ترك برس

على الرغم من تعرض شعوب البلقان للكثير من الضغوط، إلا أنهم لم يقبلوا الكاثوليكية أو الأرثوذكسية وذهبوا لخلق دين قريب للمسيحية يلائم اعتقادات وتصورات أباءهم الأولين وأُطلق على هذا التوجه "البوغوميل"، وهو عبارة عن خليط من البوليشيانية "ديانة أرمنية" والأرثوذكسية، ولعب البلغاريون الدور الأكبر في إظهار هذا التوجه في القرن العاشر، ولم يمض الكثير حتى أصبح هذا التوجه الدين الأساسي لأعداد هائلة من شعوب البلقان. ويُنصح في هذا الصدد بمشاهدة فيلم المخرجة البلغارية "ماريا كولوفا"، الذي تم إنتاجه عام 2007 ويحمل اسم ذلك التوجه.

أبعاد التقارب بين الدين الإسلامي والفكر البوغوميلي

هناك الكثير من المشتركات بين الفكر البوغوميلي والدين الإسلامي الحنيف، فأتباع الفكر البوغوميلي لا ينظرون لعيسى عليه السلام على أنه إله، ويرفضون أيضًا تقديس الصليب الذي يرون أنه يُغضب الرب، ويقولون في تبرير ذلك: "لا يُعقل أن تقديسنا لقطعة من الجماد تدلل على حادثة خرافية تقربنا للرب الأعظم، بل ذلك يثير غضبه علينا، لإشراكنا ببعض الأشياء في عبادته ولعدم ثقتنا بقدرته على إنقاذ ابنه كما تدعي المسيحية". سهّل ذلك على الدعاة الأتراك مهامهم في دعوتهم للدين الإسلامي، إذ لاحظ الكثير التقارب الشديد بين الدين الإسلامي والفكر البوغوميلي، وهذا ما دفعهم للإيمان زرافات ووحدانا.

بداية دخول شعوب البلقان إلى الإسلام

كان السلاف الذين يسكنون وسط منطقة البلقان أي البوسنة والهرسك ورومانيا وكوسوفو والدول الأخرى القريبة لهم، من أولى الشعوب التي آمنت بالفكر البوغوميلي، وقد بدأ الأتراك بدعوتهم إلى الإسلام في عام 1292، حين أرسلت الدولة السلجوقية عددًا من دعاتها وعلمائها نحو البلقان.

حملت الدولة العثمانية لواء الدعوة من الدولة السلجوقية، وبدأت عام 1336 بإرسال دعاتها، ولكن البيزنطيين والجرمانيين والصرب منعوا الدعاة من الوصول وآذوا المسلمين هناك، الأمر الذي اضطر الدولة العثمانية لإعلان حروبها نحو البلقان عام 1389، وتمكن مراد الثاني عام 1387 من ضم كوسوفو، وأعقبه في الفتوحات حفيده محمد الفاتح، الذي تمكن من ضم البوسنة وعدد من المناطق المحيطة بها عام 1463، وكان حسن معاملة السلاطين العثمانيين الفاتحين قد أثر كثيرًا في سكان المدن والقرى البلقانية التي أصبح سكانها هم الذين يستدعون الدعاة والعلماء لتعلم الدين والدخول فيه.

لا يختلف المسلمون في البوسنة والهرسك في الأصل عن الكروات والصرب، ولكن عقب دخولهم الإسلام أطلقت عليهم الدولة العثمانية اسم "البوشناق" للتعريف بهم على أنهم الصرب أو الكروات المسلمون، وقد أطلقت الجمهورية اليوغسلافية هذا الاسم على المواطنين المسلمين، ولا يزال مستخدما حتى الآن.


* المصدر: إسماعيل تاش بينار، “دخول البوسنة إلى الإسلام”، دارين تاريخ، حزيران/ يونيو 2016

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!