أنور الرواحنة - خاص ترك برس

على الأرجح، ستدرك روسيا، هي وحلفاؤها في المستقبل القريب أن الحفاظ على بشار الأسد أو إطالة أمد النزاع إلى حين إيجاد "البديل المناسب" سيكون "مكلف" على مستويات عديدة، بالأخص على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية. كما يدرك الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، أن إطالة أمد النزاع بتوظيف "سياسة الفوضى الخلاقة" من جديد "لأهداف استعمارية" لن يجر إلا الويلات والخراب والدمار على الغرب، وخاصة أوروبا القريبة نسبيًا، بقدر ما هو على سوريا والمنطقة (علمًا أن "سياسة الفوضى الخلاقة" بعد احتلال العراق 2003 كانت "سببًا مباشرًا" في إشعال ثورات الربيع العربي).

الأيام القليلة الماضية شهدت "إعادة تموضع" للخطاب السياسي للأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة تجاه "مرحلة ما بعد الأسد" تزامنت مع "ارتفاع وتيرة" التصريحات السياسية التي تؤكد على حرية الشعب السوري في حق تقرير المصير مع صعود نبرة "الخيار العسكري" في حالة "فشل" الحل السياسي.

وعليه، روسيا وحلفائها وأمريكا وحلفاؤها ممن يؤيدون "منطق" إطالة امد النزاع في سوريا والمنطقة لن ينجحوا في المحصلة لعدة أسباب، منها على سبيل المثال:

أولًا، "الانفصام عن الواقع"، الذي ظهر بوضوح من خلال "دعوة" وزير خارجية روسيا للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في سوريا، وهي "دعوة" تتناقض مع الوقائع السياسية والثورية والثقافية والتاريخية لطبيعة هذه الأمة أو المنطقة في تاريخها النضالي والتحرري ضد المحتل والاستعمار منذ عهد إمبراطوريتي الفرس والروم مرورًا بالحروب الصليبية وصولًا إلى الاستعمار الحديث في القرن الماضي.

ثانيًا، "استنزاف الطاقة الاستيعابية"، ماديًا ومعنويًا، لحلفاء أو "وكلاء" روسيا في سوريا والمنطقة (أي إيران وحلفائها من المليشيات الشيعية)، الذي أدى إلى "ظهور أعراض الإرهاق" نتيجة القتال على مدار خمس سنوات تقريبًا، وهو الأمر الذي أكده، بطريقة أو بأخرى، تدخل روسيا العسكري "المباشر".

ثالثًا، "التعاون" الروسي-الغربي في/على سوريا والمنطقة هو "تعاون مرحلي أو مؤقت" ذلك أن طبيعة العلاقات (أو طبيعة "الإدراك السيكولوجي") بين "المعسكرين" (سياسيًا وثقافيًا وتاريخيًا) تأسس على "عقلية الحرب الباردة"، وعليه "صراع الأباطرة" بين المعسكرين سيتجدد عند نقطة ما في المستقبل المنظور لتعارض المصالح القومية بين الطرفين، الذي من شأنه ان إعادة "التحالفات التقليدية" من جديد.

رابعًا، "تشكل تحالف تركي-سعودي-قطري، وباكستاني" (متسق ومنسجم سياسيًا وعقائديًا وتاريخيًا) في مواجهة "ثلاثة تحالفات إقليمية ودولية" (غير منسجمة ومتناقضة سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا وعقائديًا وتاريخيًا (لاختلال "ميزان القوة"). هذه التحالفات الثلاثة هي تحالفات "نسبية ومرحلية" هدفها الرئيس "إطالة أمد النزاع لإسقاط الثورة السورية وثورات الربيع العربي" من جهة، ومن جهة أخرى إسقاط "التحالف التركي-السعودي-القطري (الباكستاني)". هذه التحالفات الثلاثة هي: أولًا، التحالف الروسي-الإيراني-العراقي-الشيعي. ثانيًا، التحالف الروسي-الأمريكي-الغربي. ثالثًا، التحالف الروسي-الإيراني-العراقي-الإماراتي-المصري-الأردني.

خامسًا، "سلاح اللاجئين السوريين والعراقيين والأكراد" الذي "تمتلكه" تركيا في وجه أوروبا، الذي من شأنه أن يدفع الأخيرة (أي أوروبا) للوقوف في جانب تركيا (مكره أخاك لا بطل)، خوفاً من "انتقال" النزاع إلى الساحة الأوروبية.

سادسًا، "ظهور منطق الحروب الدينية" في المستقبل القريب ("الحرب المقدسة" في مواجهة "الجهاد")، الذي من شأنه أن يؤثر على أوروبا "القريبة نسبيًا" من حلقة النزاع، خاصة في ظل تصاعد أعداد اللاجئين في أوروبا قد يدفع الجيل الثاني أو الثالث إلى "الانتقام" من أوروبا والغرب (كما حدث في بعض البلدان الأوروبية مؤخرًا).

الخلاصة، استمرار التدخل العسكري الروسي في سوريا على المديين المتوسط والبعيد سيؤدي إلى تعقيد النزاع السوري وتداخله إقليميًا ودوليًا بشكل أكبر من "طاقتها الإستيعابية" الذي من شأنه أن يؤدي في المحصلة إلى "تقهقر" الدولة أو الإمبراطورية الروسية، خاصة في ظل وجود أطراف إقليمية ودولية، على ما يبدو، بدأت في التحرك لإحباط هذا التدخل العسكري وإستنزافه، بطريقة أو بأخرى، بالأخص تركيا والسعودية وقطر (والباكستان) بالإضافة إلى تيار "الإسلام السياسي".

على الأرجح، ستبدأ روسيا على "استحياء" في البحث عن من "ينقذها" من تبعات تدخلها العسكري في "المستنقع السوري" من خلال "مخرج أمن" في أقرب فرصة بما يحقق لها هدفين رئيسيين، يحفظ لها ماء الوجه من جهة، ومن جهة أخرى بما لا يهدد مصالحها الجيوسياسية في سوريا. كما "سيضطر" الغرب، نسبيًا، لإيجاد مخرج للنزاع السوري خوفًا من "تصاعده" إقليميًا ودوليًا من جهة، ومن جهة أخرى خوفًا من "تغلغل" النفوذ الروسي على المدى البعيد.

عن الكاتب

أنور عبد الله الرواحنة

باحث مختص في إدارة النزاعات ورسم السياسات


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس