ترك برس

باتت منطقة الشرق الأوسط مليئة بالمنافسات الجيوستراتيجية بين الدول الموجودة داخل حدود المنطقة وخارجها أيضًا، كما أضحت منطقة الشرق الأوسط ميدان صراع استقطاب بين القوى العالمية والإقليمية، ففي حين تجمع روسيا حولها إيران والعراق والنظام السوري برئاسة "بشار الأسد" وحزب الاتحاد الديمقراطي لمحاربة الثورة السورية وتقويضها، على الصعيد الآأخر، تجمع الولايات المُتحدة الأمريكية عددًا كبيرًا من الدول ضمن ما يسمى "التحالف الدولي" لمحاربة ما يُدعى "داعش" ولكن مع التحفظ على بقاء نظام الأسد وإرجاء أمر بقائه أو رحيله إلى طاولة المفاوضات.

وحسب الباحث السياسي "دوغان حابار"، الكاتب في صحيفة ملييت، فإن الأوضاع ازدادت تعقيدًا في المنطقة، بعد التنسيق الحيوي بين روسيا وإسرائيل وتعهد قوات التحالف بعدم اعتراض الطيران الروسي وكذلك تعهد الأخير بذلك.

ووفقًا لتحليل حابار الذي يتناول تحليل الأوضاع الجارية في المنطقة في مقال تحليلي بعنوان "الأيام الصعبة لتركيا"، فإن تركيا التي تريد إنهاء الأزمة السورية في أسرع وقت بناءًا على مطالب الشعب السوري الذي خرج ليطالب بالحرية والكرامة، لا زالت تواجه العديد من التحديات التي ظهرت للسطح بعد ازدياد التعقيدات في المنطقة، ولتخفيف حدة هذه التحديات انطلقت في محادثات جدية مع إسرائيل لفتح صفحة جديدة من العلاقات المتبادلة.

ويرى حابار أن التحديات التي تواجه تركيا على الصعيد الخارجي يمكن إيجازها على النحو الآتي:

ـ احتدام الأزمة مع روسيا: كما أن هذه الأزمة تؤثر على التبادل الاقتصادي بين الطرفين وتزيد من حجم التوتر التركي القلق من إقدام روسيا على تخفيض حجم الغاز المُصدر إلى تركيا، فإنها أيضًا تحجم من تدخل تركيا في سوريا وتجعلها مكبلة الأيدي، فضلًا عن تولد سياسة استقطاب بين روسيا وتركيا، والتي جعلت الأخيرة تخسر بعض الدول التركية في منطقة وسط آسيا مثل كازخستان وقيرغيزستان العضوتان في رابطة الدول المستقلة، واللتان أعلنتا مع دول الرابطة دعمهما لروسيا ضد تركيا.

ـ ازدياد عدم الاستقرار في المناطق المجاورة: سوريا والعراق في وضع لا يُحمد عليه اليوم، وتُبدي تركيا في كل فترة جديتها في محاربة قوى الإرهاب المتواجدة في المنطقة من أجل إعادة الاستقرار والأمن إليها، ولكن الجميع وحتى الولايات المُتحدة الأمريكية التي ظنت تركيا أنها ستكون إلى جانبها في خطة تركيا لإعداد وتدريب عناصر عربية وكردية لاستعادة الموصل وطرد داعش منها، يقف ضدها ويعارض خططها، لا أحد يُبدي جدية في قضية استرداد الأمن والاستقرار للمنطقة، لأن لا أحد من الأطراف يواجه الضرر الجسيم الذي تواجه تركيا. هذا أكبر تحدي تواجهه تركيا ويستنفذ منها خططها السياسية والاقتصادية وطاقتها وجهدها.

ـ التنافس الإيراني التركي الشديد: أصبح لا أحد يستطيع إنكار الحرب السياسية والثقافية الباردة التي تشهدها إيران وتركيا معًا. هذا التنافس ولد استقطاب حاد في المنطقة، وجعل هذا الاستقطاب بعض الدول تنقلب على الخطط التركية، ومثال انقلاب العراق الذي طلبت قيادته من تركيا إقامة مخيم تدريب بالقرب من الموصل العام الماضي، على تركيا وخططها المشتركة معه ما زال طاذج وماثل بوضوح أمام جميع الأنظار.

ـ التمدد الكردي في شمال سوريا واحتمالية إقامة إقليم كردي مستقل: تحدي استراتيجي جلي عواقبه وخيمة على الأمن والاستقرار في تركيا، بعد نجاح الأكراد في إقامة إقليم مستقل في شمال العراق، وإذا نجح الأكراد في إقامة هذا القالب من الاستقلال في شمال سوريا، فإن تركيا أمام بوابة حرب داخلية شديدة مع حزب العمال الكردستاني الذي سيحاول نيل الاستقلال مثل أصدقائه في شمالي سوريا والعراق.

أما على الصعيد الداخلي، فيبين حابار أن التحديات التي تواجه تركيا في الداخل تتعدد ويمكن إيجاز أهمها بالشكل التالي:

ـ حزب العمال الكردستاني: حتى قبل نجاح حزب الاتحاد الديمقراطي في إقامة كيانه المستقل في شمال سوريا، انطلق حزب العمال الكردستاني في إعلان انقلابه على عملية السلام التي كانت جارية بينه وبين الحكومة منذ عام 2012، وكما أعلن حزب العمال الكردستاني الذي أخذ بعض التحفيز من قطع حزب الاتحاد الديمقراطي شوطًا طويلًا في تحقيق هدفه في إقامة كيان كردي مستقل في شمال سوريا، استقلال بعض المناطق في جنوب شرقي تركيا بشكل كامل. هذا التحدي يُعد أكبر التحديات التي تواجه تركيا في الفترة الحالية.

ـ الإعلام: عقب أزمة إسقاط الطائرة، نشر الإعلام الروسي المنتشر عبر العالم بعدد كبير من اللغات والمُزود بالعديد من التقنيات التكنولوجية القوية خبر "دعم تركيا لداعش" بكثافة واستطاع إيصال الخبر، بصرف النظر عن صحته أو عدمها، إلى عدد كبير من المناطق حول العالم. ولكن عند النظر إلى إعلامنا التركي نجده يحتاج إلى تطوير أكبر، لمواجه التحديات الإعلامية التي تواجه تركيا من كل زاوية.

ـ اللغة: تحتاج تركيا إلى العديد من الكوادر التي تعلم اللغات الأجنبية، ليتم استخدام هذه الكوادر بشكل نجع في مجال العلاقات الدبلوماسية والإعلام وغيرها من المجالات التي أصبحت بحاجة ماسة لمعرفة عدة لغات لإتمامها بنجاح.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!