ترك برس

رأى الكاتب والباحث في الشأن التركي محمود علوش، أن أنقرة تطمح اليوم إلى توظيف الانفتاح الجديد على اليونان كدافع إضافية لإحداث خرق في جدار علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة.

وقال علوش إن العلاقات التركية اليونانية شهدت في السنوات الماضية توترات كبيرة كادت تتطور في بعض الفترات إلى مواجهة عسكرية بسبب النزاع على الحدود البحرية وتسليح اليونان لجزر بحر إيجه فضلاً عن محاولة بعض الدول الغربية مثل الولايات المتحدة وفرنسا توظيف هذه التوترات لتعميق علاقاتهما العسكرية مع أثينا ولزيادة الضغط الجيوسياسي على أنقرة.

وأوضح في مقال بصحيفة ديلي صباح أنه لحسن الحظ، أن النهج التركي، الذي وازن بدقة عالية بين استعراض القوة والدبلوماسية، كان حاسماً في تهدئة التوترات بشكل معقول منذ تلك الفترة والوصول اليوم إلى مستوى مُتقدم في العلاقات من خلال إعلان أثينا الذي صدر عقب زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى اليونان.

وتابع: "مما لا شك فيه أن الروح الإيجابية التي ذهب بها أردوغان إلى أثينا والعقلانية التي بدأت مؤخراً تزداد لدى القادة اليونانيين في مقاربة العلاقة مع تركيا، خلقت آفاقاً جديدة لدى البلدين، لكنّ العامل الحاسم الذي يجعل اليوم لغة الانفتاح والحوار هي السائدة يتمثل في الواقعية الجيوسياسية".

وأكد أن "تركيا، التي تعرّضت لضغوط غربية شديدة في السنوات الماضية، وواجهت تكتلاً إقليمياً مدعوماً من الغرب لعزلها في معادلة الطاقة في شرق البحر المتوسط، استطاعت في نهاية المطاف أن تُثبت أنها نقطة ارتكاز في المعادلة الجيوسياسية في شرق البحر المتوسط ولا يُمكن تجاهلها. كما أظهرت قدرتها على تحدي الأطروحات اليونانية المتطرفة في قضية الحدود البحرية ومحاولة تسليح جزر بحر إيجه. كما أن العلاقة الجيدة مع اليونان، هي البوابة الرئيسية لتركيا لإعادة إصلاح علاقاتها مع الغرب.

لأن البلدين لديهما خلافات عميقة وتاريخية وشديدة التعقيد ويصعب معالجتها بسهولة، مثل النزاع حول وضع جزر بحر إيجه والخلافات الحدودية البحرية والقضية القبرصية، فإنه من الحكمة وضع رهانات معقولة وواقعية على الوضع الجديد الناشئ في العلاقات.

بمعنى آخر، فإن خارطة الطريق التي تم الاتفاق عليها في إعلان أثينا والتي صُممت من أجل إدارة الخلافات في هذه القضايا والتركيز على المجالات التي يُمكن التعاون المشترك فيها على قاعدة رابح رابح، عكست هذه الرهانات الواقعية والمعقولة.

وعلى غرار النهج الذي اتبعته تركيا في عملية إعادة إصلاح علاقاتها الإقليمية خلال السنوات الثلاث الماضية، والذي ركّز على الاقتصاد بدرجة أساسية كبوابة للتعاون الإقليمي، فإن الاتفاق التركي اليوناني على رفع حجم التبادل التجاري من خمسة إلى عشرة مليارات دولار أمريكي والحفاظ على قنوات الاتصال مفتوحة والسعي إلى اتخاذ إجراءات عسكرية لبناء الثقة للقضاء على أسباب التوتر، يُمكن أن تُساعد في خلق بيئة مناسبة في المستقبل للبحث عن سبل التوصل إلى حلول للقضايا المعقدة".

وأردف الكاتب: "لقد أظهر كل من أردوغان ورئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكس في الآونة الأخيرة رغبة في تبني نهج إيجابي تجاه الآخر والانفتاح على الحوار كوسيلة لإدارة الخلافات. ويرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل المختلفة على رأسها أن أنقرة وأثينا توصلتا إلى قناعة مشتركة في سنوات التوتر الماضية مفادها أن التخلي عن نهج الدبلوماسية في التفاعل بينهما يزيد من تعقيدات العلاقات ويدفعها إلى مستويات خطيرة على غرار ما حصل في عام 2020.

كما أن أردوغان، الذي فاز في مايو أيار الماضي بولاية رئاسية جديدة لمدة خمس سنوات وميتسوتاكس الذي سيقود الحكومة اليونانية لولاية جديدة بعد فوز حزبه في الانتخابات التشريعية الأخيرة، بحاجة إلى إيجاد طريقة للعمل المشترك البناء. علاوة على ذلك، فإن أنقرة، التي تسعى منذ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو أيار الماضي إلى إعادة إصلاح علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بحاجة إلى إزالة عقبة أساسية أمام مساعيها والمتمثلة بالعلاقات المضطربة مع اليونان.

وبالنسبة لأثينا، فإنها تتعرض لضغوط متزايدة من جانب حلفائها الغربيين لتخفيف حدة التوترات مع تركيا خصوصاً أن الحرب الروسية على أوكرانيا أظهرت حاجة الغربيين إلى تهدئة خلافاتهم مع تركيا لمنع انجرافها بشكل متزايد نحو تعميق شراكتها مع روسيا. وعلى صعيد الصراع الجيوسياسي في شرق البحر المتوسط، والذي أوصل العلاقات التركية اليونانية إلى مرحلة مضطربة بشدة في السنوات الأخيرة، فإن نجاح تركيا في كسر محاولة عزلها في شرق المتوسط بعد إصلاح علاقاتها مع كل من مصر وإسرائيل، وضع اليونان في موقف صعب بعدما ضعفت رهاناتها على إضعاف تركيا في معادلة شرق المتوسط.

إن الخلافات التاريخية بين البلدين لا تغير من حقيقة أنهما جارين يتعين عليهما تحدي منطق التاريخ والجغرافيا من أجل التطلع بروح إيجابية إلى الحاضر والمستقبل. وما يُحاول القادة الأتراك واليونانيون فعله الآن، ليس رهاناًُ محسوم عليه بالفشل لأنّ محاولة من هذا القبيل جُربت في مطلع الألفية الثالثة وبعثت على التفاؤل لفترة من الوقت قبل أن تصطدم بفعل العوامل الغير مساعدة .

إن الروح الإيجابية التي ذهب بها أردوغان إلى أثينا هي امتداد قبل كل شيء للنهج الخارجي الجديد الذي بدأته أنقرة قبل نحو ثلاث سنوات ويهدف إلى تقليل عدد أعدائها الخارجيين وزيادة عدد أصدقائها. لذلك تتسم زيارة أردوغان اليونانية بكثير من الواقعية الجيوسياسية لجهة أن علاقات جيدة مع اليونان هي البوابة لعلاقات جيدة مع الغرب أيضاً.

بمعزل عن الصعوبات الكبيرة التي أدّت إلى وصول مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي إلى حائط مسدود في السنوات الأخيرة، فإن التوترات التركية اليونانية في السنوات الماضية لعبت الدور الأكثر تأثيراً في الديناميكية المتوترة للعلاقات التركية الأوروبية وبدرجة أقل التوترات التركية الأمريكية. تطمح أنقرة اليوم إلى توظيف الانفتاح الجديد على اليونان كدافع إضافية لإحداث خرق في جدار علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة.

ويُمكن ان يُساعد هذا الانفتاح في جانب في إضفاء مزيد من الإيجابية على المفاوضات التركية الأوروبية لتحديث اتفاقية التبادل الجمركي ورفع التأشيرة عن دخول الأتراك إلى دول الاتحاد الأوروبي. وكذلك، تأمل تركيا أن يؤدي هذا الانفتاح إلى دفع واشنطن للمضي قدماً في عملية بيعها مقاتلات إف ستة عشر".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!