محمد زاهد جول - الخليج أونلاين

قد يثير البعض استفساراً أو غرابة من الموقف الحازم للحكومة التركية من حزب الاتحاد الديمقراطي السوري الكردي (PYD)، من أن يكون على تواصل وتعاون مع الإدارة الأمريكية، فالحزب سوري وليس تركي، وفي الحالات الطبيعية كان ينبغي أن يأتي الاعتراض من الحكومة السورية وليس من الحكومة التركية، ولكن موقف الحكومة التركية واضح للإدارة الأمريكية كما هو واضح للحكومة الإيرانية والحكومة الروسية وغيرها، بأن حزب الاتحاد الديمقراطي السوري هو امتداد لحزب العمال الكردستاني PKK الإرهابي، فحزب العمال الكردستاني مصنف في تركيا والاتحاد الأوروبي وأمريكا حزباً إرهابياً، ومشاركة حزب PKK في عملية السلام مع الحكومة التركية لم تنجح، بسبب تمسك حزب العمال الكردستاني PKK بنهجه الإرهابي، وممارسته للقتل، والقيام بأعمال مخلة بالأمن الداخلي في تركيا، وبالأخص منذ 7 يونيو/ حزيران 2015، فمنذ ذلك التاريخ قتل حزب العمال الكردستاني PKK مئات المدنيين والعسكريين الأتراك، ليس بهدف تحقيق مطالب للشعب الكردي في تركيا كما يدعون، وإنما تلبية لمطالب دول خارجية تسعى لزعزعة استقرار تركيا، وبالأخص أن قيادة حزب العمال الكردستاني PKK المقيمة في جبال قنديل الواقع تحت سيطرة الحرس الثوري الإيراني، فوجود قيادة حزب العمال الكردستاني تحت سيطرة ودعم الحرس الثوري الإيراني يفسر أسباب تراجع حزب PKK عن عملية السلام في تركيا، وشنه للعمليات الإرهابية في تركيا من جديد، في اللحظة التي ظن البعض فيها أن حزب العدالة والتنمية انتهى عمره السياسي بنتائج انتخابات 7 يونيو/ حزيران 2015.

لذلك ليس غريباً أن تفتح الحكومة الروسية وهي في مرحلة عداء لتركيا قنوات اتصال وتعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وفتحها له مكاتب رسمية في موسكو، بعد سعيها لتخريب العلاقة مع الحكومة التركية، بحجة إسقاط الطائرة الروسية السوخوي يوم 24/11/2016، فروسيا تزيد من اتصالاتها وتعونها مع الأحزاب الكردية لهدفين:

أحدهما: إظهار عقوبة وانتقام من الحكومة التركية، بحسب عقلية الرئيس الروسي بوتين.

الثاني: استخدام روسيا لهذه الأحزاب الكردية في عملياتها العسكرية كجنود مرتزقة في الهيمنة على سوريا أو تقسيمها، أي عند حاجة روسيا إلى قوات برية لتنفيذ خططها في مقاتلة الشعب السوري لإخضاعه للإرادة الروسية، أو من أجل تقسيم سوريا وإطماع الأكراد بأن يكون لهم حصة في التقسيم، إذا ساعدوا الاحتلال الروسي على تقسيم سوريا وإقامة دولة علوية لبشار الأسد.

هذه أهداف السياسة الروسية مع الأحزاب الكردية في سوريا، وهذه السياسة لا ترضي الحكومة التركية، ولكن الحكومة التركية تنظر إلى السياسة الروسية على أنها سياسة أشخاص وحكم دكتاتوري، وعليه لا يمكن مساءلتها عن سياستها المعادية لتركيا حتى لو كانت مخالفة للقانون الدولي الذي ينظر إلى حزب العمال الكردستاني على أنه حزب إرهابي، ولذلك قد لا يكون من الفائدة استنكار هذا التصرف من القيادة الروسية، في حين نظرت الحكومة التركية بالرفض والاستنكار للتصريحات الأمريكية التي تريد التفريق بين حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، على أساس أن الأول حزب إرهابي والثاني غير إرهابي، في حين أن الحكومة التركية تملك الأدلة القاطعة على أن حزب الاتحاد الديمقراطي بقيادة صالح محمد مسلم هو فرع لحزب العمال الكردستاني، ويأخذ أوامره من جبال قنديل حتى لو كان حزباً سورياً، وأنه فرع إرهابي لحزب إرهابي أيضاً، بدليل تعاون أو خضوع حزب الاتحاد الديمقراطي مع بشار الأسد ومع الحرس الثوري الإيراني وأخيراً مع الاحتلال الروسي لسوريا، وليس أدل على ذلك أن الأسلحة الحديثة والمتطورة التي قدمتها أمريكا لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا لمقاتلة داعش، قام الحزب بتهريبها إلى حزب العمال الكردستاني في تركيا، وتم استخدامها في العمليات الإرهابية الأخيرة التي وقعت في تركيا، وأدت إلى موت العشرات والمئات في تلك التفجيرات.

على هذه الأسس استنكر وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو"، تصريحات الناطق الرسمي باسم الخارجية الأمريكية "جون كيربي" الذي أعلن بأنّ الولايات المتحدة لا تعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، منظمة إرهابية، وأعرب جاويش أوغلو عن استغرابه للخطأ الذي وقعت فيه الولايات المتحدة الأمريكية، متسائلاً عن الشريك الأساسي لواشنطن في الحرب على تنظيم داعش، حيث قال في هذا السياق: "أستغرب هذا الخطأ الصادر من الولايات المتحدة الأمريكية، وأتساءل من هو شريككم في الحرب على تنظيم داعش، نحن أم الإرهابيون في الداخل السوري".

وقد فند وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو الادعاءات التي تقول بأن تنظيم داعش منظمة إرهابية سيئة لأنهم متشددون، بينما تنظيمي حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، أفضل من داعش لأنهما منظمتين علمانيتين، فتساءل جاويش أغلو: هل يعقل هذا التفكير؟ وكأن الموقف من داعش متوقف على العداء الأيديولوجي وليس على كونه تنظيما إرهابياً، وإلا فإن تنظيمي حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي حزبان إرهابيان، بحكم قيامهما بالأعمال الإرهابية في تركيا وسوريا، بشهادة منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات الحقوقية والإنسانية.

ولعل إعلان القوات المسلحة التركية قبل يومين عن تمكنها من ضبط 4 أحزمة ناسفة مع أشخاص كانوا في طريقهم إلى الأراضي التركية قادمين من سوريا، يضع هذه الأحزاب على قائمة الإرهاب أيضاً، لأن داعش تنظيم متعاون مع حكومة بشار الأسد وكذلك مع حزب الاتحاد الديمقراطي، وقد رصدت المخابرات التركية العديد من الاجتماعات السرية بين داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي ومخابرات الأسد، والتي كانت تخطط دائماً لعمليات إرهابية داخل تركيا، فقد تكون عمليات التهريب بأيدي عناصر من داعش، ولكن مرحلتها الأخيرة تقع بأيدي عناصر حزب العمال الكردستاني الإرهابي في تركيا.

هذا الموقف التركي أكده الرئيس أردوغان خلال كلمته ألقاها في اجتماع المخاتير العشرين، الذين يجتمع بهم بشكل دوري في القصر الجمهوري، فقال أردوغان:" إن ما من أحد سيتمكن من زرع بذور التفرقة بين فئات الشعب التركي، وقال: لم تعد تركيا كما كانت في السابق هزيلة وضعيفة، إن تركيا اليوم قوية، لن يتمكن أحد من تقسيمها، سيبقى صوت الأذان مرتفعاً، وسيبقى العلم التركي مرفرفاً، إن تركيا ليست دولة الأتراك فقط، إنها دولة مئات الملايين من المظلومين والمقهورين، سنبقى إلى الأبد ننادي بشعار شعب واحد، أمة واحدة، علم واحد".

وقال أردوغان:" إن حزب الاتحاد الديمقراطي لا يختلف عن تنظيم بي كي كي، مشيراً إلى أن أمريكا لا يمكنها أن تعرّف تركيا على هوية تلك التنظيمات الإرهابية"، وقال: "إن من يقوم بتلطيخ بلادنا بالدماء هو تنظيم بي كي كي، الذي يلقى دعماً من حزب الاتحاد الديمقراطي، ومن هنا لا فرق بينهما بالنسبة إلينا، لا يمكن لأمريكا أن تعرفنا على هوية تلك التنظيمات، من هنا أريد أن أسأل أمريكا، إلى جانب من تقفين، تركيا أم التنظيمات الإرهابية؟ نحن خير من يعرف داعش، وخير من يعرف تلك التنظيمات أيضاً".

هذه الموقف التركي الرئاسي واضح من أن تركيا أعلم من أمريكا ومن غيرها في التفريق بين الأحزاب الكردية في المنطقة، وهي أعرف من أمريكا في تمييز إرهاب داعش عن إرهاب حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، ومقياس تركيا غير مقياس أمريكا وروسيا وإيران وبشار الأسد أيضاً، فالمقياس التركي هو أمن المواطن التركي وليس المصالح الأمريكية ولا الروسية ولا مصالح الحرس الثوري الإيراني، والموقف التركي من الأحزاب الإرهابية ليس على أساس قوميتها أو أيديولوجيتها أو جنسيتها أو لونها أو لغتها أو دينها، وإنما على أساس أثرها على أمن المواطن التركي، وأمن الدولة التركية، ووحدة الدولة التركية، وتقديس العلم التركي، أما الأفكار والقوميات والأيديولجيات الدينية أو العلمانية، فهذه لها مقياسها ومجالها الآخر.

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس