
ترك برس
حينما تلوّح قمم الجبال بوشاحٍ أبيض يغمر الأفق، تتلألأ مدينة بورصة بجوهرتها الخلابة؛ جبل أولوداغ الذي يتعانق فيه الجمال الطبيعي بالتاريخ والأسطورة، وتلتقي الرياضة بالمغامرة، ليغدو وجهةً لا تضاهيها وجهة لعشّاق التزلج والاستجمام في قلب الأناضول الغربي.
بين غاباتٍ كثيفة ومروجٍ ثلجية تمتدّ بلا نهاية، تتجسد روعة الطبيعة في أبهى صورها، لتجعل من هذا الجبل أحد أبرز معالم السياحة الشتوية في تركيا والمنطقة.
يقع جبل أولوداغ على بعد 36 كيلومترًا فقط إلى الجنوب من مدينة بورصة، ويُعدّ أحد أشهر مراكز الرياضات الشتوية في البلاد. هذا الجبل الذي يعلو فوق الغيوم بارتفاع 2543 مترًا عن سطح البحر (قمته تُعرف باسم قره تبه)، لم يكتسب شهرته من منحدراته الثلجية فحسب، بل أيضًا من ثرائه الطبيعي الفريد؛ إذ يزخر بتنوّع نباتي وحيواني منحه مكانة الحديقة الوطنية، ما جعله مقصدًا للسياح على مدار العام، لا في الشتاء فقط.
في الصيف، يتحول أولوداغ إلى ملاذٍ لمحبي الرحلات الجبلية والتخييم وركوب الدراجات، حيث تمتزج رائحة الصنوبر بنسمات الجنوب القادمة من بحر مرمرة.
أمّا في الشتاء، فيكتسي الجبل بحلّة بيضاء ساحرة، لتبدأ معه مغامرة التزلج على الجليد، والتزلج بطائرات الهليكوبتر، ورياضات المغامرة الجليدية التي تستقطب المحترفين والهواة من كل أنحاء العالم.
لمحة تاريخية وأساطير الأولمب:
عرف الإغريق القدماء أولوداغ باسم ميسيان أوليمبوس، وكانوا يعتقدون أنّه الجبل الذي شهدت منه الآلهة حرب طروادة. هذه الأسطورة القديمة منحت الجبل هالةً من القداسة، وكأنّ التاريخ والطبيعة تآمرا ليمنحاه دورًا مركزيًا في ذاكرة الأناضول.
الوصول إلى أولوداغ: رحلة تجمع بين المغامرة والجمال
يمكن الوصول إلى منتزه أولوداغ الوطني بسهولة عبر الطرق السريعة أو التلفريك الشهير الذي يعدّ أطول تلفريك في تركيا.
يربط التلفريك بين مدينة بورصة وقمم الجبل في أربع مراحل تبدأ من محطة القاضي (1235 م) وصولاً إلى صاري آلان (1621 م)، وتستغرق الرحلة نحو 25 دقيقة من الجمال الخالص، تتخللها مناظر بانورامية تخطف الأنفاس.
ومن صاري آلان، تتوافر حافلات صغيرة تُكمل الطريق إلى منطقة الفنادق الواقعة على بعد 7 كيلومترات. أمّا من يفضل السفر بالسيارة، فطريق جكيرغة هو الأسهل والأكثر استخدامًا، مع ضرورة تجهيز المركبات بسلاسل الثلج وحبال السحب في فصل الشتاء.
ولمن لا يملكون سيارة، تُسيّر بلدية بورصة حافلات صغيرة كل ساعة في الشتاء، تقطع المسافة إلى القمة خلال ساعة ونصف تقريبًا، ما يجعل الوصول إلى الجبل متاحًا للجميع.
البنية السياحية والإقامة:
يضم منتجع أولوداغ أكثر من 27 فندقًا، بينها 15 فندقًا خاصًا، بإجمالي يزيد على 3 آلاف سرير. وتتنوع خيارات الإقامة بين الفنادق الفاخرة والشاليهات الدافئة التي تطل على المنحدرات الثلجية.
كما تنتشر المطاعم والمقاهي والحانات والمحال التجارية والمراكز الصحية التي تضفي على المكان طابعًا نابضًا بالحياة حتى في ليالي الثلج الطويلة.
ويتوفر أيضًا تأجير لمعدات التزلج ومدربون محترفون لتعليم المبتدئين، بالإضافة إلى ثمانية مصاعد متحركة وسبعة حواجز على شكل T و13 مسار تزلج تناسب جميع المستويات.
مشاريع تطوير أولوداغ:
تعمل الحكومة التركية حاليًا على تنفيذ مشروع تطوير سياحي ضخم يهدف إلى زيادة السعة الفندقية وتوسيع مرافق التزلج، بما يعزز مكانة أولوداغ كأحد أهم مراكز السياحة الشتوية في أوروبا.
المشروع يشمل بنى تحتية جديدة ومرافق بيئية متطورة تضمن الحفاظ على التوازن بين السياحة والاستدامة البيئية.
من أسطورة الآلهة إلى عالم الرياضة والترفيه، يبقى أولوداغ عنوانًا للأناقة الشتوية وجمال الطبيعة التركية. فهو ليس مجرد جبل، بل لوحة متكاملة تجمع التاريخ بالأسطورة، والثلج بالدفء الإنساني.
ومع كل تساقطٍ جديدٍ للثلج، يتجدد الوعد بأن تظلّ بورصة وعروسها البيضاء أولوداغ في صدارة وجهات السياحة الشتوية في تركيا والعالم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!