برهان الدين دوران – صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

لقد كشر الإرهاب عن أنيابه مرتين هذا الأسبوع وحول مرافق الحياة العامة التركية الى بحيرة من الدماء، فمرة استهدف حزب العمال الكردستاني شارع الكزلاي وحديقة جوفين في أنقرة والثانية عندما استهدفت داعش جادة التقسيم في إسطنبول.

فكلا الجماعتين الإرهابيتين تدفع عناصرها المتطرفة ومؤيديها لتفجير أنفسهم بطريقة جنونية وترغبهم بارتكاب اعمال إرهابية تهدف لنشر الرعب والخوف والهلع بين صفوف الشعب. فكلا الحزبين الإرهابيين يقوم بتفجير القنابل أما لمنافسة الحزب الاخر ومجاراته أو بعد عقد الاتفاقات والتنسيق معه. هذه التفجيرات الجنونية الهستيرية التي يقدم عليها كلا التنظيمين خلقت حالة من القناعة والايمان عند الشعب بأن "إرهاب داعش وأرهاب حزب العمال الكردستاني وجهان لعملة واحدة".

حتى إن الكتاب اليساريين الذين انتقدوا جملة رئيس الجمهورية رجب أردوغان عندما قال "حزب العمال الكردستاني وداعش هما ذات الشيء" توصلوا أخيرا إلى ذات الحقيقة والقناعة. فالتشابه الكبير في "الوحشية" واللاإنسانية التي تميزت بها أعمال حزب العمال الكردستاني وتشابهها العظيم مع وحشية داعش دفع الكثير الى الايمان والاعتقاد بان كلا الحزبين شريك للآخر.

لهذا السبب تمثل الفترة الحالية فترة حرجة بالنسبة للقوميين الأكراد خصوصا أن حزب العمال الكردستاني يقدم نفسه على أنه "حزب يحارب ويقاتل من اجل حرية الشعب الكردي"، فالأعمال الإرهابية التي أقدم عليها الحزب في المدن الكبرى حولت القوميين الأكراد إلى "عناصر بغيضة مكروهة" ودفعت إلى أقصاءهم عن المجتمع وتحويلهم إلى أعداء كما حصل في أعوام التسعينات.

لكن هذه الضغينة والكراهية المتنامية في أيامنا هذه تنطوي على خطر أكبر وأعظم، "فالتقسيم" الذي يشكل الهدف النهائي الذي يسعى إليه قادة حزب العمال الكردستاني انتقل إلى العلن وأمسى يؤثر على نسيج الشارع في تركيا. فعلى سبيل المثال، قرايلان عضو المجلس التنفيذي لتجمع الأحزاب الكردية (KCK) والذي قال في معرض حديثه عن عيد النيروز "قد يكون وسيلة وسبيل للحل" لم يتوانى كذلك عن تهديد تركيا "بالتقسيم والتقطيع" أذ قال: "لن يكون عام 2016م عاما طبيعي، فاذا ما أصر أعداء القومية الكردية على عداءهم فان الشعب الكردي لن يتوانى عن الانفصال، فكما ان عيد النيروز واحد لكل الأكراد فإن راية الأكراد كذلك واحدة. إذا لم يدركوا ذلك بعد فإن تركيا لا محالة سائرة نحو التقسيم والتجزئة".

هذه التهديدات بالتقسيم والانفصال لم تعد موجه ضد أردوغان او حزب العدالة والتنمية. على العكس هي تغذي عاصفة واسعة النطاق وتفاعلية من القومية.

 

فحزب العمال الكردستاني الذي لا ينكر خلفيته اليسارية القومية العلمانية ولا يستنكر الادعاءات المتنامية بتشابهه مع جماعة داعش الإرهابية. هذا الأمر والذي برأيي له سببان إلى جانب استهداف المواطنين العزل، أولهما: شعور حزب العمال الكردستاني اليوم بأنه "أقوى من أي زمن مضى" وأن باستطاعته إخضاع تركيا وأذلالها. هذا الشعور يؤدي إلى توجه القوميين الأكراد نحو المجتمع بانفعال يتميز "بالجشع" و"عداء تركيا". الأمر الثاني: تنامي الشعور بالمسؤولية والواجب بفعل كل ما يمكن لتثبيت أقدام حزب الاتحاد الديموقراطي - حزب العمال الكردستاني في الشمال السوري وتمكينهم من تحقيق سيطرتهم وتقدير جهودهم "لتحقيق دولة" هناك.

لنتذكر معا، عندما دخلت داعش الى الصورة في الحرب الداخلية السورية كان حزب الاتحاد الديمقراطي من بين الأحزاب التي خرجت تقاتل ضد تنظيم الدولة. أما الدعم الأمريكي بداية ثم الدعم الروسي تاليا الذي تلقاه حزب الاتحاد الديموقراطي تحت حجة قتال داعش كان بمثابة تشريع وتصريح للحزب لممارسة الوحشية والعنف الذي لا يتماشى مع أي من "قوانين الحرب" كما حصل في معركة كوباني (عين العرب).

فحزب الاتحاد الديمقراطي قدم نفسه على انه "محاربين علمانيين يبحثون عن الحرية" يقاتلون ضد "المتدينين المتطرفين". لكن بعد تموز/ يوليو 2015م ومن خلال استخدامهم واستفادتهم من التحضيرات والتجهيزات التي قام بها حزب العمال الكردستاني اثناء مشاورات ومفاوضات الحل اتجه الحزب نحو "حرب شوارع قائمة على التدمير". هذه الحرب التي حولت بلدات جنوب شرقي الأناضول إلى دمار بفعل حرب أهلية لم تكسب دعم الشارع الكردي بل عكست الأفكار في أذهان المجتمع هناك وأصبح حزب العمال الكردستاني رديف لداعش في الإرهاب والوحشية.

وإني أظن أن تنامي هذه الرؤية وهذه ينطوي على مخاطر حقيقية تؤدي إلى نتائج غير مرغوبة، فأنا أتحدث عن ردات فعل مبالغ فيها لمواطنين طفح بهم الكيل من الإرهاب.

فإذا كانت نظرة علم الاجتماع لأولئك الأفراد الذين يؤيدون داعش على أنهم طفرة متنحية في المجتمع التركي، فإن احتمالية تحول القوميين الأكراد إلى "عناصر بغيضة" في المجتمع أعلى بكثير وتنطوي كذلك على مخاطر أشد تهلكة وجدية. حزب العمال الكردستاني بدوره يؤجج نار الكراهية والبغيضة هذه ويغذيها. فحسب أقوال قرايلان فان الأيام التي ستلي عيد النيروز ستشهد "نزول عناصر حزب العمال الكردستاني إلى الشوارع وستعم موجة جديدة من العنف".

لقد أوضحوا بأن "عام 2016م سيكون عام انفصال واستقلال الكرد".

لكننا نعلم أن الشعب الكردي لا رغبة له بالانفصال أبدا.

تركيا والمجتمع التركي يملك رحابة صدر كافية لمواجهة جميع التحديات والمعوقات التي تعترض تقرير مصير سوريا في هذا العام.

أؤمن بهذا من كل قلبي.

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس