
غزوان مصري - خاص ترك برس
مع بداية انطواء صفحة الحرب في سوريا، يبرز سؤال مركزي لدى الفاعلين الاقتصاديين في الإقليم: ما دور ودافعية الشركات العربية والتركية في مرحلة إعادة الإعمار؟ بعد أكثر من عقد من النزاع، بات من الواضح أن سوريا تحتاج إلى خطة إعادة إعمار شاملة، تتضمن إعادة بناء البنية التحتية، وتحريك عجلة الاقتصاد، واستيعاب ملايين النازحين واللاجئين.
في هذا السياق، تبرز الشركات العربية والتركية بوصفها شريكًا طبيعيًا واستراتيجيًا في هذه المرحلة الجديدة، نظرًا لما تمتلكه من مزايا لوجستية وجغرافية ومالية وتكنولوجية، إضافة إلى الخبرات الطويلة في السوق السوري. تتمثل أبرز القطاعات الواعدة أمام هذه الشركات في ستة مجالات رئيسية: الزراعة، الصناعات الغذائية، مواد البناء، الصحة والتعليم، الطاقة المتجددة، والبنية التحتية.
في القطاع الزراعي، هناك حاجة لتطوير شبكات الري الحديثة ومرافق التخزين والنقل، إلى جانب الاستثمار في إنتاج الحبوب والخضار والفواكه، وتربية المواشي. وهذا يفتح الباب أمام تعاون استراتيجي بين المستثمرين العرب والأتراك والمزارعين السوريين، خاصة في المناطق الزراعية من البلاد. أما في مجال الصناعات الغذائية، فهناك فرص واسعة لإنشاء مصانع حديثة لتعبئة وتعليب المنتجات الزراعية واللحوم والألبان، وتصديرها عبر الموانئ السورية أو من خلال الشراكة مع تركيا نحو الأسواق الخليجية والعالمية.
قطاع مواد البناء يُعد من أكثر المجالات احتياجًا، حيث تشير التقديرات إلى حاجة البلاد لأكثر من 1.5 إلى 2 مليون وحدة سكنية خلال السنوات المقبلة. وهنا تبرز فرصة كبرى أمام الشركات المتخصصة في إنتاج الإسمنت، الحديد، السيراميك، وأنظمة البناء الجاهز، سواء كانت عربية أم تركية، لما تمتلكه من قدرات وخبرات ومزايا تنافسية.
ولا يقل قطاعا الصحة والتعليم أهمية، مع الحاجة الماسة لإعادة تأهيل المستشفيات والمدارس وتجهيزها بالوسائل الحديثة، وكذلك تطوير برامج التعليم المهني والفني، خاصة في مجالات الصناعة والطاقة والبناء. في ظل الانقطاعات الواسعة في الكهرباء، يبرز قطاع الطاقة المتجددة كخيار استراتيجي. فالمناخ السوري يسمح بإقامة مشاريع ضخمة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، يمكن أن تغذي مناطق واسعة وتقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ما يفتح المجال أمام استثمارات من الخليج والمغرب وتركيا في هذا القطاع.
أخيرًا، فإن إعادة تأهيل شبكات النقل والمرافئ وتطوير المراكز اللوجستية على الحدود مع دول الجوار، يمثل فرصة ذهبية لإعادة ربط سوريا بالأسواق الإقليمية والدولية. لكن، كي تتحقق هذه الرؤية، لا بد من توفر بيئة استثمارية مشجعة. ويشمل ذلك تقديم حوافز ضريبية وإدارية، وتسهيل تسجيل الشركات، وتوفير الضمانات القانونية. كما ينبغي تأسيس مجالس أعمال سورية – عربية – تركية مشتركة، وتنشيط آليات التمويل غير التقليدية، مثل الصكوك الإسلامية، صناديق التنمية الخليجية، أو رؤوس أموال المغتربين.
إن مشاركة الشركات العربية والتركية في إعادة إعمار سوريا ليست مجرد فرصة اقتصادية، بل مسؤولية تاريخية وإنسانية، وفرصة لإرساء السلام والاستقرار الدائم في المنطقة. ومن هذا المنطلق، فإن على الحكومات والمؤسسات الاقتصادية في العالم العربي وتركيا أن تتحرك سريعًا لتأطير هذه الشراكة، واستثمار هذه اللحظة لبناء مستقبل مشترك أكثر ازدهارًا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس