ولاء خضير - خاص ترك برس

من المعروف، أن مدينة القدس الشريف، كانت من بين المدن العربية الأولى، التي وصلت إليها القهوة، أيام الحكم العثماني، في القرن السادس عشر، قادمة من الشام، على ضوء الحركة العمرانية التي أحدثها السلطان سليمان القانوني في القدس.

ومن العادات التي انتشرت في لواء غزة، والقدس في العصر العثماني، شرب القهوة، وكانت القهوة في ذلك الوقت، قد أثارت جدلًا بين التحريم والإباحة، ووصل الأمر إلى ملاحقة صانعيها، وصدر أمر من السلطان العثماني إلى قاضي القدس حينها، عبد الكريم أفندي، بمنع تعاطي القهوة في القدس.

ورغم ذلك، انتشر شرب القهوة في مختلف المجالس في القدس، وأصبح تقديمها عادة للترحيب بالضيوف، وفي النهاية، حُللت، بعد أن حرمها عدد من الفقهاء في ذلك العصر، وقد وجد هذا المشروب طريقه للأشعار، فأخذ محبوها يتغنون بها.

وتأسس أول بيت للقهوة، في إسطنبول سنة 1554م، وقد وصف الطبيب الألماني ليونهارت راوڤولڤ القهوة، بعد زيارته إسطنبول والقدس، في العامين 1573 و1575بأنها: "مشروب جيد جدا ولونه أسود، كالحبر تقريبا، وهو جيد جدًا لعلاج الأمراض، وخصوصا مرض المعدة، وهم يشربونه في الصباح الباكر، في الهواء الطلق، أمام الجميع، من دون أي وجل أو اعتبار لأحد، بأكواب فخارية، أو صينية، وبأعلى حرارة ممكنة، حيث يرشفونه رويدًا رويدًا".

وهكذا انتشرت المقاهي في القدس، التي أسسها بعض أعيان المدينة، وارتادها بعض الأكابر، ومنها قهوة الشيخ أبو الوفا العلمي، وقهوة حسين باشا، بل إن أصحاب المقاهي، شكلوا نقابة لهم، وانتخبوا شيخا للطائفة القهوتية.

ثم تطورت المقاهي، وأصبحت تعرض لروادها المسرح الشعبي "الكراكوز"، والروايات الشعبية "الحكواتي"، حيث نقل فنانون شاميون تلك الأنشطة إلى القدس  خلال الحكم العثماني.

وبهذا الصدد يقول الروائي المقدسي والمدير السابق للغرفة التجارية في القدس، عزام أبو سعود، إن الحكواتي كان جزءًا لا يتجزأ من المقاهي القديمة في القدس، ويضيف: "الأصل في المقاهي، هو أنها مكان للتواعد واللقاء بين الناس، إذ لم تكن وسائل الترفيه التي نعرفها اليوم موجودة، فكان المقهى هو مكان لقاء رجال المدينة، يجلسون ويتحادثون بالسياسة والثقافة، ويروحون عن أنفسهم بلعب طاولة الزهر والدومينو والشدّة".

وصول القهوة إلى القدس

انتشر شرب القهوة في القدس، أواسط القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي، حيث انتقل إليها من الشام والحجاز، ومصر، خلال الحكم العثماني.

وانتشر شرب القهوة في مختلف المجالس، وفي وقت مبكر، كما اصبحت تشكل جزءًا من مراسيم العزاء في القدس، منذ أوائل القرن الحادي عشر الهجري، كما في عزاء محمد بن كمال الرملي، المتوفى في القدس سنة 1666م، حيث شملت مصروفات عزائه ثمن "غداء وقهوة"؛ وفي عزاء عيسى بن محمد أبو كعكة، سنة 1824م، قُدمت القهوة إلى جانب حلوى الكنافة.

وقد أشار مؤرخون إلى أن القهوة، أصبحت من عادات أهل القدس عند ترحيبهم بالضيوف والزوار، حيث يقوم المضيف إذا زاره شخص مهم، بسكب إبريق قهوة على الأرض أمامه ترحيبًا به.

ويلاحظ أن بعض المقاهي في القدس، التي أسسها بعض أعيانها في العهد العثماني، كانت تقوم بدور النوادي الثقافية، وقد ارتادها مشايخ وعدول، وشكّل أصحاب المقاهي، والعاملين فيها في القدس نقابة خاصة بهم كغيرهم من أصحاب المهن، وكانوا ينتخبون نقيبا عليهم، يتم تسجيل اسمه في المحكمة، كما حدث في عام 1590م.

ومن أقدم مقاهي القدس "بيت القهوة"، الذي تأسس في حمام علاء الدين البصري، في عقبة القرمي، قبل سنة 1578م، وبعد ذلك تأسست عدة مقاهي قرب الحمام المذكور.

ومن أقدم مقاهي محلة باب العمود، بيت قهوة كبير، أنشأه محمد باشا، محافظ غزة إبان الحكم العثماني، وباعته ابنته سنة 1651م.

وفي أواخر العهد العثماني، تأسست أربع مقاهي في الصف الشرقي من حارة سويقة باب العمود، وهي: مقهى عارف زعترة، ومقهى علي زحيمان، ومقهى خليل نجم، ومقهى صيام، واستمر العمل في مقهى صيام، إلى أن أغلق قبل بضعة أعوام.

كما حصلت بعض المقاهي على إعفاء من دفع الضرائب، بناء على أوامر سلطانية عثمانية في القدس، ومنها مقهى الشيخ أبو الوفا العلمي، بحجة أنه كان ينفق ريعه على مريديه والمقيمين في زاويته، فلما طالبه شيخ القهوجية، وأهل العرف، بدفع تكاليف عرفية سنة 1655م، منعهم قاضي القدس من التعرض له.

وكانت تنتشر في المقاهي كراسي القش، صغيرة الحجم، مكعبة الشكل، ومن دون مسند للظهر، ولا زالت حتى اليوم موجودة في مقاهي القدس، وتنشر كذلك في مقاهي تركيا، وتظهر في كثير من الصور العائدة لتلك الفترة.

كما أن المقاهي في القدس، أدت دورًا مركزيًا في الثورات ضد اليهود والإنكليز، في أثناء الانتداب البريطاني، كان الناس يتناقلون الأنباء عن الثورات في المقاهي، حيث يتم نقلها من شخص إلى آخر، حتى تصل إلى المقهى، وأيضًا، كان المقهى مركز التخطيط للعمليات ضد الإنكليز واليهود.

وحتى الآن ما زال  تجار القدس محافظين على مقاهيها العثمانية القديمة، كما أن أهالي القدس، والزبائن يواصلون القدوم إليها، نهارًا وليلًا، باستثناء الأيام التي تشهد اشتباكات ما بين الشبان الفلسطينيين، والجيش الإسرائيلي.


بعض الملعومات الواردة هي من دراسة مقاهي القدس في العهد العثماني لبشير بركات

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!