سمية الحداد - خاص ترك برس

مع استمرار العدوان على غزة، والذي يعد أطول عدوان يشنه الكيان الصهيوني منذ تأسيسه، يتأجج الوجع لدى الشعوب المضطهدة والتي ذاقت معنى الحروب الطويلة وأدركت أثرها، وقد يكون السوريون بحكم قربهم من غزة بالموقع الجغرافي والنسيج المجتمعي وما يعانون منه من ويلات النزاع الطويل الأمد هم من أكثر الشعوب تقديراً لمعاناة أهل قطاع غزة الحالية، فما عايشه السوريون في حراكهم الذي انطلق في آذار 2011 ومازال مستمراً حتى الآن يتقاطع بشكل كبير مع ما يشهده أهالي القطاع، ومع تكراره في غزة تنتكئ جراحهم التي لم تندمل، يضاف إلى ذلك أن جميع ما سبق هو تكرار لوقائع عايشها أهالي مدينة حماة في شهر شباط 1982، حين قام حافظ الأسد في سبيل القضاء على ما أسماه حاضنة الإخوان المسلمين بارتكاب أبشع الجرائم بحق سكان هذه المدينة، واستحق أن يُنسب لها ما يسمى بقواعد حماة، وتعود هذه التسمية للصحفي الأمريكي توماس فريدمان الذي زار المدينة بعد إعادة فتحها وأطلق بناءً على مشاهداته مسمى قواعد حماة التي تعني بأنه "لا توجد قواعد على الإطلاق. حيث يمكنك أن تفعل أي شيء من أجل البقاء في السلطة، ولا تكتفى بهزيمة أعدائك، وإنما تقصفهم في بيوتهم، ثم تسويها بالأرض، حتى لا ينسى ابناؤهم ولا أبناء أبنائهم، ولا يخطر في أحلامهم ــ حتى ــ أن يتحدوك مرة أخرى." ثم عاد فريدمان إلى ذكر التسمية مع بدايات الحراك الشعبي ليشير إلى سير بشار الأسد على خطى والده حافظ الأسد وأطلق عليها اسم قواعد حماة الجديدة، ولم يكن في حينها في مخيلة أحد أن الأخير سيتفوق على والده بالوحشية، ثم أعاد فريدمان التطرق لقواعد حماة مشيراً إلى ما يقوم به الصهاينة في غزة الآن.

وهذا يدعم فكرة أن حكم نظام الأسد دون غيره من الأنظمة الفاشية في العصر الحديث بات منهجاً يتعلم منه مجرمو هذا العصر، وقد تفوق الأسد الابن على أبيه بمراحل كثيرة، وربما من الواجب علينا أن نكون موضوعيين ودقيقين قدر المستطاع في التمييز بين إجرام الثلاثة حافظ الأسد (في مجزرة حماة) وبشار الأسد (في الحراك الشعبي الممتد منذ آذار 2011 حتى يومنا هذا) والكيان الصهيوني (في عدوانه الأخير على قطاع غزة) في ظلّ الاختلافات الجوهرية سواء في الزمان والمكان والغاية وغيرهم.

في المقارنة بين الحوادث الثلاث، التي سترد لاحقاً، لا أبغي تمييز نظام عن الآخر أو المقارنة بينهم من حيث ارتكابهم للانتهاكات بحق المدنيين، فمثل هذه المقارنة قد يكون غير سليم، لكن اجتماع هذه الأنظمة على تطبيق قواعد حماة دفعني كناشطة في مجال حقوق الإنسان وابنة لمدينة حماة لسرد موجز لما عرفته من هذه الانتهاكات بصوت مرتفع عوضاً عن تركها تجول في فكري وفكر الكثير من السوريين والفلسطينيين.

المدة الزمنية للعمليات العسكرية: هناك فارق كبير في المدة الزمنية التي استغرقتها الوقائع الثلاثة، فمجزرة حماة استمرت 27 يوماً قبل أزيد من أربعة عقود، وطوفان الأقصى مستمر منذ أزيد من 5 شهور، أما الحراك الشعبي في سوريا فهو مستمر منذ قرابة 155 شهراً، وهذا يشكل فارقاً في تقدير حجم الانتهاكات المرتكبة، وفي هذا الخضم لا بد من التوقف على سمات مواقع ارتكاب هذه الانتهاكات.

سمات المناطق التي شهدت العمليات العسكرية: لا يمكن إغفال نقطة جوهرية عند استعراض هذه الحوادث وهي أن حافظ الأسد وابنه مارساها على أراضي البلاد التي يحكمونها أي ضد شعوبهم ومواطنيهم، أما الكيان الصهيوني فمارسته على أراض لا تخضع لحكمها وضد شعب تعاديه، ومن المهم الأخذ بعين الاعتبار قدر اختلاف الكثافة السكانية في المناطق التي شهدت هذه الحوادث ففي حين يُعتبر قطاع غزة الأكثر كثافة سكانية بينهم تأتي مدينة حماة تالياً ثم المناطق التي شهدت عمليات عسكرية لقوات النظام السوري منذ عام 2011. ولا بد لهذا الأمر من أن يظهر أثره في حجم الانتهاكات المرتكبة التي سنستعرض أبرزها تالياً.

القتل خارج إطار القانون: هو أبرز انتهاك مارسه كلاً من نظام حافظ الأسد في مدينة حماة ونظام بشار الأسد في سوريا والكيان الصهيوني في قطاع غزة، ورغم تعدد أساليب القتل لكن النسبة الأكبر من ضحايا هذه الأنظمة قضوا في الهجمات العسكرية عموماً.

قام حافظ الأسد بقصف مدينة حماة ودك المنازل على رؤوس قاطنيها ثم إعدام المئات عند اقتحامه المدينة دون تمييز بين كبير وصغير أو أنثى وذكر والتمثيل ببعض الجثامين وحرقها وقطع أيادي النساء وبقر بطون الحوامل، وبشار الأسد لم يختلف عن والده بل تفوق عليه باستخدام أسلحة أكثر فتكاً، وكذلك الكيان الصهيوني في معركته الحالية في قطاع غزة حيث عمد إلى قصف القطاع من الأرض ومن الجو بذخائر شديدة الانفجار وأسفر القصف المكثف على القطاع بوقوع مجازر عدة يومياً وهي ذات السياسة التي مارسها بشار الأسد عند حصاره لبعض المناطق لاستعادة السيطرة عليها كالغوطة الشرقية وأحياء حمص القديمة وهذا ما يسمى بسياسة "الأرض المحروقة".

يبرر الكيان الصهيوني ارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين بأن حماس تستخدمهم كدروع بشرية وبأنه يُطلق تنبيهاً للأهالي وبالتالي لا يوجد مدنيين في المناطق التي يقصفها، علماً بأن المدة الزمنية المتاحة غير كافية للإخلاء عدا عن السبب الرئيس وهو عدم وجود مكان آمن يذهب إليه المدنيون، في سوريا لم يطلق النظام السوري وموالوه أي تنبيه قبل هجماته وذلك بغية تحقيق أكبر قدر من الخسائر البشرية. قد يكون القتل أقسى الانتهاكات لكن الاخفاء القسري هو أطولها أمداً وأعمقها أثراً.

الاعتقال والاخفاء القسري: في هذا الصدد لا يمكننا التمييز بين الأطراف الثلاثة فجميعهم يداهمون المساكن ويعتقلون دون مذكرات اعتقال وبطريقة وحشية مهينة ودون تمييز بين مدني ومقاتل أو طفل وسيدة وكهل ورجل ويمنعون المعتقلين من التواصل مع ذويهم، أو تتم عمليات الاعتقال على الحواجز.

تمتاز معتقلات نظام الأسد بغياب الظروف الصحية ما يزيد من معاناة المعتقلين ويتسبب بموتهم أحياناً جراء الجوع والمرض، ويتحول معظم المعتقلين لدى نظام الأسد إلى مختفين قسرياً لا تتوفر أي معلومات عنهم إلا ما قد يتسرب عن المفرج عنهم.

لم يكن بشار الأسد أقل وحشية من والده فقد شهد ما يخلفه الاختفاء القسري على المجتمع من إرهاب وآثار لا تزول بمرور الزمن فعمد لاستخدام هذا السلاح بوحشية مفرطة.

في قطاع غزة، تشير منظمات حقوقية فلسطينية إلى أن معتقلي القطاع يتعرضون لسوء المعاملة والاحتجاز في ظروف غير إنسانية مع منع اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمحامين من زيارة المعتقلين، وقد عدلت سلطات الاحتلال الأوامر العسكرية والقوانين بما يخدم احتجاز أكبر عدد من المعتقلين ولفترات طويلة دون اتخاذ أي إجراء قانوني بحقهم. أود الإشارة هنا إلى تلازم عمليات الاعتقال مع تعذيب المعتقلين مما يفاقم من أثر الاعتقال.

التعذيب: استخدم نظام الأسد التعذيب كوسيلة لنزع الاعترافات وترهيب المجتمع وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن كلاً من الأسد الأب والابن هما من أكثر الأنظمة وحشية في العصر الحديث في التعامل مع المعتقلين داخل مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري والتي تفتقر لأي مقومات إنسانية مع الحرمان من الغذاء والطبابة اللازمة.

أكد معظم المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم من معتقلات نظام الأسد (الأب والابن) وقوع وفيات بسبب التعذيب بشكل شبه يومي أمامهم وانتشار الأوبئة أحياناً دون أن يتلقوا العلاج اللازم بل ودون أن تتوقف عمليات التعذيب حتى في حال نقل المعتقل إلى المشفى.

قام نظام بشار الأسد بتعذيب كافة فئات المعتقلين لديه دون تمييز بين رجل وسيدة وبين طفل وكهل ولم يتوقف الأمر عند اعتقالهم بل تعذيبهم أمام ذويهم أو تعذيب ذويهم أمامهم لانتزاع الشهادات منهم، عانى الأطفال والنساء أيضاً من التعذيب ومن الجوع حالهم كحال البالغين. وتعتبر الصور التي سربها عسكري منشق لُقّب بـ "قيصر" لضحايا تعذيب في معتقلات نظام بشار الأسد إلى خارج سوريا، أكبر دليل على فداحة ما يتعرض له المعتقلون داخل مراكز الاحتجاز فجميعهم يعانون من الهزال الشديد حتى تغيرت ملامح وجوههم وتظهر عليهم آثار تعذيب شديد.

لم يتوانَ الكيان الصهيوني عن ممارسة التعذيب بحق معتقلي قطاع غزة وقد تحدثت بعض المصادر عن وفاة أربعة أشخاص داخل مراكز الاحتجاز وهناك حديث عن عمليات اعدام داخل المعتقلات، إضافة إلى اعتقال سيدات تعرضن للتحرش الصريح والضرب والتنكيل، ورغم ذلك فإن وحشية الكيان الصهيوني لم ترقَ إلى نفس درجة نظام الأسد في وحشية عمليات التعذيب.

الانتهاكات بحق الكوادر الطبية والإعلامية: اعتمد نظام الأسد دوماً على كبت الحريات وعدم وجود إعلام خارجي على أراضيه إلا تحت شروط قاسية واعتقل العشرات من الصحفيين والناشطين الإعلاميين الذين قضى العديد منهم تحت التعذيب، لم يختلف الوضع كثيراً في مجزرة حماة التي كان التعتيم الإعلامي لها أبرز معالمها ليتشفي حافظ الأسد بأهالي حماة بيد من حديد وهذا ما صعّب عملية توثيق الانتهاكات التي مورست في المدينة حتى يومنا هذا. يمتاز الكيان الصهيوني عن نظام الأسد بأنه ورغم التضييقات التي يمارسها على الإعلام وعمليات القتل بحق الإعلاميين إلا أنه سمح بوجود إعلام ذو خطاب مغاير أو معاكس لخطابه على أراضيه وبموافقته.

استخدمت الأنظمة الثلاثة الإعلام كسلاح لصالحهم عبر نشر الروايات الكاذبة التي تبرر أفعالها وتنسبها لأطراف أخرى أحياناً. وقد تلقى الكيان الصهيوني دعماً كبيراً في حربه الأخيرة من قبل شركة ميتا التي أزالت مئات المنشورات الداعمة لفلسطين من على منصاتها في فيسبوك وانستغرام.

لم تكتف الأنظمة الثلاث بقتل المدنيين في أماكن وجودهم بل تعمدت قصف النقاط الطبية الذين يتم نقلهم إليها وقتل الكوادر الطبية وإلحاق أكبر الضرر بالبنى الطبية، حتى تغدو العشرات من هذه النقاط غير قادرة على القيام بدورها ويفاقم الحصار الذي يتم فرضه من سوء الأوضاع فتغدو اللوازم الطبية شحيحة ما يرفع من نسبة الوفيات بين الجرحى وفي أحيان كثيرة الاضطرار لإجراء عمليات لهم بدون مخدر، يضاف إلى ما سبق اقتحام قوات هذه الأنظمة النقاط الطبية واعتقال الكوادر الطبية والجرحى وتخريب المعدات الطبية. وقد عمدت الأنظمة الثلاثة إلى قتل أو اعتقال أكبر عدد ممكن من الكوادر الطبية في سبيل تحقيق الشلل في هذا القطاع الهام خلال العمليات العسكرية. كما ذكرنا فإن الحصار يخلف آثاراً كارثية على المدنيين ولا بد هنا من الاستفاضة قليلاً في الحديث عنه.

الحصار ومنع دخول المساعدات الإنسانية: استخدمت الأنظمة الثلاثة التجويع كسلاح حرب بالتزامن مع عملياتها العسكرية حيث فرض نظام حافظ الأسد الحصار على مدينة حماة كما فعل الكيان الصهيوني في قطاع غزة، وقد صرح مسؤولون كبار في الكيان عن نيّتهم حرمان المدنيين في غزة من الغذاء، والمياه، والوقود، حتى بات 93٪ من سكان غزة يواجهون مستويات غير مسبوقة من الجوع. أما نظام بشار الأسد فاقتصر الحصار على بعض المناطق وذلك للطبيعة الجغرافية الممتدة وتعدد الجهات المسيطرة ومن أبرز المناطق التي مورس فيها الحصار أحياء حمص القديمة والغوطة الشرقية في ريف دمشق وأحياء حلب الشرقية وهذا ما أسهم بقوة في تحقيقه نتائج عسكرية لصالحه واستعادة السيطرة على تلك المناطق. لم تقتصر عمليات الحصار على السوريين فقط بل تعداها لمهجري فلسطين عام 1948 حيث تعرض مخيم اليرموك في محافظة دمشق للحصار والقصف ما تسبب بمقتل المئات منهم.

إن منع دخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة لا ينحصر تأثيره على الأطفال والكهول فقط بل يتعداه إلى أصحاب الأمراض المزمنة الذين يحتاجون العلاج بشكل متواصل بالإضافة للجرحى، وقد سجلت في سوريا حالات وفاة بسبب الجوع ونقص الرعاية الصحية بعد عام 2011، كما توفي عشرات المدنيين في قطاع غزة جراء ذلك. جميع ما ذكر سابقاً يولد حركات نزوح هرباً من بطش الأنظمة فكان سمة بارزة في الحوادث الثلاث.

النزوح: دفعت الانتهاكات التي مورست بحق المدنيين والتي تم استعراض أبرزها باقتضاب أعلاه الآلاف حتى الملايين إلى النزوح، خلال مجزرة حماة كانت عمليات النزوح قليلة جداً من المدينة بسبب إغلاق المدينة لكن هاجر الآلاف من السوريين خارج البلاد قبل وبعد وقوع هذه المجزرة خشية بطش النظام بهم ولكونهم مطلوبين من قبله.

في النزاع الأخير في سوريا حصلت موجات نزوح وهجرة كبيرتين جراء العمليات العسكرية لكل الأطراف الفاعلة والذي كان نظام بشار الأسد وحليفيه الروسي والإيراني أبرز المتسببين بها. يتركز معظم النازحين في سوريا حالياً في شمال غرب البلاد ويعيشون في خيام أو أبنية غير مؤهلة للسكن ويعتمد معظمهم على المساعدات الإنسانية، وبناء على ما تعلنه المنظمات الحقوقية المحلية والدولية فقد تمكن النظام السوري من تشريد أزيد من نصف السوريين.

في قطاع غزة كان الوضع أسوأ حالاً فعمليات النزوح بحثاً عن مناطق أكثر أمناً لا تتوقف وبشكل خاص من شمال القطاع إلى جنوبه الذي بات غير قادر على استيعاب النازحين حيث باتت الكثافة السكانية في بعض المناطق تتجاوز 12,000 شخص/ الكيلومتر المربع وبدأت الأوبئة بالانتشار بينهم جراء كثافة عددهم وانخفاض الرعاية الصحية المقدمة لهم، فضلاً عن السيناريوهات المطروحة لتهجيرهم من القطاع. بعد الحديث عن أشد الانتهاكات أثراً على الأهالي لا بد من التعريج على ما ارتكبته الأنظمة الثلاث من اعتداءات على الأعيان المدنية.

الاعتداء على الأعيان المدنية ومصادرة الممتلكات: لم تميز الأنظمة الثلاثة بين منشأة وأخرى فقصفت ودمرت واقتحمت وحرقت المدارس ودور العبادة والمشافي ومراكز الدفاع المدني وغيرها من الأعيان المدنية، ودمرت التراث الثقافي في المناطق التي هاجمتها.

كما اتبعت سياسة التفجير والتجريف فكما عمد نظام حافظ الأسد لتجريف منازل وأحياء بأكملها وانتهاك حرمات دور العبادة والمقابر فعل بشار الأسد ولم يتورع الكيان الصهيوني عن ذلك. كما قام نظام بشار الأسد بالاستيلاء على بعض المنشآت وتحويلها لمعتقلات أو لثكنات له.

في سوريا، صادر كل من نظام الأسد الأب والابن أراضي وممتلكات الأهالي وعلى وجه الخصوص ممتلكات معارضيهما، وقاما بعمليات نهب ممنهجة في المناطق التي دخلا إليها. أما الكيان الصهيوني فالهدف الرئيس لممارساته هي السيطرة على الممتلكات الفلسطينية ولم يتورع عن فعل أي شيء في سبيل ذلك ليمنحها لاحقاً للصهاينة، كما قام بعمليات نهب وسرقات خلال عمليات المداهمة.

لم تقتصر الاعتداءات على المنشآت فقط بل تعدتها للأراضي الزراعية وعلى وجه الخصوص من قبل نظام بشار الأسد، كما قام الكيان الصهيوني بتجريف أراض زراعية في القطاع إمعاناً بالضرر الذي سيلحق المدنيين.

استخدام الأسلحة العشوائية: لا تتوفر لدينا معلومات دقيقة حول الأسلحة التي استخدمها حافظ الأسد في مجزرة حماة عدا أنه استخدم الهجمات الجوية والأرضية فيها، أما بشار الأسد فقد استخدم الأسلحة العشوائية، كالبراميل المتفجرة وصواريخ الفيل وجميعها أسلحة مصنعة محلياً بطرق بدائية تهدف لإيقاع أكبر الضرر في أي مكان تسقط فيه.

تحدثت تقارير استخبارية أمريكية أن 40-45٪ من القذائف التي استخدمها الكيان الصهيوني في معركته الأخيرة هي قنابل غبية غير موجهة ما يسهم في ازدياد عدد الضحايا المدنيين في منطقة مكتظة بالسكان. قد تكون الأسلحة العشوائية هي الأكثر استخداماً في الحوادث الثلاث لكن لا بد من الحديث عن الأسلحة المحرمة دولياً.

استخدام الأسلحة المحرمة دولياً: لم يستخدم حافظ الأسد الأسلحة المحرمة (ربما لصغر مساحة مدينة حماة) على العكس من ابنه الذي لم يتوانى عن استخدام هذه الأسلحة فاستخدم السلاح الكيماوي والعنقودي والحارق بكثافة طوال سنوات وجلّ هذه الهجمات على مناطق بعيدة عن خطوط التماس، ولا بد من التذكير هنا بمجزرة الغوطة التي تعد من أكبر الهجمات بالسلاح الكيميائي في عصرنا هذا والتي نفذها نظام بشار الأسد في 20/ آب/ 2013.

من المهم التنويه إلى أن ما ذكر سابقاً هو ما قام به نظام بشار الأسد دون ذكر لما قام به حليفه الروسي من انتهاكات خطيرة لا تقل كثافة وأهمية عنه، إضافة لتزويده النظام السوري بمختلف الأسلحة التي استخدمها في هجماته ضد المدنيين.

استخدم الكيان الصهيوني الفوسفور الأبيض في بعض هجماته على قطاع غزة، لكن لم يتم التطرق لاستخدامه السلاح الكيميائي والعنقودي في هذه الحملة العسكرية.

بعد كل ما سبق يتراود إلى ذهننا سؤال عن ما لاقته هذه الحوادث من ردود أفعال سواء كانت شعبية أو دولية.

ردود الأفعال الشعبية: لم تحظ مجزرة حماة بالتفاعل الشعبي جراء التعتيم الإعلامي حولها وقصر مدتها نسبياً، على عكس ما حصل في النزاع في سوريا والهجوم الأخير على غزة، وإن كان من الواجب عدم المقارنة بينهما فعلى الرغم من طول أمد النزاع السوري ما خفف من تعاطف شعوب العالم بمرور الوقت إلا أنها ماتزال تلقى بعضه، والقضية الفلسطينية هي قديمة ومتجذرة والمعتدي هو كيان محتل على رمز ديني ما يحتم على الشعوب التفاعل تلقائياً في سبيل وقف الهجوم الوحشي على قطاع غزة والخروج بمظاهرات منددة به ومطالبة بإيقافه ومحاسبة القتلة.

ردود الأفعال الدولية: لم تلق مجزرة حماة أي تفاعل دولي أو حتى التحقيق فيها لتفعيل المحاسبة فعلى الرغم من سقوط او اختفاء الاف الضحايا وحجم الدمار المهول في المدينة والذي يمكن لحظه حتى في يومنا هذا، إلا أن حافظ الأسد ومعظم من شارك معه في هذه المجزرة توفوا دون أن يخضعوا للمحاسبة.

تلقى نظام بشار الأسد دعماً غير محدود من قبل روسيا والصين العضوان الدائمان في مجلس الأمن عبر استخدام حق النقض (الفيتو) ضد اتخاذ أي قرار بحقه، وضد إحالة الملف السوري تحت الفصل السابع إلى محكمة الجنايات الدولية، واقتصرت المحاكمات تلك القائمة على مبدأ الولاية القضائية العالمية ضد بعض أفراد من هذا النظام.

أما الكيان الصهيوني فقد تلقى منذ نشأته دعماً غير محدود من قبل بعض الدول وعلى وجه الخصوص من الولايات المتحدة الأمريكية التي استخدمت حق النقض الفيتو لصالح الكيان الصهيوني دوماً، كما قامت بتزويده بمختلف الأسلحة.

خلاصة ما سبق أن الأنظمة الثلاثة وعلى تباين ممارساتها هي أنظمة ديكتاتورية شاملة لا تعنيها حقوق الإنسان ولا تلتزم بأية مواثيق، وأن الكيان الصهيوني تلقن دروساً من نظام الأسد ونهل ما يمكن نهله وثلاثتهم يتشابهون في ارتكابهم انتهاكات ترقى لأن تكون جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب لكنهم مغيّبون عن المحاسبة بفعل الإرادة الدولية ما أسهم في تماديهم وتسلطهم واستمرار معاناة المدنيين حتى يومنا هذا.


**بقلم الناشطة السورية في مجال حقوق الإنسان سمية الحداد

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!