أ. محمد حامد - خاص ترك برس 

عندما وقعت اتفاقية التسوية بين تركيا وإسرائيل في نهاية حزيران/ يونيو الماضي تعززت آمال تل أبيب في أن تبدأ المفاوضات بين الجانبين لعقد اتفاق بين البلدين في نهاية العام المقبل لمد خط أنبوب للغاز من حقل لفيتان الإسرائيلي في البحر المتوسط إلى تركيا. في ذلك الوقت تحدث الشركاء في حقل لفيتان عن مفاوضات مع ائتلاف من 15 شركة تركية للطاقة أعلنت عن رغبتها في شراء أكثر من نصف كمية الغاز الموجودة في الحقل. وأشارت التقديرات الإسرائيلية إلى أن تركيا ستشتري كمية تتراوح بين 8-10 مليار متر مكعب من الغاز في عام 2020.

الاهتمام الشديد من جانب إسرائيل بتصدير الغاز إلى تركيا يرجع إلى عدة أسباب أهمها أنه في حال توقيع صفقة ضخمة لبيع الغاز إلى تركيا، ستتمكن إسرائيل من تطوير حقل لفيتان الذي يحتاج إلى استثمارات ضخمة، ولا توجد دولة أخرى قادرة على شراء هذا الكم الضخم باستثناء تركيا.

أدركت إسرائيل أن مصر ليست الوجهة المطلوبة التي تحقق أهدافها، فبعد التراجع الكبير في أسعار الغاز العام الماضي صار تصدير الغاز إلى مصنع الغاز المسال في دمياط، ومن هناك إلى أوروبا أمرا غير مجد اقتصاديا، كما أن اكتشافات الغاز الأخيرة في مصر، وأبرزها حقل الزوهار، جعل مصر غير محتاجة إلى الغاز الإسرائيلي وربما تبدأ تصديره قريبا.

السبب الثاني للاهتمام الإسرائيلي هو إمكانية تصدير الغاز الإسرائيلي عبر تركيا إلى أوروبا التي تعتمد على روسيا في تزويدها بما يقدر بـ30% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي الذي يصل إليها عبر أوكرانيا، وتريد تل أبيب أن تحل محل موسكو في توريد الغاز لأوروبا لكي يكون ذلك ورقة في صالحها.

ولعل أبرز إشارة على الاهتمام الإسرائيلي ما ذكرته القناة الإسرائيلية الثانية أن وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شطاينيتس سارع، في اليوم التالي لزيارة الرئيس أردوغان إلى روسيا والاتفاق على استئناف العمل في مشروع السيل التركي، إلى الاتصال بنظيره التركي والاطمئنان منه على استمرار رغبة تركيا في شراء الغاز من إسرائيل.

في المقابل فإن روسيا التي تزود تركيا بنحو 60% من احتياجتها من الغاز لن تسمح لإسرائيل بانتزاع السوق التركي منها أو التوغل على حسابها إلى الأسواق الأوروبية، وهو ما كشف عنه ريتشارد كاوزلاريتش، الخبير بمؤسسة "بروكينغز" البحثية الأمريكية الذي قال إن روسيا شعرت بالخوف من ضياع سوق الغاز التركي، بعد توقيع اتفاق تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل، مضيفا أن " قلق موسكو من فقدان حصتها من الغاز في سوق ضخمة كالسوق التركية، ولجوء أنقرة للغاز الإسرائيلي كبديل، هو أحد أهم الأسباب في عودة العلاقات الروسية التركية إلى طبيعتها".

ويضاف إلى ما قاله كاوزلاريتش أن روسيا تحلم بنقل الغاز الطبيعي إلى جنوب أوروبا عن طريق أنبوب من تركيا بدلا من الأنبوب الذي يمر عبر الأراضي الأوكرانية، ومن ثم زيادة صادرتها إلى دول أوروبية أخرى، وعدم الاعتماد على أوكرانيا بعد دخول العلاقات بين البلدين إلى حافة الحرب.

فماذا عن الموقف التركي من استيراد الغاز الروسي؟

لا ترغب أنقرة بالطبع أن تعتمد كلية على موسكو في سد احتياجتها من الغاز، فالقرار الاستراتيجي التركي هو تنويع مصادر الحصول على الغاز من روسيا وأذربيجان وتركمانستان وإيران وإسرائيل، وترغب أن تكون في الوقت نفسه موزعا للغاز إلى أوروبا، سواء القادم من إسرائيل أو من روسيا عبر أنبوب السيل التركي. وهذا سيحسن بالتأكيد من موقف تركيا التفاوضي مع روسيا من جانب، وتيحسين موقفها في أوروبا بشكل عام، حيث ستتحكم أنقرة حينئذ في صنبور إمدادات الطاقة إلى جزء كبير من أوروبا.

أما بالنسبة لإسرائيل فإن عودة الدفء للعلاقات التركية الروسية، واستئناف تصدير الغاز الروسي يقلل من احتياج تركيا لاستيراد الغاز الإسرائيلي، ومن ثم فلا ضير بالنسبة لتركيا من دخول إسرائيل في لعبة تنويع مصادر احتياجاتها من الغاز، واستغلال الورقة الإسرائيلية في تحسين موقفها التفاوضي مع الروس.

وقد لخصت المحللة الإسرائيلية أور لي برليف الموقف التركي من شراء الغاز الإسرائيلي بقولها بعيدا عن الحديث عن الغباء السياسي من جانب نتنياهو وشطاينيتس في السماح لأردوغان بالتحكم في صفقات الغاز الإسرائيلي، فليس من المؤكد على الإطلاق أن ينهي الأتراك معنا صفقة شراء الغاز، فهم يستمتعون باللعب معنا، ولا أحد يخبر الإسرائيليين بالحقيقة.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس