مصطفى القاسم - خاص ترك برس

السيد أبو الغيط "الأمين" العام لجامعة الدول العربيةـ

قرأت صباح اليوم، في طريقي إلى عملي، أنكم قد تداعيتم إلى اجتماع طارئ على مستوى وزراء خارجية الدول العربية، للبحث في الهجوم التركي على القوات الكردية في شمال سورية. ولفت نظري أنكم حددتم موعدا لاجتماعكم خلال ثلاثة أيام من بدء العملية! لا أخفيكم أنني قد تفاجأت جدا!

لقد غلب على ظنّي خلال السنين الفائتة أنه قد نزل بجامعتكم والعاملين فيها ومن يجتمعون فيها ما نزل بأهل الكهف، مع اختلاف المشبَّهين عن المشبّه بهم، فقد رأى العالم كله، وما رأيتم، مذابح تعمّ العالم العربي من محيطه إلى خليجه، وسمعوا بكاء الأطفال الذي صمّ الآذان، وأحصوا الشبّان الذين غُيّبوا خلف قضبان الاختفاء القسري، ورصدت أقمارهم الدماء تغرق حتى رمال الصحراء، وسجّلت دويّ مدافع ينافس هدير الدبابات، وأزيز طائرات يوقظ الأموات بينما هي تسابق الصواريخ لتدّك بيوت المدنيين من شعوبكم. وخلف كل هذا تقف أنظمتكم المقاومة والممانعة والناصرة للأمة -ولا نعرف ما المقصود بالأمة وعلى من يناصرونها- في مواجهة الطغمة -ولا نعرف من هي الطغمة التي ما رأيناهم يستهدفونها- والمنادية بوحدة عربية لم تزدد يوما على عهدهم إلّا انقساما وشرذمة وتشتتا"

على كل حال، وبما أنكم قد خرجتم من سباتكم، فإننا نضع بين يديكم هذه المقدمة ونزيدكم؛ أنه في سورية التي تجتمعون لأجل زاويتها الشمالية الشرقية، قد قتل نظام الأسد والميليشيات والقوات الداعمة له، وعلى كامل مساحة البلاد، ما يزيد عن مليون رجل وطفل وإمرأة وعجوز لا جريرة لهم إلّا أن بعض الشباب خرجوا يهتفون ضد الظلم والاستبداد، وأعتذر عن جرح مشاعركم الرقيقة بعبارات مثل "الظلم والاستبداد".

وفي سورية قام النظام ومؤيدوه من قوات وميليشيات بالاعتقال والإعدام والإخفاء القسري على الهوية لمئات الآلاف من المواطنين من مختلف الأعمار.

وفي سورية فإن النظام -الذي جمّدتم عضويته في الجامعة وحافظتم على حرارة اللقاءات السرية معه- يتّبع سياسة التطهير العرقي والتغيير الديمغرافي والتهجير الممنهج والمتعمد الذي كان السبب الرئيس لشنّ الحرب على الشعب السوري، تحت مزاعم الثورة المسلحة والجماعات الإرهابية، وقد نجم عن ذلك ملايين المهجّرين النازحين داخليا واللاجئين خارجيا.

وفي سورية حيث تستمر الجريمة منذ ثمان سنوات -وبدعم معلن أو خفي من بعض أنظمتكم- تتواجد اليوم قوات العالم كلها؛ روسيا وإيران وحزب الله والميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية، والكثير منهم صار يحمل الجنسية "العربية"السورية، إضافة للقوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والألمانية والصينية والكورية الشمالية....

وفي سورية يراقب السوريون بقلق بالغ سعيكم الحثيث لإعادة شرعنة هذه النظام المجرم عرفا وأخلاقا وشرعا ووفقا للقوانين المحلية والدولية.

ولكي لا أطيل الوصف،، ولا أعكّر صحوتكم المفاجئة، فإننا نستحثكم، على فرض أن ضمائركم ما ماتت ولكن كانت في سبات مثلكم، أن تعلموا أن الشعب السوري اليوم، كما كل الشعوب العربية، لو تجرأت يوما على الكلام بحرية، فإنهم سوف يقولون لكم: ما عدنا نؤمن بحدود مزارعكم التي سيّجتموها بدمائنا وأرواحنا، وما عدنا نؤمن بتقوية حصونكم التي استعبدتمونا خلفها، وما عدنا نؤمن بالحرية على طريقتكم والوحدة التي تكذبون علينا بها، وما عدنا نسمح لكم بأن تتغذوا وتتقووا بدماء أطفالنا وأعراض حرائرنا وقوت يومنا وأمان بيتنا وحبّات عرقنا.

ما عدنا نؤمن بحدودكم، حدود سايكس وبيكو، ولن نحميها، والأولى أن ندعوا لمحوها، ونريد أن نرحل بين بلاد الله الواسعة بلا جوازات سفر ولا إذن دخول ولا تفتيش على معبر، إرحلوا عنّا، واتركونا وشأننا، أوتوقفوا عن تآمركم، وعودوا من جديد إلى مخادعكم.

عن الكاتب

مصطفى القاسم

محامي وكاتب سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس