الأناضول

في مبنى مؤلف من 3 طوابق، بأحد أحياء مدينة إسطنبول التركية، اتخذت مكتبة "صفحات" مكانًا لها، مكتنزة آلاف العناوين لكتب عربية متنوعة في شتى المجالات، محاولة تلبية رغبة المثقفين العرب، واتخاذ المكان مركزًا وملتقى ثقافيًا لهم.

ودفعت هذه المكتبة التي اُفتتحت قبل أربعة أشهر، الشاب التونسي أحمد الخميري، وهو صاحب شركة إعلامية في بلاده، إلى إبداء الإعجاب الشديد بها، بعد أن أصبح زائرًا دائمًا للمكان. 

وقال الخميري للأناضول من داخل المكتبة: "أزور إسطنبول منذ 16 عامًا، ولم أشهد مثيلًا لهذه المكتبة، أُعجبت بها لأن فيها عدة أشياء، فهي صالون ثقافي يجمع عدة مثقفين من المنطقة".

وأضاف "أي شخص يزور إسطنبول يتمنى هكذا مكتبة، وهذه خطوات عملية للتواصل بين الشعبين العربي والتركي، حيث إن الجالية العربية هنا، بحاجة لثقافة المجتمعين، والمكان يشكل المنبع والمصدر، لفقر المدينة لمثل هذه المكتبات".

وتشكل "صفحات"، بحسب صاحب الفكرة ومنفذها، الفنان السوري سامر القادري، إضافة لكونها مركزًا ثقافيًا تتنوع فيه النشاطات، وجهًا آخرًا مضيئًا لأبناء بلده.

وقال القادري للأناضول: "عندما جئنا إلى إسطنبول اكتشفنا أنه لا يوجد مكتبة عربية، سوى بعض المكتبات المختصة بالكتب الدينية، وغياب الكتب التي تعكس الثقافة العربية، ومن هذه النقطة قررنا تأسيس ملتقى للسوريين والعرب، الذين يتوافدون بكثرة إلى تركيا".

وتابع: "السوريون بحاجة إلى أن يتعرف عليهم المجتمع التركي بشكل أفضل، ويتعرف على ثقافتهم، عبر بوابة حياتية مشتركة، فالثقافة هي التي تعطي فكرة عامة عن الفرد وتاريخه ومجتمعه، ومن هنا أيضًا جاء تأسيس الفكرة".

هدف آخر للمكتبة، تحدث عنه صاحب الفكرة، قائلًا: "نريد أن نعرّف العالم والكوكب كله، علينا (السوريين)، خاصة بعد أن أصبح يُنظر لنا في وسائل الإعلام على أننا إما جوعى يحتاجون الخبز، وهذا ليس صحيح، أو أننا من تنظيم داعش، وهو الجانب الآخر المرتبط بالقتل، وهذا أيضًا غير صحيح".

وأكد القادري أن "تغيير هذا الانطباع يكون من خلال هذه الفرصة التي تعتبر خطوة صغيرة في طريق التغيير"، داعيًا العالم أن "يساعد في هذه الناحية، لإظهار الجانب الآخر المضيء للسوريين".

وحول الصعوبات التي واجهتهم في افتتاح المكتبة، لخصّها بأنها "تتعلق بالعالم العربي الذي يقرأ بنفس اللغة ويكتب بها، رغم اختلاف اللهجات، إلى جانب العقبات في تأمين الكتب المطلوبة من كل الدول العربية، وشحنها والتخليص الجمركي والضرائب".

وتابع: "الواقع السوري والعربي في إسطنبول، يظهر بأنه ليس لديه قدرة شرائية عالية، وهذه صعوبة نواجهها، وغير ذلك لا صعوبات أخرى".

أما عن عناوين الكتب التي يتم اختيارها، قال إنها "نوعًا ما مختلفة ومتنوعة، ولا يمكن تحقيق رغبات القراء، فالمكتبة تحتمل 7 آلاف عنوان، وفي العالم العربي يوجد نحو نصف مليار عنوان، لا يمكن جلبها جميعها".

وأضاف: "كل شهر نطور العناوين بين الجديد والقديم، ونقوم بتحديد اتجاهات القراء والقطاع المرغوب من روايات وأدب واجتماع وتاريخ وشعر، وما هي المتطلبات واكتشافها".

وعن مدى نجاح المشروع في تحقيق الهدف الذي وضع لأجله، أبدى القادري اعتقاده أنه "أضاف شيئًا كبيرًا، يمكن رؤيته من خلال اهتمام وسائل الإعلام بنقل الصورة الحقيقية"، مستطردًا "هناك صحفيون زاروا المكتبة من خلال تصور معين، وبعدها كتبوا أمرًا آخرًا، فتغيير الآراء ليس سريعًا، بل يحتاج إلى الوقت".

وفيما يتعلق بحجم الإقبال، لفت أن ما حقققوه في 3 أشهر، كانوا بانتظاره في 6 أشهر، وما فاجأه وأسعده، هو جيل ما أسماه "الثورة في سوريا" الذي أحب المكان، وعمره ما بين 18-25 عامًا.

واستضافت المكتبة، خلال الفترة الماضية، معرضين فنيين، الأول كاريكاتور للفنان السوري ساهر حاجو، بعنوان "رئيس بلا سبب قلة أدب"، يتحدث عن المراحل التي عمل فيها الفنان خلال 5 سنوات عن (رئيس النظام السوري بشار الأسد) وتحولاته، فيما المعرض الثاني كان بعنوان "وجوه من حرب" لشبان سوريين من ريف اللاذقية، يعملون في الداخل، مجسدين وجوهًا للمعاناة، وأحيانا للفرح داخل وطنهم، بحسب القادري. 

وإلى جانب هذين المعرضين، استضافت المكتبة، ندوات لكتّا، وقراءات قصصية وشعرية وتوقيع كتب، الأمر الذي اعتبره صاحب الفكرة "فرصة لتلاقي الكاتب مع القراء"، مشيرًا أنهم ينظمون ورش عمل للأطفال، ويومًا للموسيقى العربية السورية، لمدة ساعة ونصف، على أن يبدأوا قريبًا في تقديم عروض سينميائية، لافتًا أن كل هذه النشاطات تقدم بشكل مجاني.

والقادري من مواليد مدينة حماة وسط سوريا، وكان مقيمًا في دمشق، قبل أن ينتقل إلى إسطنبول، وهو خريج كلية الفنون الجميلة بدمشق، ويعمل في مجال التصميم، وله دار نشر للأطفال منذ 2005، ومهتم بالأمور الثقافية، بحسب ما قاله للأناضول. 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!