محمد حامد - خاص ترك برس

كثيرا ما تردد في وسائل الإعلام الإسرائيلية في الآونة الأخيرة  تعليقات وتحليلات تطالب صانع القرار في إسرائيل باستغلال الأزمة الروسية التركية، واستخدام ورقة تصدير الغاز الإسرائيلي للضغط على أنقرة في مباحثات تطبيع العلاقات بين البلدين، وثني تركيا عن شروطها للمصالحة وأهمها فك الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.

تنطلق هذه التحليلات من أن تركيا تستورد 98% من حاجاتها من الغاز من الخارج، وكانت روسيا أكبر مزود لها بالغاز، حيث كانت تركيا تستورد 60% من احتياجاتها من الغاز من روسيا بمبيعات وصلت قيمتها السنوية إلى 6.5 مليار دولار، لكن توقف الواردات الروسية وضع الحكومة التركية في مأزق جعلها تبحث عن مصادر بديلة لسد حاجتها من الغاز، وأول هذه المصادر بحسب هذه التحليلات إسرائيل.

وفي الواقع فإن المعادلة ليست بهذه البساطة المطروحة، فالتطورات الأخيرة في سوق الغاز العالمي تضع الضغط على إسرائيل وليس على تركيا، بحيث يصبح تصدير الغاز الإسرائيلي إلى تركيا ومنها إلى أوروبا مكسبا لإسرائيل قبل أن يكون مكسبا لتركيا.

أول هذه التطورات في سوق الغاز المتقلب والمعقد إعلان شركة إيني الإيطالية في شهر آب/ أغسطس الماضي عن اكتشاف حقل جديد في المياه الإقليمية المصرية، وصف بأنه سيكون أكبر حقل للغاز تم اكتشافه باحتياطيات تقدر بـ30 تريليون قدم مكعب.

الصحف الإسرائيلية رأت أن الحقل المصري سيغير قواعد اللعبة في عالم الغاز، وستكون له تبعات خطيرة سواء على الجانب الاقتصادي، وعلى السياسة الخارجية الإسرائيلية. وقالت القناة الثانية الإسرائيلية إن الاكتشاف المصري سيضيق الخناق على حقل لفيتان الإسرائيلي، ويقلل خيار التصدير من الحقل الأكبر في إسرائيل إلى مصر، وهو ما يعد بمثابة المصيبة لأرباح التصدير من هذين الحقلين. وقالت صحيفة جلوبس الاقتصادية إن اكتشاف الحقل ستكون له نتائج سلبية على تطوير حقل تامار، وحقل لفيتان الذي يعتمد على التصدير. ولذلك فإن على الشركاء في حقل لفيتان إيجاد مشترين جدد بدلا من مصر على المدى المتوسط والبعيد. واقترحت الصحيفة تسويق الغاز إلى الأردن وتركيا.

ومن اللافت هنا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عندما سئل خلال اجتماع للجنة الاقتصادية في الكنيست، بعد الإعلان عن اكتشاف الحقل المصري، عما تنوي إسرائيل عمله في حال سقط خيار التصدير إلى مصر، كان جوابه واضحا بأن إسرائيل تسير في اتجاه تصدير الغاز إلى تركيا.

وبعيدا عن اكتشاف حقل شروق المصري للغاز، فإن مخطط استخراج الغاز الذي أقرته الحكومة الإسرائيلية في شهر أغسطس الماضي، منح الشركاء في حقل لفيتان أربع سنوات لتطوير الحقل الذي يحتاج إلى استثمارات ضخمة  تصل إلى 8 مليار دولار. وأدى انخفاض أسعار النفط والغاز إلى انسحاب عدة شركات من مشروعات تطوير لفيتان، ما يعني أن إسرائيل في حاجة ماسة إلى مستوردين للغاز، على المدى الطويل، من أجل البدء في تطوير الحقل.

يقول تقرير أعده معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي بعنوان "الجدوى السياسية من تصدير الغاز الإسرائيلي إلى تركيا "بعد انسحاب شركة وودسيد الأسترالية من الشراكة في جقل لفيتان، فإن تطوير الحقل أصبح يعتمد اليوم إلى حد كبير على صفقة تصدير الغاز إلى تركيا ومصر.

ويلفت التقرير إلى أنه لا توجد بالضرورة علاقة بين صفقة تصدير الغاز لتركيا وبين التوصل إلى تسوية للأزمة السياسية بينهما، فبإمكان حكومتي البلدين عقد اتفاق لتصدير الغاز منفصلا عن التسوية. لكن التقرير استبعد أن تقدم تركيا على هذا الإجراء حتى لو كان الغاز الإسرائيلي مصلحة تركية واضحة.

ويزيد من عمق أزمة قطاع الغاز الإسرائيلي ارتفاع سعر تصدير الغاز الإسرائيلي مقارنة بنظيره في الأسواق العالمية، فبحسب تقرير لصحيفة الإيكونومست نشر أخيرا، فإن كلفة نقل وإسالة الغاز من الولايات المتحدة إلى أوربا تصل إلى دولارين فقط، في حين أن نقل الغاز الأمريكي إلى الشرق الأوسط يرفع التكلفة بـ50 سنتا، أي أن التكلفة النظرية لاستيراد الغاز من الولايات المتحدة تصل إلى 4.2 دولارا للوحدة، وهو ما يقل كثيرا عن تكلفة استيراد الغاز الإسرائيلي.

وقد دفع ذلك صحيفة كالكاليست الاقتصادية الإسرائيلية إلى القول بأنه في ظل الوضع الذي ظهر اليوم، فإن من الأفضل لعملاء الغاز الإسرائيلي استيراد الغاز من الطرف الآخر من العالم، وعدم شرائه من حقل تامار.

تطور مهم حدث مؤخرا سيؤثر سلبا على قطاع الغاز الإسرائيلي، وهو إعلان شركة رويال دويتش شل استحواذها على مجموعة بريتيش جاز البريطانية. وبحسب الخبير العالمي في شؤون الطاقة، نصرت كومرت، فإن شركة شل في طريقها إلى االانسحاب من الصفقات التي وقعتها  بريتيش جاز مع إسرائيل، لا سيما أن الشركة ترغب في العمل في إيران، وإعلانها أنها ستبيع ما قيمته 30 مليار دولار من أصولها لتغطية نفقات شرائها لشركة بريتيش جاز.

من الواضح في ضوء المعطيات السابقة أن تصدير الغاز الإسرائيلي إلى تركيا بات مصلحة إسرائيلية قبل أن يكون مصلحة تركية. وعلى هذا الأساس يمكننا أن نفهم حديث وزير الطاقة الإسرائيل، يوفال شطاينيتس، في نهاية الأسبوع الماضي، عن ضرورة تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل للبدء بتنفيذ مشروع نقل الغاز الطبيعي من شرق المتوسط إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، وإعلان بنيامين نتانياهو أمام المحكمة العليا الإسرائيلية، قبل بضعة أسابيع، أن تل أبيب معنية بتصدير الغاز الطبيعي إلى تركيا، وأن إسرائيل تجري دائما حوار سياسيا مع الحكومة التركية بهدف تصدير الغاز إليها ثم من تركيا إلى دول أخرى.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس