مصطفى القاسم - خاص ترك برس

يتساءل متابعو الأخبار في بقاع مختلفة من العالم اليوم: هل أصيب العالم بالانفصام؟ فبينما يرتشف أوباما آخر محتويات فنجان قهوته الصباحي، يصرّح: الأسد فقد شرعيته... بلا بلا بلا. وبينما يستوفي بوتين حصته الصباحية من فودكا الشجاعة، يصرّح: الأسد رئيس شرعي... بلا بلا بلا.

وبعد اجتماعه بلافروف وقبل أن يصل كيري إلى واشنطن، يسرّب: اتفقنا على رحيل الأسد. وقبل وصوله إلى واشنطن أيضًا، يصرّح لافروف: لا صحة لوجود اتفاق على رحيل الأسد.

ويتناوب السياسيون البريطانيون والفرنسيون والألمان على التصريح: على الأسد أن يرحل ليتمكن العالم من القضاء على الإرهاب. بينما الأجهزة البريطانية والفرنسية والألمانية والإسرائيلية تعمل على أساس: الأسد ركيزة في المنطقة للقضاء على الإرهاب.

وبدوره السكرتير العام للأمم المتحدة يطالب: على دول العالم زيادة مساعداتها للدول التي تؤوي ملايين اللاجئين السوريين. ثم يتابع: نحاول تأمين لجوء 480,000 سوري في مختلف دول العالم خلال السنوات الثلاث القادمة.

وفي سورية حيث دويّ القصف، يشعر الشعب السوري أن تصريحات الجهات المذكورة باتت أكثر أذيّة من قصف الطائرات الروسية. والأسئلة تزدحم في الأذهان: لماذا هذا التناقض؟ هل حسمت –بعد سنوات خمسة من القتل-مسألة رحيل الأسد أم لم تحسم؟ وإذا كان هناك توجّه دولي لحل القضية السورية، فلماذا التخطيط على مدى سنوات طويلة لتشريد مئات الآلاف الإضافية من الشعب السوري إلى (مختلف دول العالم)؟ ومع احتواء أدراج المنظمات الدولية على كل قوانين حقوق الإنسان وقوانين مكافحة جرائم الحرب والجرائم ضدّ الانسانية وجرائم الإبادة، أليس الأولى محاسبة بضع مئات أو أكثر من المجرمين بدل إدارة الأزمة من خلال تهجير شعب كامل وتأمين متطلبات لجوء الملايين؟؟ هل الوطن أولى بمواطنيه وهم أولى بوطنهم؟ أم الأولى خلق المزيد والمزيد من الأزمات في بقاع مختلفة من العالم نتيجة التوترات المحلية التي تنشأ عن اللجوء؟ هل يفترض بالعالم المتحضر أن يسهم في حل مشكلة شعب يقتله جزّار؟ أم يفترض به تصدير مشكلة هذا الجزّار إلى بقاع الدنيا؟ ألم يسأل العالم نفسه لم يحصل ذلك ومن المستفيد؟

لا شك أن الدور المسرحي الأمريكي المطالب برحيل الأسد (عن طريق التصريحات) إنّما يرمي إلى احتواء الدول المتضررة فعليا من ممارسات الأسد، واستجرارها بالتبعية إلى الإملاءات الأمريكية التي تظهر رويدا رويدا بصيغة اتفاقات دولية مع الدبّ الروسي صعب المراس (حسب الدور الأمريكي المرسوم له بدوره)، ولا شك أن هذا الدور لم يعد ينطلي إلا على فئة محدودة من جمهور المسرحية الذين ناموا في مقاعدهم الوثيرة، ولم يسمعوا صفارات الإنذار التي انطلقت تخبر بنشوب الحريق في مدرجات المسرح.

ومع استمرار الأزمة السورية وتصاعدها وترشحها للمزيد من التصعيد، ومع تمثيليات نظام الأسد وحلفائه التي باتت مكرورة ومطبوعة بطابع الابتذال، وخطاباتهم حول الخطر الإرهابي القائم في المنطقة والذي يعلم الجميع أنه ما كان ليكون لو لم يكن الأسد مؤسسا له وعاملا فاعلا في إنشائه. ومع صدور العديد من أحكام القضاء الأمريكي التي تثبت ان نظام الأسد هو المُنَفّذ الحقيقي للكثير من الجرائم الإرهابية في العالم، ومن ذلك تفجيرات عمان عام 2005. كما أن إيران حليف الأسد الكبير وبالتعاون مع حليفها حزب الله اللبناني كانت ذات باع طولى في أحداث الحادي عشر من أيلول وتفجير برجي التجارة في نيويورك، وذلك من خلال التسهيلات اللوجستية والدعم المادي واللقاءات التي عقدها عماد مغنيّة عام 2000 مع منفذي العملية. فإن ذلك كله ليس ببعيد عن أحدث الأعمال الإرهابية العالمية في باريس وأنقرة واستانبول وبروكسل، ومع يقين العالم كله أنه وبصرف النظر عن الجهات التي تبنت التفجيرات فإن المسبب الأساسي لها والمستفيد الأول منها هو نظام الأسد، وفي وقت لا زالت تتردد فيه على وسائل الإعلام تهديدات مفتي الأسد لأوروبا وأمريكا التي أطلقها في عام 2011 بتنفيذ عمليات (استشهادية): سنعدّ استشهاديين هم موجودون الآن عندكم... ولنضع أسطر كثيرة تحت (هم موجودون الآن عندكم)، والمفتي بالطبع لا يقصد بالاستشهاديين سفراء النظام والعاملين الرسميين في سفاراته لدى تلك الدول، وإنما يقصد أشخاص آخرين أو تنظيمات سرية معدّة سلفا.

وإذا كانت الأزمات التي أحدثها النظام الأسدي هي حفل افتتاح –وعذرا للتعبير-لأزمات أخرى ستنتشر في المنطقة كما بقعة الزيت مهما حاول المعنيون تجاهل ذلك، ومهما دفن بعض الحكام رؤوسهم في الرمال، ومهما ظنّوا –وبعض الظن إثم-أن سقوط هذا الطاغية قد يؤثر على مكاناتهم، إلا أن استمرار هذا النظام سيكون بدوره بوابة الجحيم التي راحت تنفتح على العالم بأسره، مهما حاول الاحتياط لها واتخاذ الإجراءات الاحترازية، وإذا كانت بقاع مختلفة من العالم قريبة وبعيدة ستتأثر أو بدأت تتأثر بلهيب النيران التي ساهمت بإيجابية أو سلبية في تأجيجها، فإن الأسئلة الكبرى ضمن سلسلة لا تنتهي من الأسئلة: من هو المدير الحقيقي لهذه الأزمة؟ وما مصلحة العالم في السماح له باستمرار إدارتها بهذه الطريقة؟ وهل سيستطيع العالم إعادة تكريس مفهوم العدالة بينما يرى العالم كله هذه الجرائم تعاقب بمكافأة؟ وهل يستحق طاغية، أيّا تكن خدماته، أن يضع العالم في مقامرة روليت روسية؟

عن الكاتب

مصطفى القاسم

محامي وكاتب سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس