علي نور كوتلو - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

يعقد أقدم حزب في تاريخ تركيا السياسي، حزب الشعب الجمهوري، يعقد مؤتمره من جديد نتيجة تمرّد داخل الحزب. تاريخه مليء بأحداث تمرّد هدفها استلام زعامة الحزب بعد استبعاد رئيسه.

أول رئيس لحزب الشعب الجمهوري كان أتاتورك، وفي آخر سنوات عهده طفت على السطح خلافات بينه وبين أقرب نائب له "إنونو" مما اضطر أتاتورك لإبعاده عن الحزب. وبعد وفاة أتاتورك استلم انونو زعامة الحزب بدعم من العسكر. في عهد انونو لم يشوه صورة أتاتورك أمام الشعب بصورة مباشرة، لكنه لم يذكره بالخير أبدا، ولم يشر إليه كمرجع روحي للحزب، ولم يقتبس منه أي جملة، بل حتى لم يكن يذكر اسمه.

لم يكتف بذلك، بل أزال صورة أتاتورك من كل مكان، من على النقود الورقية، ومن على الطوابع والمطبوعات. كان زعيما يريد أن يُنسي الشعب الزعيم السابق للحزب أتاتورك، وبدأ بزرع ملامحه كزعيم وطني ليضع صورته على الطوابع والنقود وفي مؤسسات الدولة وفي الميادين العامة أصبح هو الشخص الوحيد الذي له فيها مجسمات وتماثيل.

في عام 1946 ومع تطبيق نظام حزبي متعدد، تأسس "الحزب الديمقراطي" الذي سعى لإنقاذ أتاتورك. كان الحزب الجديد في دعايته ضد الزعيم الوطني انونو، وكان يصف أتاتورك بمؤسس الجمهورية ردا على انونو الذي كان يصف نفسه بأنه هو مؤسسها. ولهذا أنقذ الحزب الديمقراطي أتاتورك من النسيان. وفعلا نجح الحزب في إعادة إحياء ذكرى أتاتورك الذي عمل إنونو على مسحها من ذاكرة الشعب.

بعد ذلك أطاح السكرتير العام لحزب الشعب الجمهوري "بولنت أجاويد" برئيسه إنونو ليستلم مكانه زعامة الحزب. هذا الرئيس الشاب أراد القضاء على مجموعة المؤسسين القدماء. وهذه المرة لم يذكر الزعيم الوطني إنونو بخير وتركه للنسيان. وبدلا من أن يكون إنونو هو المرجع الروحي للحزب، اختار أجاويد أن يكون أتاتورك هو المرجع ليقضي تماما على زعيم الحزب السابق.

بعد انقلاب 12 أيلول/سبتمبر، تم إغلاق حزب الشعب الجمهوري، وحاولوا حين ذلك تأسيس حزب ديمقراطي اجتماعي لكنه كان مليء بصراعات الزعامة والحزبية والقطبية.

أعيد تأسيس الحزب من قبل "دنيز بايكال" الذي أصبح زعيما له، لكنه زاد من حدة مشاكل الرئاسة أكثر فأكثر. فلم يذكر ولو لمرة واحدة زعيم الحزب السابق "أجاويد" الذي حصل على أكبر نسبة أصوات من الشعب في تاريخ الحزب ليقوده لانفراد بالحكم والسلطة. لم يكتف بعدم ذكره بالخير، بل كان يقذفه ويشتمه.

أصبح حزب الشعب الجمهوري عشا فيه صديق اليوم عدو الغد، وعدو الغد صديق اليوم، مختلطة فيه الأمور بشكل غريب.

حاول الأصدقاء المقربين من "دنيز بايكال" مرات عديدة الإطاحة به. وكانت أكثر محاولة بارزة تمرّد "مصطفى ساري غول" لكنه لم ينجح. في النهاية، أطيح "ببايكال" بعملية هي الأكثر غموضا وخلطا في التاريخ السياسي التركي. وأصبح بعد ذلك "كلتشدار أوغلو" رئيسا للحزب، "كلتشدار أوغلو" كان يحارب "بايكال" و"ساري غول" على حد سواء.

وبعد التمرّد الأخير لـ"محرّم إنجه" على "كلتشدار أوغلو"، أصبح الآن "كلتشدار أوغلو" و"ساري غول" أصدقاء بعدما كانوا قبل ذلك أعداء.

كل هذه المشاكل الداخلية التي يعاني منها الحزب، من اتهامات، وإهانات، وخلافات، وشتائم، ظهرت اليوم للعيان بصورة واضحة وجلية.

في هذا الحزب، يريد كل شخص أن يصبح زعيما، وكل عضو يريد الإطاحة بزعيمه، وكل زعيم يريد مسح تاريخ من سبقه، هكذا أصبح التقليد العام لحزب الشعب الجمهوري منذ 90 عاما.

مشكلة تركيا الحقيقية هي مشكلة المعارضة. حزب العدالة والتنمية بحاجة إلى معارضة قوية تجبره على تطبيق مبادئ أكثر تحررية وأكثر ديمقراطية وعلى إيجاد اقتصاد أقوى.

عن الكاتب

علي نور كوتلو

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس