ترك برس
في كتابه "الشوك والقرنفل"، يقدم الشهيد يحيى السنوار، أحد أبرز قادة المقاومة الفلسطينية، رؤية عميقة ومعقدة للصراع الفلسطيني، حيث يدمج بين تجارب الشخصية وآمال الشعب في التحرر، وتتجاوز أفكاره حدود الواقع السياسي لتصل إلى جوهر المعاناة الإنسانية التي عاشها الفلسطينيون لعقود.
وفي مقال له بصحيفة يني شفق، أشاد الكاتب والإعلامي التركي سلجوق تورك يلماز، إلى توالت تصريحات الرئيس الأمريكي والمرشح الرئاسي، ووزير الخارجية الأمريكي بعد انتشار خبر استشهاد يحيى السنوار، معبرين عن فرحتهم بهذا الخبر. مع أن يحيى السنوار كان رئيسًا منتخبًا لحزب سياسي شرعي وفقًا للنظام الذي أنشؤوه، فقد شاركت حماس في الانتخابات في غزة وحققت فوزًا كبيرًا في صناديق الاقتراع.
ولكن لم تعترف الولايات المتحدة ولا بريطانيا ولا إسرائيل بنجاح حماس. وكان هذا مؤشرا بالغ الأهمية، إذ بدا واضحاً أنهم قد اتخذوا موقف العداء تجاه الشعب الفلسطيني. ولم يقدموا للفلسطينيين أي خيار سوى الخضوع والاستسلام، ولكن حتى هذا لم يكن خيارًا حقيقيًا، بل كان واضحًا تمامًا أن الفلسطينيين لم يكن أمامهم سوى مغادرة غزة والضفة الغربية. وفقا للكاتب التركي.
يقول تورك يلماز إنه يجب أن يُنظَر إلى هذا الوضع على أنه نتاج السياسة الأمريكية والبريطانية. فمنذ البداية، كان مشروع إقامة "الدولة اليهودية" على أرض فلسطين مشروعًا أنجلوسكسونيًا. وهذا ما أكدته مؤخراً الاحتفالات الأمريكية بخبر استشهاد يحيى السنوار. لقد أظهر الأمريكيون، مدى تورطهم العميق في هذه الحرب قبل الإسرائيليين. ولم يكن البريطانيون بأقل منهم.
وتابع المقال:
سنولي اهتماماً أكبر بالطبع لمشاعر الفرح التي شعر بها البعض وما تعنيه، وكذلك الحال لمن غمرهم الحزن العميق. لكن الأكثر أهمية من كل ذلك هو فهم نضال أمثال يحيى السنوار. لقد صمدت "القضية الفلسطينية" كفكرة لأكثر من قرن في مواجهة الأيديولوجيات التوسعية للأنجلوساكسونيين والصهاينة اليهود. ولم يكتفِ الفلسطينيون بتطوير أشكال جديدة من المقاومة في كل جيل، بل أخرجوا من بينهم قادة عظماء يقودون هذا النضال. فمنذ القادة المؤسسين مثل الحاج أمين الحسيني وعز الدين القسام، أنتجت القضية الفلسطينية رجالاً أقوياء، غرسوا بنضالهم أفكاراً جديدة فيمن حولهم. ويُعد يحيى السنوار، الذي كتب رواية "الشوك والقرنفل"، أحد هؤلاء الرجال. ولا شك أن استشهاده سيترك شعوراً عميقاً بالفراغ والوحدة لدى كل من يؤمن بهذه القضية. ولكن لا ريب أن هذا الشعور سيكون مؤقتًا، فالقضية الفلسطينية تجاوزت القرن في وجودها، وقد نجح الفلسطينيون في أحلك الظروف في مواصلة مسيرتهم بقيادة زعماء جدد في كل مرة.
لقد أدت صرخات الفرح غير المنضبطة من الأمريكيين إلى التفكير في أشياء مختلفة حول يحيى السنوار وحماس. ويبدو لي أنهم، مثل الإسرائيليين، يحاولون الهروب من مواجهة الخوف من الهزيمة. وفي سبيل قمع هذا الخوف، دمر الصهاينة اليهود، صورة "اليهودي" التي بنوها على مدى أكثر من مئة عام، وذلك خلال سنة واحدة فقط بعد 7 أكتوبر. مما أذهل حتى أولئك الكتاب الأتراك الذين لم يترددوا في التعبير عن ولائهم للأدبيات التي تمحورت حول مفاهيم "الحوار" و"السلام" منذ التسعينيات. ولم تنهار فقط الصورة النمطية "اليهودية"، بل انهار النظام الأنجلوسكسوني بأكمله. ويبدو أن الأمريكيين يعانون من خوف شديد. ففي النهاية، غزة ليست سوى أصغر ساحة حرب في العالم، ولكنها قد أنجبت عمالقة.
لا يمكننا بالطبع أن ننسب التغيرات الهائلة التي ظهرت في العام الماضي إلى يحيى السنوار وحده. فالمقاومة ليست مقتصرة على حماس فقط. واليوم يستشهد جميع الفلسطينيين بشكل جماعي فداء للوطن الذين ضحوا بحياتهم من أجله كأمة. لذا فإن نسبة التغيرات التي حدثت في العام الماضي إلى اسم شخص واحد يُعتبر ظلمًا. ولكن، إذا لم نوف هذا المحارب العظيم حقه، سنكون قد أغفلنا مسؤولياتنا التاريخية. بالإضافة إلى ذلك، كما أن يحيى السنوار أصبح شخصية تاريخية تجسد الشعب الفلسطيني وتؤدي دور ممثل القضية الفلسطينية. ويجب علينا أن ندرك أن ذلك لا يكفي. ويتضح من صرخات الفرح التي لن يستطع أعداؤه إخفاءها أنهم يرون في شخصه تمثيلًا لجغرافيا واسعة. إذن، في أي مرتبة ينبغي تقييم وفهم الشهيد يحيى السنوار؟
يمكن تقديم أجوبة متنوعة لهذا السؤال، إلا أنني أعتقد جازمًا أن السنوار قد حجز لنفسه مكانًا مرموقًا بين صفوف عمالقة التاريخ أمثال عبد القادر الجزائري والأمير عبد الكريم وعمر المختار. فقد ضحى هؤلاء الرجال الأعلام، الذين تركوا بصمات خالدة في تاريخ الجزائر والمغرب وليبيا، بحياتهم دفاعًا عن عن الأراضي الإسلامية في منطقة البحر الأبيض المتوسط. واليوم، ينضم إليهم يحيى السنوار ليكمل مسيرتهم النضالية. ولا شك أن الفلسطينيين وسكان قلب العالم الإسلامي سيستلهمون من سيرة هذا المجاهد العظيم دروسًا قيمة، وعبرًا بالغة الأثر.
إن قراءة روايته "الشوك والقرنفل" والتأمل فيها واجب يقع على عاتقنا جميعًا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!