
ترك برس
في أعقاب مراسم نزع السلاح التي أُجريت في السليمانية يوم 11 يوليو 2025، أثار خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال معسكر حزب العدالة والتنمية في قزلجه حمام جدلًا واسعًا، حيث تناول فيه فكرة الأخوة بين الأتراك والأكراد والعرب، واعتبر مدن إسطنبول ودمشق وأربيل وكركوك والموصل وديار بكر مدنًا مشتركة لهذه الأمم الثلاث.
في مقال نشرته مجلة برسبكتيف التركية، استعرض الكاتب والخبير مسعود يغان، تحليلا حول السياق الجيوسياسي لخطاب الرئيس أردوغان، مؤكدا أنه لاحظ عدم ذكر أردوغان لهذه الأمم الثلاث (الأكراد والأتراك والعرب) بالترتيب ذاته الذي استخدمه الضابط والدبلوماسي البريطاني سيسيل جون إدموندز في كتابه الصادر عام 2003 عن دار أفستا. وأضاف أن هذا الكتاب يُعد مرجعًا مهمًا للمهتمين بالتاريخ القريب للأكراد ودبلوماسية المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى، مشيرًا إلى عمل إدموندز في إيران ثم العراق.
وقال الكاتب إن الخطاب كان مهمًا لأنه أظهر تبني أردوغان الواضح لـ"العملية" وقيادته لها، لكنه أعرب عن عدم اقتناعه بوصف الخطاب بالتاريخي. وأضاف أن الخطاب أثار ردود فعل واسعة رغم أن أردوغان سبق أن وصف الأتراك والأكراد والعرب بأنهم إخوة، كما فعل دولت بهجلي حين تحدث عن أخوة الأتراك والأكراد. وأشار إلى أن الجدل المثار يعود إلى توقيت الخطاب المرتبط بمراسم نزع السلاح، وإعلان أردوغان أن المدن الست المذكورة هي مدن مشتركة لهذه الأمم.
وأوضح الكاتب أن ردود الفعل على خطاب أردوغان تنوعت، حيث رأى البعض أن الهدف هو تجنيس السوريين لكسب أصواتهم، واعتقد آخرون أنه محاولة لاستعادة حدود الميثاق الوطني أو إحياء العثمانية، بينما اقترح فريق ثالث أن أردوغان يستعد لتبني سياسة الأخوة الأممية. لكنه أكد أنه لم يقتنع بهذه التفسيرات، وقرر تحليل ما يكمن "فعليًا" وراء تصريحات أردوغان.
في تفنيده لفرضية تجنيس السوريين، قال الكاتب إن تجنيس حوالي 3 ملايين سوري لتحويلهم إلى ناخبين لصالح حزب العدالة والتنمية أمر صعب، خاصة بعد انتهاء الحرب في سوريا، ومع حساسية قضية إقامة السوريين قبيل انتخابات 2028 الصعبة. وأضاف أن فرضية الأخوة الأممية أضعف، لأن أردوغان وحزبه يدركان أن فكرة وحدة الأمة أو أخوة المسلمين ليس لها صدى في السياسة الإقليمية بسبب الجغرافيا والتقاليد والتبعيات السياسية. وأشار إلى أن الإسلاموية كتصور للوحدة السياسية ليست منطقية في الوقت الحالي، مستحضرًا كتابات جميل آيدن كمرجع مفيد.
كما رفض الكاتب فرضية العثمانية، قائلًا إن أردوغان وحزبه يعلمان أن المتشوقين للعثمانية قليلون، وأن تكاليف إحيائها قد تكون باهظة. وأضاف أن إشارات توم باراك إلى العثمانية تُقرأ على الأرجح كتذكير بالعيش المشترك دون صراع. أما فرضية الميثاق الوطني، فقال إنها تناسب تصريحات بهجلي أكثر، لأن الميثاق الوطني يشمل الأراضي التي يقطنها الأتراك والأكراد فقط، بينما خطاب أردوغان يضم العرب، مما يشير إلى رؤية أوسع.
وحول السياق الجيوسياسي، أوضح الكاتب أن العرب المقصودين في خطاب أردوغان هم السنة في العراق وسوريا، وليس كل العرب. وقال إن فكرة الأخوة هذه ترتبط بالفراغ الجيوسياسي الناتج عن انسحاب إيران من سوريا والعراق بعد انهيار محور المقاومة. وأضاف أن هذا الفراغ، الذي ملأته تركيا وإيران سابقًا، أصبح كبيرًا، مما دفع تركيا إلى اقتراح الأخوة مع الأكراد، ثم مع الأكراد والعرب السنة. وأكد أن خطاب أردوغان يهدف إلى ملء هذا الفراغ بطريقة يمكن لتركيا استيعابها، وإلا فإن هذا هو الاقتراح البديل.
واختتم الكاتب بثلاث نقاط: أولًا، أن الدولة التركية لا يمكنها تجاهل الفراغ الجيوسياسي، مما يتطلب من القادة المستقبليين تطوير اقتراحاتهم. ثانيًا، أن إضافة العرب إلى أخوة الأتراك والأكراد تعني أن الأخيرة ستكون خاضعة للرقابة ومتوازنة. وثالثًا، أن الاختلاف بين رؤية بهجلي لأخوة الأتراك والأكراد ورؤية أردوغان لأخوة الأمم الثلاث لا يزال قائمًا.
ويظهر مقال الكاتب أن خطاب أردوغان في قزلجه حمام يعكس استراتيجية تركية للتعامل مع الفراغ الجيوسياسي في سوريا والعراق بعد انسحاب إيران. بعيدًا عن التفسيرات التقليدية مثل العثمانية أو الميثاق الوطني أو الأخوة الأممية، يرى الكاتب أن أردوغان يسعى لملء هذا الفراغ من خلال تعزيز الأخوة بين الأتراك والأكراد والعرب السنة، مع التركيز على مدن رمزية مثل إسطنبول ودمشق وأربيل. يشير التحليل إلى أن هذه الرؤية ليست مجرد خطاب سياسي، بل محاولة لتشكيل تحالف إقليمي يوازن بين المصالح التركية والتحديات الإقليمية، مع الحفاظ على توازن دقيق بين الأخوة الكردية والعربية تحت مظلة المصالح التركية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!