الذي كان سابقا منكفئا على الأخبار التركية وبعيدا بعض الشيء عن تغطية القضايا العربية،. وشهدنا خطوات ملموسة على أرض الواقع من الحكومة التركية للتقارب مع العالم العربي مع افتتاح قناة تي أر تي الناطقة بالعربية بالإضافة إلى العديد من الصحف الإخبارية الناطقة بالعربية أيضا.

التغطية الإعلامية التركية كانت متصاعدة داخل تركيا وخارجها، شاهدنا ازدياد مساحة الملف الفلسطيني في نشرات الأخبار التركية، ومن ثم شهدنا العديد من البرامج والتغطيات الخاصة وبالإضافة لذلك شاهدنا المراسلين الأتراك على أرض فلسطين وهم يعملون في ظروف صعبة جدا، بسبب الغارات الإسرائيلية التي لا تحترم الإعلام والصحفيين بشكل عام والصحفيين الأتراك بشكل خاص، لأنهم لم يرضخوا للرواية الإسرائيلية، وصمموا على نقل الحقيقة كما هي، إيماناً منهم أن الإعلام أمانة.

وقد صرح رئيس المجلس الأعلى للإذاعة والتلفاز أوب بكير شاهين أن "موضوع غزة كان امتحاناً للإعلام، وأن الإعلام التركي نجح في هذا الامتحان، ووقف بجانب القضية الفلسطينية على عكس بعض الإعلام الغربي".

والدعم لم يقتصر على مسؤولي الإذاعة والتلفاز التركي بل المذيعين الاتراك أيضا سجلوا مواقف مشرفة كما فعل مذيع قناة "Haber türk" محمد ارسوي عندما غضب من معد البرنامج الذي ارتكب خطأ على الشاشة كاتبا حي القدس التابع لإسرائيل، وقال "القدس ليست تابعة لإسرائيل، أرجو من المعد تغيير الجملة فورا".

أما إذا أردنا أن نتكلم عن الصحف الإخبارية التركية، فسنرى ما يجري في غزة على الصفحة الأولى من الصحف التركية، فكل الصحف الورقية تعمل بالتنسيق مع القنوات الإخبارية على كشف التلاعب الإعلامي من قبل إسرائيل ونقل المشهد الحقيقي للمواطنين الاتراك، لأن القنوات والصحف الغربية قررت تغيير الحقائق ونشر الشائعات في القنوات والصحف والبرامج التلفزيونية حول العالم، ولكن الإعلام التركي لم يرضخ للإعلام العالمي، واستمر بتفنيد الأكاذيب عبر مركز مكافحة التضليل التابع لرئاسة الاتصال التركية.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل البرامج الاجتماعية التركية أيضا دعمت القضية الفلسطينية مثل برنامج "من يريد أن يصبح مليونيرا"، وهو نسخة من البرنامج الثقافي "من سيربح المليون" يعرض على شاشة قناة atv أسبوعيا.

كان سؤال المليون ليرة يتعلق بفلسطين وكان السؤال ما هو الشيء الذي تحول إلى رمز لعلم فلسطين في المظاهرات بعد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ومنع المتظاهرين من رفع علم فلسطين؟

وكان من بين الخيارات "البطيخ"، وهو الجواب الصحيح، بسبب تشابه ألوان البطيخ بعلم فلسطين.

وهذه المرة لم يختلف الإعلام التركي المعارض عن الإعلام التركي المؤيد، ووقف إلى جنب غزة ضد المجازر الإسرائيلية اليومية بحق الأطفال والشيوخ والنساء. وندد كل رؤساء الأحزاب المعارضة التركية جرائم إسرائيل وبعضهم رأى أن الدفاع عن فلسطين هو أمانة في أعناق الأتراك والبعض دعا إلى إرسال الجيش التركي للدفاع عن غزة والبعض بدأ بجمع المساعدات المالية نصرة لأهل غزة بينما البعض عبر غاضبا أن المواطنين الإسرائيليين غير مرحب بهم في تركيا إطلاقا.

وإذا تكلمنا عن الإعلام يجب ألا نهمل مواقع التواصل الاجتماعي، فهي الإعلام الجديد الذي يزاحم الإعلام التقليدي، وأصبح ينتشر بشكل أسرع من التلفاز، بسبب ارتباط حياة الناس بالهواتف النقالة التي لا يستغني عنها لا كبير ولا صغير في زمننا الحالي.

وأعتقد أن موضوع غزة كان امتحانا صعبا لكل مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب سياسيات الخصوصية المزيفة لهذه المواقع المسيسة من قبل الغرب، حيث لا يوجد منصة تواصل اجتماعي عملاقة واحدة تمثل آراءنا وتطلعاتنا، للأسف ما زلنا نستخدم منصات الغرب، ومن ثم نندب ونشكو عندما يحذفون منشوراتنا الداعمة لفلسطين. فموقف الفيسبوك والانستغرام كان صارما كثيرا، بسبب أنها منصات تابعة للولايات المتحدة، وباعتقادي المنصة الناجحة الوحيدة في هذا الامتحان هي منصة اكس سابقا تويتر، وسبب نجاح هذه المنصة حاليا هو تملكها من قبل المليادر ايون ماسك، الذي عارض حذف المنشورات الداعمة لفلسطين ووقف أمام ضغوط الدول الأوربية التي طلبت منه تشديد سياسية النشر في موقع أكس، ولكن ماسك كان لديهم وجهة نظر مختلفة حيث قال إن هدفه من شراء المنصة هو ترسيخ مفهوم الحرية وليس العكس.

بالنسبة إلى الإعلام الجديد في تركيا، أبلى بلاءً حسنا، عن طريق بعض المنصات الشبابية التي زاحمت الإعلام التقليدي في دعم القضية الفلسطينية مؤكدة أن الشباب التركي لم ولن ينسى قضية فلسطين كما يظن البعض.

فعلى سبيل المثال منصة GZT نجحت بنقل ما يجري في فلسطين لكل الشباب التركي بكل حرفية ودقة، وأثبتت أيضا مدى أهمية مواقع التواصل الاجتماعي في مثل هذه الأزمات.

في تقديري، نستطيع القول إن الحرب الإعلامية لا تقل أهمية عن الحرب العسكرية، فالإعلام هو من يؤثر في عقلنا الباطن مما يقرر سلوكنا وأفعالنا لاحقا، فأصوات المذياع وشاشات التلفاز وشاشات الهواتف تحاصرنا في كل مكان في البيوت في أماكن العمل في المواصلات العامة، لذلك عملت حكومة حزب العدالة والتنمية على مدى عشرين سنة على تطوير وتحسين الإعلام التركي بما يخدم قضايانا، ويكون متناغماً مع أفكارنا.


**مقال تحليلي للكاتب علي أسمر، نشرته صحيفة ديلي صباح التركية..

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!