محمود أوفور - جريدة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

هناك لحظات حاسمة في التاريخ، وأخذ موقف سليم في هذة اللحظات يحدد مستقبل الفصائل الاجتماعية والأحزاب السياسية في المجتمع الذي تنتمي إليه. وعند أخذ موقف غير سليم فإن التاريخ لا ينصف أحد.

وينطبق هذا على تنظيم بي كي كي وحزب الشعوب الديمقراطي اللذين يدعيان أنهما الفصيلان السياسيان الممثلان للأكراد في تركيا، واللذان قد أخذا موقفًا جديدا للتماشي مع التطورات الحادثة في منطقة الشرق الأوسط علي عكس سير التاريخ. ولعل هذه كانت مسألة اختيار. ولمعرفة الدوافع التي جعلت هذين الفصيلين يتخذان مثل هذا الموقف المخزي لا بد من الرجوع إلى المكانة التي يحتلها هذان الفصيلان وإلى التركيب الاجتماعي الكردي بالمجتمع.

هناك خطان رئيسيان يحددان المسار السياسي لهذا الفصيل الاجتماعي؛ أولهما البرزاني والجبهة المدنية التي يمثلها الحزب الكردي الديمقراطي، وثانيهما جبهة العنف/ الجبهة العسكرية التي يمثلها تنظيم بي كي كي. وفي الأزمة الدائرة بين تركيا وروسيا فإن الحلف الروسي الإيراني ضد تركيا يتشكل معتمدًا على هاتين الجبهتين؛ ومن ثم فإن موقف صلاح الدين دميرطاش وعملية الخندق التي يقوم بها الجناح العسكري لهذة المنظمة والتي تهدف لنزوح سكان المناطق الكردية ليست من قبيل الصدفة. فهذا الأمر هو نتاج لصراع عميق وطويل في جغرافية المناطق ذات الأغلبية الكردية.

ومن ثم عليكم الانتباه جيدًا فصراع هذا التنظيم أو دميرطاش ليس فقط مع تركيا ولكنه أيضا مع البرزاني. وهنا فإن هناك سؤالًا يطرح نفسه، والإجابة عليه تحمل أهمية قصوى وهو: لماذا يتصارع تنظيم بي كي كي مع البرزاني؟ وما هي الفائدة التي ستعود على الأكراد من ذلك؟

لعل الإجابة علي هذا السؤال تكمن في معرفة السبب من وراء زيارة دميرطاش لروسيا، والسبب في أن يكون تنظيم بي كي كي هو الدعامة الرئيسية في الحلف الروسي الإيراني ضد تركيا. لأن إدارة هذا التنظيم مرتبطة بشدة بإيران ونظام بشار الأسد. وإلا فمن المستحيل تعايشها في هذه المنطقة.

هناك أيضا عامل جيني آخر يجعلها تتجه لإبرام مثل هذة العلاقات والصفقات القذرة وهو أن هاتين الجبهتين "تنظيم بي كي كي وحزب الشعوب الديمقراطي" ليست وليدة أرضية ديمقراطية ولا ترغبان أبدا في المنافسة السياسية وسط جو ديمقراطي، ولعلنا جميعًا شاهدين علي ضياعهم هباءًا للنجاح السياسي الذي حققوه في انتخابات الأول من حزيران/ يونيو البرلمانية بتركيا. فخياراتهما دائمًا ما تسيطر عليها العلاقات القذرة وأنظمة الحزب الواحد المتغذية على الديكتاتورية.

لعلهم يشتاطون غضبًا وجنونًا لعدم تمكنهم من تمرير نظام كهذا؛ لأن هناك اتفاقًا بين تركيا والبرزاني ضدهم. وهذا الاتفاق ما هو إلا نسخة جديدة عن الاتفاق بين الأتراك والأكراد الذي بدأه ألب أرسلان وصلاح الدين الأيوبي واستمر أثناء حرب الاستقلال مع إدريس بتليسي. وهذة هي النقطة الالتقاء التي تجمع بين تحالف القوي العالمية والإقليمية ضد تركيا وقوف منطمة بي كي كي ضد التحالف بين تركيا والبرزاني. فجميعهم متحدون يحاولون الحيلولة دون ذلك. ومشكلة منظمة بي كي كي الحقيقية مع البرازاني أساسها هذا الاتفاق بينه وبين تركيا. ومن ثم فإن جدلية من هو زعيم الأكراد أوجلان أم البرازاني هي جدلية مصطنعة لا معنى لها.

فالبرزاني على الرغم من كل الهجمات والضغوط الممارسة علية في السنتين الأخيرتين إلا أنه وقف صامدًا وتبنى الشراكة الاستراتيجية مع تركيا وأفسد ولا يزال حساباتهم جميعًا. ولعل إعادة السيطرة على سنجار مرة أخرى وإرسال فرقة عسكرية إلى معسكر بعشيقة العراقي يعد امتدادًا لهذا التعاون. واحتمالية بلورة هذا التعاون في شكل جديد الآن إحتمالية واسعة. فجمهورية كردستان العراق على وشك إجراء استفتاء على الاستقلال أُجّل من السنة الماضية. وينتظر بعد هذا الاستفتاء قرارًا باستمرارية الشراكة الإستراتيجية مع تركيا في إطار جديد. ولعل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ينظران بشكل إيجابي لذلك الأمر الذي سيغير كل مقاليد الأمور في المنطقة ككل. فهذة الخطوة هي التي أفسدت الخطوة التي حاولت اتخاذها إيران وروسيا وإدارة تنظيم بي كي كي في كردستان سوريا، وهي التي تسببت أيضًا في إحداث قلق لهم جميعًا.

ولا بد أن نكرر أنه لا بد من الاستعداد لأي تطورات مفاجئة. ففي أي لحظة من المتوقع ظهور أي خطوة استفزازية. فإدارة هذه المنظمة الإرهابية وحزبها التي لم تتوانى عن سوق ناخبيها إلى الموت أو على الأقل تحويلهم إلى لاجئين، قد غطت وجهها رائحة الدم. ولا مجال هنا لذكر الأسد. إلا أن روسيا وإيران في موقف لا يختلف عن موقف هذه المنظمة الإرهابية. ومن ثم فإن التاريخ بينما يعيد كتابة نفسه في هذة المنطقة، فإنه من الأهمية بمكان معرفة الجبهة التي يقف فيها  كل طرف والتحالفات التي كونها ولماذا...؟

عن الكاتب

محمود أوفور

كاتب في جريدة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس