
ترك برس
تناول مقال للكاتب والإعلامي التركي توران قشلاقجي، بصحيفة القدس العربي، قرار الولايات المتحدة بإلغاء تأشيرات دخول الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووفدٍ مرافق له إلى نيويورك، ما حال دون مشاركتهم في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2025.
ويعرض الكاتب هذا القرار كجزء من سياسة أمريكية–إسرائيلية منسّقة تهدف إلى إقصاء أي صوت فلسطيني، حتى لو كان من أشدّ المهادنين، في إطار مشروع أوسع لمحو فلسطين من الجغرافيا والذاكرة.
كما يتطرق إلى تصريحات مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين تعبّر عن نزعة استعمارية توسعية، مستعرضا ردود فعل غاضبة من محلّلين وسياسيين، تشير إلى تصعيد في نهج "دبلوماسية الإبادة" وتآكل الحدود التي فرضتها اتفاقيات تاريخية مثل سايكس–بيكو.
وفيما يلي نص المقال:
تُعد الولايات المتحدة الأمريكية، الداعم الأكبر لإرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل ضد شعب غزة، وأقدمت مؤخرا على إلغاء تأشيرات الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس ووفدٍ مرافقٍ له يضمّ 80 شخصا، كانوا ينوون التوجّه إلى نيويورك، للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 سبتمبر/أيلول 2025. وقد أعلن القرار وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، مبرّرا ذلك بأن عبّاس لم يصف هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بـ»العمل الإرهابي»، وبالتالي فهو «يقوّض آمال السلام».
هذا الموقف الاستعماري المتعالي والمتغطرس لا يرى حتى في خضوع عبّاس المستمر منذ سنوات ما يكفي. فالهدف الأساس للصهيونية وإلى جانبها واشنطن هو محو فلسطين من الخرائط ومن الذاكرة معا. ولهذا لم يعودوا يتحمّلون حتى سماع صوت أولئك الذين رفعوا راية الاستسلام منهم في أروقة الأمم المتحدة.
بهذه الخطوة، أعلنت الولايات المتحدة رسميا عن سياستها الصهيونية – النازية. وكما قيل دائما، فإن الصهيونية ليست سوى وجه الإمبريالية الأمريكية العنصرية والقائمة على الإبادة الجماعية في الشرق الأوسط.
من المتوقع أن تصدر ردود فعل من جميع أنحاء العالم على القرار الفاضح، سوف يدلون بتصريحات من قبيل بيانات الاستنكار، وعبارات «لقد صُدمنا»، و»نحن غاضبون»، و»نُدين»، إلى جانب الحديث عن القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية. غير أن كل هذه التصريحات لن تغيّر الحقيقة؛ فالمجرمون باتوا يطبّقون سياسة «الفلسطنة»، وكل من لا يخدمهم يُعامل وكأنّه من حماس ويُستهدف على هذا الأساس. لقد كشف السفير الأمريكي في أنقرة وممثّل بلاده في سوريا، توم براك، هذه الحقيقة مجدّدا قبل أيام حين قال: «إسرائيل لم تعد تعترف بحدود سايكس- بيكو، وستذهب إلى أي مكان تريد، وقتما تريد».
هذا الكلام ليس مجرد زلّة لسان دبلوماسية، بل إفصاح عن إستراتيجية منظّمة. وردا على هذه الكلمات، كتب الصحافي التركي المعروف إبراهيم قاراغول ما يلي: «سننتقم بالتأكيد من هذه الاتفاقية التي قسمت أراضي الدولة العثمانية في عام 1916. وسننهي النظام الاستعماري الأمريكي والفرنسي والبريطاني في منطقتنا. وفقا لتلك الاتفاقية، لم تكن هناك أساسا خريطة تسمى إسرائيل؛ لقد تم إنشاؤها كحامية عسكرية. وقد انتهى الآن عمر دولة «الحامية» هذه. سنزيل خريطة إسرائيل من المنطقة. في الحقيقة، نحن من سنذهب إلى إسرائيل! سننظف المنطقة حتى البحر المتوسط».
إنّ تصريحات السفير الأمريكي براك تكشف أن الحدود الاعتباطية التي رسمتها بريطانيا وفرنسا عام 1916 لم تُنتج سوى الفوضى. واعتراف إسرائيل بانزعاجها من هذه الحدود ما هو إلا إظهار لطموح احتلالي أكبر. وقد أفصح براك عن ذلك بوضوح حين تحدّث عن قدرة إسرائيل أو رغبتها في السيطرة على لبنان وسوريا.
أما «جزّار غزّة» نتنياهو، فقد كرّر مرارا في السنوات الأخيرة أنّه لا يعترف بحدود الشرق الأوسط ولا بالدولة الفلسطينية. واليوم، تتقاطع هذه المواقف. وزير الخارجية روبيو يمنع عبّاس من دخول نيويورك، والسفير براك يعلن خطط الاحتلال، لتظهر الصورة كاملة؛ دبلوماسية إبادة مُنظَّمة ومنسَّقة، تعمل بتناغم كامل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!