جلال سلمي - خاص ترك برس

كانت تركيا تعيش في ظلال انغلاق سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي جسيم قبل الثمانينات من القرن الماضي

تأسست تركيا على أطلال الدولة العثمانية التي مثلت الخلافة الإسلامية لمدة تتجاوز الستمائة عام ولكن رأى مؤسسي تركيا بأن الذي فتفت وشرذم الدولة العثمانية هو احتضانها لأكثر من قومية وحمايتها لأكثر من ديانة لذا جمعوا على أن القومية الواحدة والدين الواحد والانغلاق القومي والاكتفاء الذاتي بكافة المجلات هي الأسس الأكفل بأن تجعل الجمهورية التركية أكثر استقرارًا وأطول عمرًا.

على الرغم من تحقيق انفتاح سياسي واقتصادي ليبرالي ملحوظ مابين 1923 إلى 1933 إلا أن رئيس الجمهورية التركية في ذلك الوقت مصطفى كمال أتاتورك قرر بعد الآثار السلبية التي خلفتها الأزمة الاقتصادية العالمية التي طفت على السطح عام 1929 تطبيق نظام الاقتصادي المدول والذي يعتمد على الاكتفاء الذاتي في كافة المجالات لوقاية تركيا من التأثر من أزمات اقتصادية عالمية أخرى ممكنة ولوقايتها من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الغير عادلة وأطماع الدول الأخرى التي نتجت بشكل ملحوظ بعد الأزمة الاقتصادية في إطار محاولة الدول الأوروبية تفادي هذه الأزمة من خلال هذه الأساليب الاستعمارية.[1]

واستمرت عملية الانغلاق التركي السياسي والاقتصادي والاجتماعي إلى الثمانينات من القرن الماضي، وعلى الرغم من فوز حزب الشعب الديمقراطي المحافظ سياسيًا الليبرالي اقتصاديًا إلا أنه ظل محافظًا على انغلاقه السياسي والاقتصادي ولم يُنوعهما وابقائهما مُعتمدان على العلاقات مع الولايات المُتحدة الأمريكية.

وبعد التدخل التركي العسكري في قبرص عام 1974 وتخلي الولايات المُتحدة الأمريكية عن تركيا وفرض حصار عسكري وسياسي واقتصادي عليها سعت تركيا إلى تنويع علاقتها السياسية والاقتصادية وسعت إلى تأسيس علاقات انفتاحية متنوعة مع عدد من الدول ولكن لم تستطيع تحقيق ذلك بسبب حالة الزعزعة السياسية والاقتصادية الحادة التي كانت تشهدها جراء الاحتراب الداخلي العسكري المُسلح بين اليمينيين واليساريين والذي استمر إلى تاريخ 12 أيلول/ سبتمبر 1980 حيث الانقلاب العسكري القاسي.

تعطلت العملية الديمقراطية لمدة ثلاث سنوات نتيجة للانقلاب العسكري القاسي الذي شهدته تركيا ولكن بتاريخ 20 أيار/ مايو 1983 جرت انتخابات ديمقراطية من جديد دخلها ثلاث أحزاب سياسية هم؛ حزب الوطن الأم الذي أسسه تورجوت أوزال واتسم بأنه حزب محافظ وليبرالي واشتراكي وحزب الشعب الاشتراكي الشيوعي وحزب الديمقراطية القومي الذي أسسته الزمرة العسكرية الراعية للانقلاب.

حصل تورغوت أوزال وحزبه على نسبة 45% من نتائج الانتخابات وبذلك بدأت فترة سيطرة حزب الوطن الأم على مقاليد الحكم في تركيا وبالتالي بدأ عصر الانفتاح المفقود في تركيا بعد هذا التاريخ.

قبل الخوض في الإجراءات التي قام بها تورجوت أوزال لإرساء الانفتاح في تركيا، لا بد لنا من إلقاء نظرة سريعة على حياة تورغوت أوزال الشخصية ومسيرته العلمية.

وُلد تورغوت أوزال بتاريخ 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 1927 في مدينة مالاطيا التركية الواقعة شرق تركيا، كان تورغوت أوزال الابن الأصغر لعائلة من أصول كردية مُكونة من ثلاث أطفال، وكان والده يعمل موظفًا حكوميًا لدى الدولة وبحكم عمله كان كثير التحرك ونتيجة لتحرك والده التحق أوزال بالمرحلة الابتدائية في مدينة بلاجيك وأنهى مرحلته الاعدادية في ماردين ومن ثم انتقل إلى مدينة قونيا ومن ثم لمدينة قيصري لاتمام المرحلة الثانوية حيث كان لا يوجد في مدينة ماردين مدرسة ثانوية.

بعد اتمام المرحلة الثانوية في مدينة قيصري حصل على منحة تعليمية للمتفوقين في جامعة إسطنبول التقنية حيث درس قسم الهندسة الإلكترونية بها وتخرج منها عام 1950، تزوج عام 1952 من سيدة تُدعى أيهان إينال بناء ً على طلب عائلته ذلك ولكن لم يستطع إكمال حياته مع إينال فطلقها بعد شهور.

بعد طلاقه لإينال التحق بوزارة الطاقة والمعادن الطبيعية التركية وعمل في إدارة التطوير الإلكتروني والتقى هناك بالسيدة سمرة ياينمان وتعرف عليها وتزوجها عام 1954 وأنجب منها أحمد وزينب وأفا، وبعد زواجه بفترة قليلة حصل على منحة تعليمية حكومية في جامعة تكساس تيتش الأمريكية ودرس بها قسم الاقتصاد وعاد إلى تركيا عام 1956.

بعد عودته لتركيا عمل في هيئة التخطيط الحكومي التابعة لوزارة الاقتصاد وفي 1965 عمل كمستشار اقتصادي لرئيس الوزراء المُنتخب حديثا ً في ذلك الوقت سليمان داميرال وبعد الانقلاب العسكري الناعم على سليمان داميرال الذي حدث عام 1971 عاد للعمل كمستشار اقتصادي في هيئة التخطيط الحكومي.

ولكن لم يبق ذلك طويلًا في هيئة التخطيط الحكومي إذ قدم استقالته وانتقل للعمل كمستشار في دائرة التطوير الصناعي التابعة للبنك الدولي وبعد عودته إلى تركيا عام 1973 عمل مع عدة شركات ضخمة على رأسها شركة سابنجا الضخمة، في عام 1977 بدأ في أول مشوار سياسي له من خلال دخول حزب السلامة القومي "الإسلامي" الذي أسسه نجم الدين أربكان وترشح باسم الحزب عن مدينة إزمير ولكن لم يتم انتخابه، وبعد تولي سليمان داميرال لرئاسة الحكومة من جديد عام 1979 دعى أوزال ليكون مستشاره الاقتصادي من جديد.

عمل أوزال على إعداد قرارته الانفتاحية عام 1980 وأعلنها بتاريخ 24 كانون الثاني/ يناير 1980 ولكن لم يستطع تطبيقها بشكل كامل بسبب وقوع انقلاب 12 سبتمبر 1980، وبعد الرجوع للعملية الديمقراطية أجريت الانتخابات البرلمانية عام 1983 وحصل تورجوت أوزال على نسبة 45% واستطاع تشكيل حكومة سياسية بمفرده.

ـ الإجراءات التي قام بها أوزال من أجل إرساء الانفتاح:

على الرغم من أن انفتاح أوزال يُعرف بميزته الاقتصادية إلا أنه شمل انفتاحات سياسية وثقافية أيضًا، ويمكن سرد الإجراءات التي قام بها من أجل إنجاح عملية الانفتاح بالشكل التالي:

ـ تنويع العلاقات السياسية التركية مع عدد كبير من الدول ومن القطبين الغرب والشرقي وبشكل خاص الدول العربية التي كانت الأنظمة السابقة الحاكمة في تركيا تتجنب تطوير العلاقات السياسية معها.

ـ تطوير العلاقات السياسية مع الدول العربية فتح أفق أخرى لتطوير العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فتم توقيع عدد كبير من الاتفاقيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين الطرفين تشمل تطوير التجارة والحركة السياحية تبادل الطلاب وبناء مراكز الأبحاث الثقافية المُتبادلة.

ـ تبني نظام "السوق الحر" والذي يدعم عمليات التبادل التجارية مابين تركيا والدول الأخرى ويدعم عمليات المشاريع الريادية الخاصة وعمليات الخصخصة والانتقال من البورصة الثابتة إلى البورصة المتموجة والتي تعتمد على أرقام واحصاءات الاستثمار والصادرات والورادت وتكون مُقنعة للمستثمر المحلي والأجنبي بشكل أكبر وأيضًا تشجيع الاستثمار الأجنبي بوسائل شتى وبالتالي تحقيق انفتاح اقتصادي يعود على الدولة والمواطن بمردود ربحي ملحوظ وهذا ماحدث بالفعل بعد أن أصبح نصيب الفرد من الدخل 1636 بعدما كان 502 دولار وهذه التطبيقات كانت مشمولة بقرارات 24 كانون الثاني/ يناير 1980 التي لم تُطبق.

ـ تقديم منح تعليمية لعدد كبير من الطلاب الأجانب المتفوقين للدراسة في تركيا والتعرف على تركيا ووجعلهم بمثابة دعاية حية لتركيا التي تسعى للانفتاح وكما عمل على إرسال عدد كبير من الطلاب إلى دول الخارج للدراسة والحصول على انفتاح أفقي بعيد عن الانغلاق والانطواء القومي.[2]

ـ إحداث انفتاح ديمقراطي ملحوظ بعد اصداره قرار بحرية إنشاء قنوات خاصة واصداره قرار تقديم شكاوي شخصية للمحكمة الدستورية "أعلى محكمة في البلاد".

بعد انتهاء فترة الرئاسة للانقلابي كنعان إيفرين تم انتخاب توروجوت أوزال للرئاسة بتاريخ 9 تشرين الأول/ أكتوبر 1989 ولكن لم يكمل فترته الرئاسية إذ توفى بتاريخ 13 نيسان/ أبريل 1993 في ظروف غامضة لم تتضح إلى اليوم.[3}

المراجع:

[1] http://www.kalkinma.gov.tr/Pages/60OncesiDonem.aspx

[2] http://www.haberform.com/haber/ozalin-hayati-siyasi-hayati-ozal-turkiyey...

[3] http://www.haberform.com/haber/ozalin-hayati-siyasi-hayati-ozal-turkiyey...

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!